واقع خارج المنطق / د.أسامة الفرا

بقلم: أسامه الفرا

 حواديت ...


واقع خارج المنطق


الحداثيون يعتبروننا خوارج، والتكفيريون يشنعون علينا بأننا علماء سلطة، بينما ما زال بعض السياسيين مرتابين منا، وهنالك من يرى أننا مجرد راكبي موجة، وأننا غيرنا جلودنا لكي نحقق بعض المكاسب متناسين أننا ندفع الثمن غالياً... هذا ما قاله الداعية الإسلامي د. عائض القرني بعد أن عاد من اعتزاله للدعوة، وكان قد اعتزل الدعوة بقصيدة قال فيها:


يا أرض بالقرن ما زلنا محبينا


لا البعد ينسى ولا الأعذار تثنينا


فسائلي الغيم كم أسقى معاطفنا


وسائلي البرق كم أحيا مغانينا


قبل سنوات قدر لي أن أقتني كتاب الداعية الإسلامي د. عائض القرني "لا تحزن"وهو من الكتب التي تجذبك الكلمات الأولى فيها لمتابعته دون ملل، والكتاب بيع منه أكثر من مليوني نسخة، ويقال إنه من أكثر الكتب بالعربية رواجاً، وفيه يعالج الداعية الإسلامي الجوانب المأساوية في حياة الإنسان، التي عادة ما تواكب مسيرته في الحياة، وبكلمات ميسرة ينقل الشيخ القارئ من حالة التشاؤم إلى التفاؤل، ويمسح الحزن عنه بكلمات يخاطب فيها العقل والقلب، فتارة يذهب إلى الحلول الروحانية وأخرى إلى ما هو عقلاني يدفعك للتفكر والتأمل.


وحقيقة الأمر أن ما جاء بكتاب "لا تحزن"من ملامسة للواقع الإنساني بكل ما فيه من هموم وشجون، والمعالجة الراقية لها دون تعقيد أو تضخيم، يدفعك لأن تبحث عن متشابهات له، تتناول الهم اليومي للإنسان في زمن تغيرت فيه الكثير من القيم والمبادئ، وطغى على نمط الحياة المكاسب الدنيوية، وجاء كتاب الشيخ د. القرني "لا تيأس"في معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2011، ولعدم توفر الكتاب محليا اطلعت على مقتطفات منه عبر النت، وإن كان كتابه الأول يعالج الحزن والغم، فالثاني "لا تيأس"جاء ليحاكي جانباً من السلوك الفردي الذي يمكن أن يستسلم له المرء ويقتل فيه الأمل، ولا أخفي حقيقة أن مؤلف الكتاب يدفعك لاقتناء كتبه، لكن المفاجأة في الأمر جاءت من كاتبة سعودية مغمورة "سلوى العضيدان"حين اتهمت الداعية د. عائض القرني من خلال كتابه "لا تيأس"بالسطو على محتويات كتابها "هكذا هزموا اليأس"الذي تمت طباعته عام 2007، وتقول الكاتبة في دعواها أن الغالبية العظمى مما جاء في كتاب لا تيأس كانت قد ضمنتها في كتابها، وذهبت إلى أكثر من ذلك بعمل جداول تبين التشابه بين ما جاء في الكتابين، المهم أن القضية تفاعلت إعلامياً منذ صدور كتاب "لا تيأس"العام الماضي.


 


المفاجأة الكبرى جاءت في قرار لجنة حقوق المؤلف بوزارة الإعلام السعودية التي قضت بتغريم الداعية د. القرني بمبلغ 300 ألف ريال سعودي تعويضاً للكاتبة العضيدان، وشمل الحكم أيضاً سحب كتاب "لا تيأس"من الأسواق ومنع تداوله. حكم اللجنة يؤكد ما ذهبت إليه الكاتبة المغمورة، التي اقتصرت حياتها على الجانب التربوي ضمن عملها كمشرفة تربوية، وليس لها باع يذكر في الكتابة فهو يكاد يقتصر على كتاب "هكذا هزموا اليأس"وأتبعته بكتاب آخر "استمتع بالفشل ولا تكن فاشلاً"، فيما المكتبات تزخر بعشرات الكتب للشيخ القرني، تنوعت بين الحديث والسيرة والفقه والتفسير، وله كذلك بعض الدواوين الشعرية.


 


المؤكد أن قرار لجنة حقوق المؤلف أحدث دوياً بمستوى الصاعقة، فالأمر هنا لا يتعلق بسرقة كتاب وكم يزخر عالمنا العربي بمثل ذلك، بل لأن الأمر يتعلق بالداعية الإسلامي د. عائض القرني، من الصعب على الإنسان تقبل ما ذهبت إليه لجنة حقوق المؤلف في حكمها، ولكن هي ذات الحال التي بواقعنا السياسي الفلسطيني التي لا يمكن للعقل أن يستوعبها، رغم القرائن التي تشير لها، فهل من الممكن تخيل حكومتين لشعب ما زال يرزح تحت الاحتلال؟، وهل من المنطق في شيء أن نتبادل الاتهامات فيما بيننا عند كل شاردة وواردة، دون أن توقظنا جرائم الاحتلال فينا من سباتنا العميق؟.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت