سلام فياض والمستقبل المنشود/عماد عبد الحميد الفالوجي

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي

 


الدكتور سلام فياض من الشخصيات المثيرة للجدل سواء داخل الأوساط الفلسطينية أو خارجها ، فكل من يلتقيه يشعر بأنه أمام شخصية قيادية من الطراز الأول ويمتلك بصيرة ورؤية سياسية متكاملة وهو محيط – بحكم موقعه وتجربته – بكافة أطراف القضية الفلسطينية ومطلع على كافة تفاصيلها ، واستطاع بنجاح كبير خلال سنوات الانقسام السوداء أن ينأى بنفسه عن التدخل بشكل سلبي في تفاصيل الانقسام بالرغم أنه يقف على رأس حكومة الرئيس محمود عباس – الضفة الغربية – وهي تشكل أحد أعمدة ومظاهر الانقسام ولكنه تعامل معها بنوع من المهنية المجردة ورفض أن يشارك في التصعيد الإعلامي بين طرفي الانقسام ، ونجح الى حد كبير في الظهور بصورة واضحة أنه ليس طرفا مباشرا في الخلاف الداخلي مما أثار البعض عليه ، وكرر مقولته أنه لا يعتبر نفسه خصما لأي فصيل سياسي بغض النظر عن موقف بعض الفصائل منه ، وهو الذي قدم نفسه خلال الانتخابات الماضية وما بعدها بأنه صاحب مشروع أطلق عليه " الطريق الثالث " في إشارة واضحة لتشكيل القطب الثالث الفلسطيني ومن خلال نشاطه الشعبي كان يقدم نفسه لكافة شرائح مجتمعنا على هذا الأساس معلنا أن المجتمع الفلسطيني بحاجة الى ميلاد حالة فلسطينية قادرة على استكمال بناء المشروع الوطني الفلسطيني ومكمل لجهود فعل كافة الفصائل الفلسطينية الفاعلة على الساحة الفلسطينية وهذه الحالة ستكرس ذاتها في بناء مؤسسسات الدولة والتركيز أكثر على احتياجات المواطن الفلسطيني والانتباه لشريحة العمال والخريجين والطلاب وبناء الاقتصاد الفلسطيني وتعزيز قدرات صمود شعبنا على أرضه في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية وكذلك عدم التفريط بأي إنجاز فلسطيني على الساحة الدولية وكل فصيل سيجد له مكانه في ساحة العطاء لأن القضية الفلسطينية بحاجة لكل جهد وكل فعل وكل فكر في مواجهة التحديات ، هذا بعض ما عرفناه عن الدكتور سلام فياض ، وهو يسير في اتجاه واضح وصريح ويحترم من اتفق معه أو اختلف معه بنفس الدرجة .


 


 


 


كل ما سبق كان مفهوما وطبيعيا ومن حق كل فلسطيني أن يقدم ذاته ويطرح أفكاره على الشعب ، وفي النهاية القرار هو قرار الشعب عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة ، ولكن من غير المفهوم أن يطرح شخصية قيادية بحجم وتجربة الدكتور سلام فياض قضايا قد تفقده الكثير من البريق الشعبي وتجعله في مركز الانتقاد عندما يصر على الاستمرار بتولي منصب رئيس الوزراء مع علمه أن القوتين الأساسيتين على الساحة الفلسطينية – فتح وحماس – لا ترغبان بتوليه منصب رئيس وزراء حكومة المستقلين القادمة ومن ناحية أخرى يتعرض لقضية تمس آلاف الموظفين عبر خطة " التقاعد المبكر " ثم تعرضه لقضية الضرائب وغيرها من القضايا التي تثير الرأي العام وخاصة خصومه السياسيين ، ولن تنجح وسائل الإقناع العلمي التي يتحدث بها في فهم ما يريده لأنه ببساطة شديدة كل مواطن يقيس نسبة النجاح أو الفشل بمقدار تأثره الشخصي من أي قرار ولا يمكن للمواطن أن يسمح لنفسه بالتفكير بأكثر من ذلك بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية العامة التي تعصف بمجتمعنا وكذلك عدم  الاستقرار النفسي للموظف العمومي بشكل خاص نتيجة الانقسام الحاصل والتخوف أن تكون المصالحة على حساب هؤلاء الموظفين سواء من يتقاضون راتبهم من حكومة رام الله أو من يتقاضون رواتبهم من حكومة غزة فكل موظف عينه على أسرته ومستقبلها وهذا حقه على كل مسئول أن يوفره له وليس العكس ، فلماذا يضع الدكتور سلام فياض نفسه في مواجهة كل هذا ؟


 


 


قائد فلسطيني يطمح في بناء مشروع سياسي كبير وأمامه أرضية ممكنة للنجاح من خلال تقديم أفكاره لتحسين وتطوير الأداء الفلسطيني ومعالجة كافة سلبيات المرحلة الماضية واستكمال بناء دولة المؤسسات ثم يضع نفسه في حالة الدفاع عن النفس وهو مرشح بترك منصبه خلال فترة قريبة ، والسؤال المطروح أين الحكمة في ذلك ؟ وهل هذا يساعده في تحقيق ما يريد ؟ أم هو التراجع عن الفكرة التي بشر بها وشعوره باليأس من النجاح ؟ ، كثير من المراقبين للشأن الداخلي الفلسطيني يتوقعون بناء حالة فلسطينية جديدة تحمل فكرا مستنيرا وبرنامجا سياسيا متكاملا والكثيرون يتوقعون أن يكون الدكتور سلام فياض في مركز هذا التحرك الجديد مع حلفاء له في المعادلة الفلسطينية الجديدة وأن الانتخابات القادمة ستشهد تغييرا كبيرا في تركيبة الخارطة الحزبية الفلسطينية حيث من المتوقع أن تتقدم أحزاب وتتراجع أخرى وتخرج من الخارطة الحزبية بعضا منها ، ولذلك يعمل الجميع بكل قوة لكسب ثقة المواطن الفلسطيني المنهك من شدة ما تحمل من تبعات التناحر الحزبي الفلسطيني ويريد الفكاك منها ويبحث عن حالة إنقاذ تملك كل المقومات الكفيلة لمساعدته وتعمل على إعادة الأمل والكرامة للغالبية الصامتة من شعبنا ، ولا تريد أن تبقى أسيرة في حقل التجارب التي وضعنا فيها البعض ، الشعب يريد حالة من الخلاص مما هو فيه ، ولا يريد أي طرف يبدأ مشواره السياسي بمشروع التقاعد المبكر أو فرض الضرائب مهما كانت التبريرات والحجج لأنها تضعه في حالة رعب وخوف وقلق على مستقبله ومستقبل أسرته ولا تساعده على الصمود على أرضه .  


 


 م. عماد عبد الحميد الفالوجي


 


رئيس مركز آدم لحوار الحضارات


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت