يجلس في زاويا بعيدة عن الناس ويرتكز على شجرة ذات فروعاً ممتدة إلى السماء، تحيطه الزهرات الجميلات ذات اللون الأبيض وسط الأموات في "مقبرة الإنجليز" شرق مدينة غزة، ويبدأ يحلق في تفكيره، باحثاً في الأفق سارحاً في كيفية نسج خيوط لوحته الفنية.
عنقاء فلسطين هي اللوحة التي شغلت بال الفنان الشاب أحمد حلس (19عاما) من سكان مدينة غزة، ودفعته ليلجأ إلى المقبرة كما يقول لمراسل وكالة قدس نت للأنباء سلطان ناصر:" أحاول أن أرسم عنقاء فلسطين لذا لجأت لأجلس هنا بعيدا عن ضجر المدينة".
هدوء المكان ...
ويضيف :" أحاول الخروج من الضوضاء التي تدور حولي، وازدحام الناس وأصوات مولدات الكهرباء التي تفقدني التركيز في رسم لوحتي الفنية، فأجد في هدوء المكان وخضرت الطبيعة حولي عالمي الخاص كفنان يحاول تجسيد شيء جميل من خلال الألوان".
ويوضح أنه بمجرد دخوله إلى المكان يساعده ويتيح لهم مجالاً واسعاً يمكنه من التعبير عن ما يدور في مخيلته اتجاه الشكل النهائي للوحته، مبيناً أنه بمجرد النظر في خضرت وورود وهدوء المكان يجسد ما بجوب خاطره بلوحة لا تكون موجودة في العالم الذي يعيشه بغزة.
وسيلة قوية ...
ويعتبر الفنان حلس أن الفن وسيلة ذات قوة تساهم في تجسيد الواقع الفلسطيني بفرحه وآلمه الذي دائما ما يتسبب به الاحتلال الإسرائيلي، مضيفاً أنه على مدار السنوات السابقة أظهر معاناة الفلسطينيين من خلال لوحاته الفنية التي تعكس ألم الحصار والحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع.
وكانت إسرائيل شنت في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 حرباً على قطاع غزة استمرت 22يومياً خلفت ما يزيد عن 1400شهيد فلسطيني وآلاف الجرحى ومئات البيوت المهدمة.
ويقول الفنان الشاب:" هناك الكثير من اللوحات الفنية أرسلتها إلى عمان ولبنان وتعكس مدى المعاناة التي نعيشها في ظل استمرار الحصار"، مشيراً إلى أن جزء أخر من لوحاته التشكيلية بينت حجم المعاناة التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي، ومدى الحقد الذي يحمله اتجاه الفلسطينيين، مؤكداً أنها كانت تعكس في نفس الوقت صمود الفلسطينيين وتمسكهم في أرضهم.
بداياته مع الفن..
ويستذكر حلس بداياته مع الفن قائلا:" بدايتي مع الرسم كنت في سن الـ 12 عام، فرسمت لوحة فنية ودخلت في مسابقة ضمن مركز (إسعاد الطفولة في مركز رشاد الشوا الثقافي، وحصلت فيها على الجائزة الأولي مما دفعني إلى أن أستمر في تنمية هوايتي"..
ويوضح حلس أنه أثناء ممارسته الرسم يفضل أن يستمع للموسيقي ومفضلاً موسيقي للفنان الأمريكي الجنسية (ياني) واصفاً إياها برائعة جداً وتساهم في اندماجه معها بحركة الريشة أو القلم الذي يرسم به فيحدث تناغم بينهم وصولا إلى الانتهاء من لوحته الفنية .
حدود مغلقة ...
ويلفت إلى أنه مع تشجيع أهله وأصدقائه له باشر بالانضمام إلى المراكز والمؤسسات الثقافية، فعمل مع الوقت على تطوير قدراته من خلال التدريب في مجال الفن التشكيلي والعادي والرسم المائي وعلى الزجاج والكاريكاتير وتشكيل الجدران.
ويؤكد الفنان حلس على أن إغلاق الحدود من حوله وعدم قدرته على السفر لتمثيل فلسطين في المحافل الدولية للمساهمة في تحقيق إنجازات للقضية الفلسطينية من خلال رسالة الفن، يقف عائق أمام أحلامه كفنان فلسطيني يسعي جاهداً بعكس الصورة الجميلة لفلسطين التي تؤكد أن (على هذه الأرض ما يستحق الحياة) .