إن المعركة التي لا تهدأ نارها ولا تنطفئ لهيبها بل لا تزال مستعرة إلى قيام الساعة هي معركة الحق مع الباطل معركة الإيمان مع الكفر معركة العدل مع الظلم معركة الهدى مع الضلال .قال تعالى الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا
ومعركة الحق مع الباطل معركة ليست جديدة علينا فهي حرب قديمة قدم الزمن نفسه و ليست وليدة اليوم وإنما هي فصول يرويها لنا القرآن الكريم في أدوار مختلفة . وقبل أن أورد تاريخ الحق مع الباطل وهزائم الباطل فيها وما يقوله الإسلام، أود أن أؤكد انه ما من معركة بين الحق والباطل إلا كان الباطل فيها خاسرا . ومها علا الباطل في فترات من تاريخه الا كان الباطل زهوقا . وفي إحدى المعارك قال الباطل للحق : أنا أعلى منك رأسا ،فقال الحق: وأنا اثبت منك قدما فقال الباطل: أنا اقوى منك فرد عليه الحق قائلا: وأنا أبقى منك، فقال الباطل: وأنا معي الأقوياء والمترفون فرد عليه الحق:( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون). قال الباطل: أستطيع أن أقتلك الآن. فقال الحق : ولكن أولادي سيأخذوا بثأري وسيقتلونك ولو بعد حين فالحق يعلو ولا يعلى عليه.
وهكذا في كل معارك الحق مع الباطل يكون فيها الباطل خاسرا فيندحر الباطل أمام قوة الحق قال الله تعالى ( ويريد أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) وهذه بشارة لكل من يخوض هذه المعارك وهو معه الحق يحارب به سواء كانت المعارك على المستوى الشخصي او المستوى السياسي او المستوى الاقتصادي فالكاسب فيها من يحارب بجيش الحق، والتاريخ اثبت ذلك على مر السنين فهذه انتفاضة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قام بتحطيم أصنام قومه ليكون الدين كله لله فالتقى الإيمان مع الحق في مقابل الباطل والكفر( قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) وانتصر الحق فقامت حملة عنيفة باءت بالفشل وسجل الله على المبطلين قرآن يتلى ويذكر للأبد ان البقاء للأصلح وان الله مع المؤمنين قال تعالى (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين).
ويقص القرآن الكريم أيضا معركة أخرى بين الحق والباطل بين موسى عليه السلام وفرعون وكم في الدنيا التي نعيش فيها الآن من فراعنة لا يتعظون ولا يعتبرون من مصير معلمهم الأول ورائدهم فرعون الذي يمثل الباطل في ابعد حدوده فكان يقول أنا ربكم الأعلى وكان يقول ما من اله غيري. ولو كان لديه طائرات تقصف الناس وتهدم البيوت لفعل ولو استطاع أن يحاصر الناس برا وبحرا وجوا لفعل أيضا ولكن الله أراد للحق أن ينتصر على الباطل فأهلك فرعون ومن معه وسيهلك أيضا كل فرعون يظهر بعد ذلك مهما كانت قوته وعظمته ،يقول الله تبارك وتعالى ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ) ومن الله على المؤمنين بقوله ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
وتسير الأيام ويلتقي صراع الحق مع الباطل بين سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وبين أبي جهل وشيعته من كبار أهل قريش الذين أرادوا القضاء على الإسلام وأهله واعتبروا أن الإسلام يمثل الإرهاب كما يقول ويفعل الغرب وشيعته من العرب اليوم ،ولكن الله يريد ان يظهر دينه على الدين كله ولو كره الكافرون كما قال تعالى( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وكانت نتيجة المعركة ان انهزم الباطل ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم محاربا بالحق فانتشر الإسلام في كل ربوع العالم رغم انف المبطلين.
وتجمعت قوى الشر والفساد والباطل واتحدت وكونت الجيوش في الحروب الصليبية حتى تهزم الحق كما تفعل قوى الشر وحلف الناتو وغيرها من أحلاف السوء لكن الله حقق وعده ونصر عبده واجتمعت كل قوى الغرب على الإسلام في عهد صلاح الدين الأيوبي وأرادوا تدمير كل شيء أسروا المسجد الأقصى المبارك تسعون عاما وبالوا في ساحاته وربطوا الخيل في جدرانه وعاقروا الخمر وضاجعوا النساء فيه وكما يفعل اليهود اليوم من محاولات لهدمه وتدنيسه بالخمر وحفر الأنفاق تحته.
إلا أن الله دحر الباطل وحرر الأقصى ورفع الأذان من جديد على مآذنه بفضل انتصار الحق ودحر الباطل ( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين).
وهكذا لا ولن يخلو زمان أو مكان من معركة وصراع بين الحق والباطل بين الكفر والإلحاد ولكن هذا الصراع يكون مابين هادئ فترة ومشتعل فترة أخرى أما أن ينتهي فهذا مستحيل يقول الله تبارك وتعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ولكن اليهود اليوم يريدون دماءنا قربانا يتقربون بها إلى الله يريدون من هؤلاء الشهداء الذين يقصفونهم بالطائرات وهذه الرؤوس التي يقتلونها تقربا بها إلى الله ، فالله سبحانه وتعالى يقول عن اليهود ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا ) أي يسعون باطلا والفساد والباطل الذي نراه اليوم من اليهود لا يضاهيه فساد فلا الشجر ولا الحجر ولا الحيوان ولا النبات ولا المساجد ولا البيوت سلمت منهم وهذا الكلام مذكور في توراتهم التي زيفوها وتقول ( اقتلوا كل شيء أحصدوا كل أخضر ويابس) (ليس علينا في الأميين سبيل) أي أنهم لا يرون في إزهاق أرواحنا أو اخذ أموالنا أو هتك أعراضنا بأسا هذه عقيدتهم المحرفة وشريعتهم المزيفة ومواثيقهم المنقوصة وهم يعتقدون أنهم بقتلنا وهدم بيوتنا ومزارعنا أنهم على صواب وان دينهم المحرف يقول لهم ذلك ولكن الله تبارك وتعالى قال لنا ذلك وأمرنا بالصبر والتقوى وان ذلك من عزم الأمور يقول الله تعالى( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور).
فهذه المعركة بين الحق والباطل لا تزال مستمرة ومشتعلة ولم تنته والباطل يعلوها ولكن النتيجة لم تظهر بعد فمازال الدم الفلسطيني على ارض الإسراء والمعراج ينزف ومازالت العربدة اليهودية على ارض القدس والمسجد الأقصى تشتعل ومازالت أرواح الشهداء على ارض غزه تصعد واحدة تلو الأخرى وعلى فترات غير آبهين لا بأطفال أو شيوخ أو نساء والمستوطنون يعيثون فسادا في أرضنا والخزي والعار يلحق المتخاذلين والمتساقطين والمستسلمين والمأساة تكبر وتزداد يوما بعد يوم ولكن الأمل والتفاؤل يحدونا بانتصار الحق وهو السلاح الذي ندافع به على الباطل لان الله تبارك وتعالى بين ان كل امة سيكون فيها من يحمل الرسالة فكلما جاء عصر قيد الله تعالى منهم من يحمل الراية ويقيم الحجة ويقود الأمة إلى النصر فيقول تبارك وتعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ). وقد لمح الرسول صلى الله عليه وسلم الى عصرنا هذا وسماه عصر الطائفة المنصورة فقال(لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) وفي رواية أخرى للحديث (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا وأين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ) فنسأل الله تبارك وتعالى أن يعجل انتصار الحق في هذا الوقت رغم اننا متيقنين ان الحق سينتصر عاجلا أم آجلا.
الكاتب: القاضي الدكتور / ماهر خضير
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت