أماط مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن بخصوص سورية اللثام عن حقيقة التوجه العربي الرجعي نحو محاصرة سورية وإلحاقها بركب المطبعين مع العدو الصهيوني والساعين لضرب إيران على خلفية الموقف الأمريكي وفي خدمته، الأمر الذي أوضحه التناقض الكبير بين نص ومضمون تقرير لجنة الرقابة العربية ونص ومضمون قرارات وزراء الخارجية العرب.
حين يتعرف المرء على الدول التي صاغت المشروع بخصوص سورية وتتشاور من أجل تقديمه لمجلس الأمن الدولي يدرك مباشرة أن هذا المشروع يعمل في خدمة أعداء الأمة العربية وليس لمصلحة الشعب السوري الذي أعلن رفضه للتدخل الخارجي في بلده.
فرنسا تسوق المشروع وتوزعه على أعضاء المجلس وتثير أكبر قدر من الزوابع التحريضية على سورية وقيادتها للتغطية على الأهداف الحقيقية له ولعقابيله المدمرة لوحدة الأراضي السورية التي ستكون عرضة للتشظي إن تم تمرير مثل هكذا مشاريع.
القطريون والمغاربة ينسقون ومتحمسون لتسويقه بثوب عربي مزقته خطايا الجامعة العربية التي تحولت إلى جامعة لكل الخائفين على كراسيهم وممالكهم الآيلة للسقوط فنجدهم يتآمرون على أشقائهم لحماية أنفسهم من مصير مماثل لما جرى في تونس ومصر.
الولايات المتحدة تدعم القرار بدون تحفظ وتسعى جاهدة إلى إلزام رعاياها من دول المساعدات المالية (الشحاذة) المهينة بالتصويت للقرار، بل وتجري مباحثات من تحت الطاولة من أجل منع روسيا الاتحادية والصين عن اتخاذ فيتو ضد القرار غير المتوازن والذي يحمل قدراً كبيراً من الإهانة لسورية وتدخلاً فظاً في شؤونها الداخلية، أو في الحد الأدنى التحفظ على القرار فقط.
بريطانيا وغيرها من الدول الغربية تعمل هي الأخرى على تهيئة الجو لنجاح المشروع ضد سورية وتسخر ماكينتها الإعلامية والدعائية لخدمة فرض المزيد من الحصار والتجويع على الشعب السوري تحت يافطة حماية المدنيين.
إن من يقرأ مشروع القرار بنصه الحالي قبل عرضه للتصويت سيخدع كما حدث مع بعض قوى المعارضة السورية التي أيدت قرارات وزراء الخارجية العرب يوم 22 من الشهر الجاري وحملت قدراً كبيراً من المساس بالسيادة الوطنية للجمهورية العربية السورية، والتي جاءت على النقيض من تقرير بعثة الجامعة العربية لمراقبة الوضع في سورية.
كل الذين شاركوا في صياغة مشروع القرار ودعموه ويعملون على تسويقه الآن يعرفون بشكل مؤكد أن سورية سترفض القرار حتى لو حظي بإجماع في مجلس الأمن، كما أنها تدرك جيداً أن الحسم العسكري ضد سورية وحكومتها غير ممكن في الظروف الحالية، وأنه يحتاج لترتيبات لا تتوفر لا للأمريكيين ولا لكل حلف الناتو بقضه وقضيضه، كما أن الحسم الداخلي غير واقعي اليوم رغم سيطرة بعض المجموعات المسلحة على بعض المناطق والطرقات في ضواحي دمشق، الأمر الذي نعرف ويعرف الجميع أن السلطات السورية تستطيع القضاء عليها في زمن قصير لولا قبولها بالحل العربي وبتمديد عمل لجنة الرقابة لشهر إضافي. بل هناك من يقول أن موضوع الحسم العسكري من جانب الحكومة السورية بات قاب قوسين وأدنى من التنفيذ على ضوء الضغوط المحلية وانتشار الفوضى في عدة أحياء من حمص وحماه وإدلب وريف دمشق وغيرها من المحافظات السورية، وأن القيادة السورية تتمهل من أجل تطبيق قرار الحسم بأقل قدر من الضحايا وتحت رقابة المراقبين العرب وجامعتهم ودليلهم على هذا رسالة السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية للأمين العام للجامعة التي قال فيها أن الحكومة السورية معنية بحماية مواطنيها ووقف أعمال الإرهاب.
روسيا أعلنت رفضها للمشروع باعتباره يعرقل فرص الحل السلمي للأزمة ويضع مزيداً من العراقيل أمام الوساطة المتوازنة للحل، كما يهمش المساعي الروسية ويقلل من شأنها على حد تعبير مسؤولين روس. وجاء الرفض العلني على لسان مسؤول رفيع في الخارجية الروسية بقوله أن موقف بلاده لا يتعلق فقط بمصالح روسيا وعلاقتها الممتازة مع الجمهورية العربية السورية بل وكذلك لأن هذا هو الموقف المبدأي والعادل لروسية تجاه قرار يتضمن في نصوصه خروجاً عن المبادئ الأممية في العلاقات الدولية، ونقلت وكالة "ايتار تاس" للأنباء عن نائب وزير الخارجية الروسي جينادي جاتيلوف قوله إن " مسودة القرار الغربي العربي بشأن سورية في الأمم المتحدة غير مقبولة وتفتقر إلى جوانب أساسية بالنسبة لنا".
الصراع على سورية بات واضحاً ولم تعد المسألة مرتبطة بحق الشعب السوري في اختيار نظامه السياسي لأن هذا الحق لا يناقشه أحد وبات من المسلمات التي يقبلها الجميع بما في ذلك موضوع الانتخابات الرئاسية وتداول السلطة سلمياً.
إذن نحن أمام جولة من الصراع السياسي داخل أروقة الأمم المتحدة واستطرادا في شوارع سورية مع عرب القواعد الأمريكية وأسيادهم هناك والمسلحين من كل صنف هنا، وفي كل الأحوال فإن سورية العربية ستنتصر وستبقى بجيشها وشعبها في مواجهة العدو الإسرائيلي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت