الحركة الأسيرة الفلسطينية النشأة والإنجازات/ماهر حجازي

في تاريخ الشعوب عرف يقول، عندما يكون هناك احتلال للأرض، فالأمر الطبيعي أن تكون هناك مقاومة، وبالتالي لا بد للشعوب أن تدفع ضريبة الدفاع عن أرضها ومقدساتها، فتقدم الشهداء والجرحى والأسرى.


بكل تأكيد هذا العرف ينطبق على الواقع الفلسطيني، منذ احتلال فلسطين عام 1948 على يد العصابات الصهيونية، وطرد أصحاب الأرض عن ديارهم وقراهم.


في هذه الحلقة، نوجز باختصار بالحديث حول ولادة الحركة الأسيرة في فلسطين، وما حققته من انجازات ومكاسب، انتزعتها من بين أنياب السجان الصهيوني، بالعزيمة والإصرار والصمود.


 


ولادة الحركة الأسيرة في فلسطين:-


 


تعود أصول الحركة الأسيرة الفلسطينية إلى مرحلة الاستعمار البريطاني لفلسطين، والذي مارس جميع أشكال الاضطهاد بحق الشعب الفلسطيني من قهر واعتقالات وأحكام جائرة واعدامات للمجاهدين والمقاومين الفلسطينيين في تلك الحقبة الزمنية، حيث قام الاحتلال البريطاني باعدام ثلاثة مجاهدين من رموز ثورة البراق وهم (عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي)، كذلك أعدم في العام 1933م الشيخ المجاهد فرحان السعدي، وأعدم الشيخ يوسف أبو دية عام 1939م.


على إثر وعد بلفور المشؤوم باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وقيام العصابات الصهيونية بارتكاب المذابح الجماعية بحق الفلسطينيين عام 1948م، حيث رافقها حملة اعتقالات عشوائية، بغرض تفريغ الأرض من سكانها والذين تشتتوا في أرجاء المعمورة.


بعدها أكمل الاحتلال الصهيوني في عام 1967م سيطرته على فلسطين، لتتصاعد معها سياسته في الاضهاد وقمع واعتقال الفلسطينيين.


هذه المرحلة تميزت بولادة الثورة الفلسطينية عام 1965م، كرد طبيعي على السياسة الصهيونية الهمجية واحتلال فلسطين، حيث كانت ثمرة الثورة الفلسطينية، ومقاومة الاحتلال، اعتقاله للعديد من المقاومين الفلسطينيين الملتحقين في صفوف الثورة، وكان أولهم الأسير المحرر ( محمود بكر حجازي) الذي اعتقله الاحتلال الصهيوني بتاريخ ( 18/1/1965م ) أثناء تنفيذه عملية تفجير أحد الجسور قرب بلدة بيت جبرين في اراضي 48 بمحاذاة الخليل من الجهة الغربية، ، ليكون الأسير الأول الذي يولد من رحم الحركة الأسيرة الفلسطينية.


كما تبلورت الحركة الأسيرة الفلسطينية بشكل عملي بعد تعاظم الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، والتي شارك فيها مجاهدون عرب ومسلمون  حيث وقع بعضهم في الأسر.


وقد تميزت الحركة الأسيرة في هذه المرحلة بوعي سياسي وفكري ووطني، كما استطاعت بلورة قيادة الحركة الأسيرة وتنظيمها وتعبئتها داخل سجون ومعتقلات الاحتلال التي نقلت نضالاتها من الاحتجاجات الفردية إلى الاحتجاجات الجماعية الواعية والمنظمة، وفي مقدمتها الإضرابات المفتوحة عن الطعام لتحقيق أهداف سياسية ومطلبية تستجيب لمصلحة الأسرى في مواجهة سياسة إدارة السجون الصهيونية من جهة، كما تستجيب لمصلحة وأهداف الشعب الفلسطيني من جهة أخرى.


 


أبرز انجازات الحركة الأسيرة عبر مسيرتها الجهادية:-


 


منذ نشوء الحركة الأسيرة وهي تخوض المعركة تلو الأخرى ضد الهمجية الصهيونية، وسياسة القمع العنصرية، وسلب الحقوق ومخالفة القوانين الدولية التي تعتبر نهجا وسياسة صهيونية.


في معركة الإرادة والإيمان بحق الأسرى في نيل حقوقهم الانسانية والقانونية كمقدمة لنيل حقهم الأسمى بالحرية،  جاهد الأسرى لانتزاع حقوقهم وكسر قيودهم بشتى الوسائل والطرق منها الإضراب عن الطعام إلى الامتناع عن الخروج إلى الفورة، والاشتباك مع حراس السجن، ورفض تنفيذ الأوامر.


 


ابرز انجازات الحركة الأسيرة :-


 


- تمكن الأسرى من تنظيم وتأطير أنفسهم وبناء الهيكل القيادي والتنظيمي للحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، والذي أدى إلى النهوض بواقع الأسرى في المعتقلات.


- حول الأسرى المعتقلات الصهيونية إلى قلاع للعلم وجامعات للبطولة من خلال اقامة الدورات التدريبية في مجالات التعليم والمهن والأمن ومحو الأمية، مما أكسب الأسير خبرات جديدة داخل السجن.


- تمكنت الحركة الأسيرة عبر مسيرتها من خلال الإضرابات من وضع حد للسياسات الصهيونية ضد الأسرى واجبار مصلحة السجون على الرضوخ لمطالب الأسرى، ومنها السماح للأسرى بالنوم بعد العد الصباحي، وارتداء الملابس المدنية، وزيادة وجبات الطعام، والسماح بإدخال التلفاز والراديو والكتب التعليمية وزيارة الأهالي والتقدم للشهادة الثانوية والدراسة الجامعية.


- اضرابات الأسرى أدت إلى تشكيل لجان تحقيق صهيونية كلجنة"كيت" لبحث ظروف اعتقال الأسرى، والتي أوصت بإدخال الأسرة والشراشف إلى جميع السجون الصهيونية.


- تمكنت الحركة الأسيرة بنضالها ضد السجان من تشكيل جبهة دعم واسناد شعبية فلسطينية وعربية و تشكيل مؤسسات حقوقية تعنى بملف الأسرى وحقوق الانسان.


- اطلاع الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال على مستجدات الوضع الفلسطيني، والمشاركة في اتخاذ القرار الفلسطيني، والتأثير فيه مثل وثيقة الأسرى التي شكلت أرضية لانجاز اتفاق مكة حول المصالحة الفلسطينية.


- سجل الأسرى سلسلة من الأبحاث والدراسات والمقالات والقصائد الشعرية داخل السجن فيما بات يعرف بأدب السجون.


- حصل الأسرى على الشهادات الثانوية والجامعة داخل السجن، وبعضهم تقدم للدراسة الجامعية في الجامعات الفلسطينية والعبرية ومنهم من حصل على شهادة الماجستير والدكتوراه.


- ينتظم الأسرى على اقامة الجلسات الفصائلية والوطنية لبحث تطورات الأحداث داخل السجن أو خارجه فيما يتعلق بمستجدات الوضع الفلسطيني واتخاذ المواقف واصدار البيانات. 


- استطاع الأسرى التواصل مع العالم الخارجي رغم الوسائل الصهيونية الساعية لابعاد الأسرى عن محيطهم الفلسطيني وذلك من خلال زيارات المحامين، والأهالي لابنائهم الأسرى.


- شكل الأسرى لجانا اعلامية داخل السجون تتواصل  مع وسائل الاعلام، وتزودهم بأخبار الأسرى ومقالات دورية تتعلق بالأسرى أو الوضع السياسي، أما داخل السجن فنشاطها يتركز في الدورات التثقيفية ومجلة أخبار حائطية تتابع المستجدات داخل السجون وخارجها.


- يقوم الأسرى بنشر مقال اسبوعي تحت عنوان" كلمة الهيئة القيادية العليا للأسرى " كل يوم اثنين عبر صحيفة فلسطين الصادرة في قطاع غزة.


- العديد من الأسرى استثمروا فترات السجن الطويلة بحفظ القرآن الكريم كاملا واقامة دورات في الحفظ وعلم التجويد.


 


رسالة الحلقة :


دعوة مؤسساتنا الإعلامية والحقوقية إلى توثيق نضالات الحركة الأسيرة الفلسطينية عبر مسيرتها الجهادية، وابراز التضحيات العظيمة التي قدمها و يقدمها الأسرى كل يوم في معركتهم مع السجان الصهيوني دفاعا عن حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني.


حيث تشكل هذه الوثائق أدلة على الإجرام الصهيوني بحق الأسرى، ومستمسكا قانونيا لمحاكمة مصلحة السجون الصهيونية على اعتداءاتها وجرائمها ضد الأسرى أمام المحاكم الدولية.


كما تعتبر نضالات الحركة الأسيرة الفلسطينية في معركة التحدي مع السجان الصهيوني، بمثابة وسام فخر لكل فلسطيني حر ومقاوم، ودليل على عدالة القضية الفلسطينية.


 


* كاتب واعلامي


باحث في قضية الأسرى وملف اللاجئين


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت