غزة على قدر أهل العزم تأتي العزائم/ محمد فضل الداعور

 

 


 

صعب على الإنسان أن يعيش حياة كلها ابتلاءات وهموم يومية، والأصعب أن تكون ملازمة له على مدار سنوات، لكن في المقابل جميلة هي الابتلاءات عندما تكون من خالق الإنسان الذي خلقنا لذلك الأمر .


 

قطاع غزة صاحب المساحة الضيقة على مستوى العالم ،كان بداية فصول المعاناة وأشدها قسوة ،وما زال حتى الآن يعاني مرارة الأنظمة الحاكمة الفاسدة السابقة، التي كانت معينة للاحتلال الإسرائيلي على فرض الحصار على القطاع ، فتوقفت المصانع عن العمل وأصبح نسبة كبيرة من العمال بلا عمل لينضموا إلى صفوف أصحاب البطالة ،أغلقت المعابر جميعها حتى مع أخوة الدم هناك في مصر الثورة ،التي نجحت في طرد من كان سببا رئيسا في الحصار ،المئات من المرضى أصبحوا في عداد الأموات لمنعهم من السفر للعلاج في الخارج ،وتستمر فصول المعاناة .


 

 


 

ست سنوات عاشها سكان قطاع غزة ،وهم يعيشون حياة بلا كهرباء جراء استهداف المحطة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بطائراته، تزداد حكايتها في كل يوم ،فيما لا يستطيع سكان العالم التخلي ولو دقيقة واحدة عنها ،بحجة أنها توقف مصالحهم العامة ، فما بالكم بشعب لايراها إلا ثماني ساعات يومية وفي بعض الأحيان لا تكتمل هذه الساعات ، وتستمر فصول الصمود .


 

 


 

ست سنوات عاش عبرها سكان قطاع غزة حربا إسرائيلية شرسة سقط خلالها أكثر من ألف وخمس مئة شهيد وآلاف الجرحى،استهدفت الصغير والكبير حتى الحجر والشجر لم يسلم منها ،قصفت البيوت على رؤؤس ساكنيها والمساجد ومصليها والمارة وهم يبحثون عن مخبز يشترون منه رغيف خبز ليطعموا أبنائهم ، صمود وثبات على مدار أثنين وعشرين يوما لأهل غزة التي احتضنت المقاومة الفلسطينية التي أثخنت في الاحتلال الإسرائيلي الجراح ،ليسجل التاريخ أن غزة نجحت في الانتصار على الاحتلال .


 

 


 

كل هذه الفصول المؤلمة استوجبت أن يلتئم الجرح الفلسطيني من جديد، وتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس في القاهرة ، وطي صفحات مؤلمة من الانقسام والتصدي لمخططات الاحتلال التهويدية لمدينة القدس ،الذي سرعان ما هدد بوقف المساعدات عن السلطة الفلسطينية في حال شكلت حكومة تضم حركة حماس ، وتستمر فصول التضحيات .


 

 


 

فحصار ست سنوات لم ينهك من عزيمتهم بعد ،فكل القضايا التي ذكرتها سابقا، من حصار وحرب ودمار، كانت من أجل الضغط على الفصائل الفلسطينية وحركة حماس ،للإفراج عن الجندي جلعاد شاليط الذي أسرته المقاومة من على ظهر دبابة ، مكث في غزة قرابة الخمسة أعوام في قبضتها التي أحسنت معاملته ،وفرت له الأكل واللباس والمشرب ، في المقابل يعاني أسرانا التعذيب والتحقيق والعزل الانفرادي ، لم يستطع الاحتلال عبر عملائه ولا أجهزته الأمنية أن يكتشف مكانه ،ففرض الحصار وشنت الحرب واعتقل نواب المجلس التشريعي عن حركة حماس ،وجميعها قد بائت بالفشل في التعرف على مكانه أو الضغط على الفصائل الآسرة لشاليط ،لتتكلل الجهود بعد صبر خمس سنوات ،لتحقق المقاومة انجازا وطنيا وحدثا تاريخيا لم يتوقعه أحد، مع إعلان خضوع الاحتلال لمطالب الفصائل الآسرة وإطلاق سراح ألف وسبعمائة وعشرين أسير وأسيرة لاسيما من أصحاب المؤبدات والمحكومات العالية ،ليخرج أهل قطاع غزة عن بكرة أبيه في اسستقبالهم في حشد مهيب ،فأطلقت الزغاريد والرصاص ،ورُشت الورود وفُتحت البيوت للتهاني ووُزعت الحلوى في الشوارع والمخيمات .وتستمر فصول الحصار حتى الآن .


 

 


 

لم أستطع التطرق لكل قضية بالتفصيل ،ولكن أهل غزة كثيرة هي تضحياتهم التي سُجلت لهم، أثبتوا قدرتهم على تحمل المتاعب والشدائد ،وأن الله عز وجل أذا أحب عبدا أبتلاه ،وما بعد العسر إلا اليسر وما بعد الضيق إلا الفرج ،فحُق لأهل غزة أن يصبروا ويصمدوا في وجه عدوٍ لم يستطع التغلب على عزيمتهم القوية ، (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) .


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت