التعايش بالحب في حياتنا..حاجة ضرورية!!/ آمال أبو خديجة

بقلم: آمال أبو خديجة

الحب حاجة أساسية للإنسان فطر الله الإنسان ليميل للإشباع إليها من محيطه لتمده بطاقة التفاعل والانتماء والإحساس بمشاعر الإنسانية المميزة له عن غيره من المخلوقات، يبدأ الإنسان بالبحث عن الحب وإشباع فطرته منذ يومه الأول للحياة، فالطفل يصرخ صرخة الميلاد لفراقه رحم السكينة والانسجام مع والدته والالتصاق بها ليبدأ البحث عن إشباع أوسع لفطرة الحب من والديه وأسرته ليستمد حنانهم وعطفهم لينمو سليماً سوياً معافى لمجتمعه، فيوضع الطفل منذ لحظة ميلاده الأولى على صدر والدته ليلتصق بها ويسمع دقات قلبها ويطمئن إليها ويشعر بمحبتها وحنانها، وإن فقد الطفل وحُرم ذلك الحب والحنان دون وجود من يُعوضه سينمو مضطرباً منحرفاً يفتقد لمشاعر التفاعل الإنساني والانتماء للآخرين، وبعض الدراسات العلمية أثبتت أن الطفل الذي يُحرم الحب والحنان والالتصاق بجسد والدته ينتهي به المطاف إلى الوفاة  .


 


الحب الشعور الوجداني الداخلي الذي يتفاعل به الإنسان مع أشياء يجد فيها إشباعاً لمشاعر السعادة والطمأنينة والحب للحياة والإقبال عليها، ويصاب الإنسان بالضيق والحزن إن حُرم أو لم يستطع أن يتفاعل مع ما ُيحب ليكون بجواره أو يتمتع برؤيته ومشاركته، فكلما زاد تقدير الإنسان للشيء الذي يُحبه وتميل نفسه إليه لتحقيق الراحة والسعادة كلما زاد حبه وتعلقه به، وإن زاد عن حده في تعلقه حتى لا يقدر على فراقه عندها يُسمى عشقاً وهو ما يقال أنه يقتل صاحبة ويدمر ذاته إن فُقد وحرم منه .


 


فالحب حاجة يجب أن يتم إشباعها للإنسان كما تُشبع أي حاجة ضرورية أخرى، ويجب أن تقدم بالتوازن دون تقصير أو إفراط لأن لنقصان الشيء أثراً على صاحبه كما أن لزيادته أيضاً، فالإنسان إن أحب لا بد أن يحب بحكمة وروية دون مزيد من الانفعال والتعاطف حتى لا ينحرف شعوره عن هدفه فيصاب بالاضطراب والألم والمعاناة التي يُصعب علاجها .


 


والحب يبدأ منذ بداية حياة الإنسان فلولا حبه للحياة والبقاء ما سعى للبحث عن مقومات وجوده وتطور نموه وتحضره، يتفاعل الإنسان مع بيئته بالتواصل بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات ووجوده داخل الجماعة .


والحب يبدأ بحب الإنسان لذاته دون أن ينحرف للأنانية، يحبها كما هي ويبحث عن مكنوناتها ويطور مهاراتها ويعزز تقديرها ويسعى للمحافظة عليها بكل الجوانب الجسدية والروحية والنفسية، والحب يبدأ بحب الآخرين باجتماع زوجين شرعيين يسعيان لبناء وتشكيل أسرة صالحة سعيدة من خلال ما يمارسانه من أخلاق وقيم وتعاملات مشتركة فيما بينهما فتحقق السكينة والمودة والمشاركة بينهما مما ينعكس على أسلوبهما في تربية أبنائهما فيكونا صالحين في صناعتهما أفراداً صالحين أسوياء للمجتمع .


 


والحب يبدأ بحب الوطن والانتماء إليه وتعزيز العطاء والبذل لأجل الآخرين حيث يجد نفسه مسئولاً عن مجتمعه ويحمل أمانته فيسعى لأن يؤدي دوره بصدق وإخلاص بعيداً عن الأنانية والأخلاق الفاسدة، فيحفظ دوره من أن يخالطه أي استغلال أو فساد، فالمواطن المحب لوطنه سيحافظ على بيئته لتبقى سليمة وصحية من آفات المرض الاجتماعي من تباغض وتحاسد وغيرها، وسيحفظها من التلوث البيئي وإلقاء النفايات على الطرقات وأماكن التنزه والعامة، سيحرص على أن تكون أخلاقه راقية وهو يسير بالطرقات ليحفظ حق غيره فلا ينظر لما لا يحق له، ولا يتلصص السمع والبصر لمحارم الناس ولا يقف على الطرقات معطلاً حركة السير للآخرين، ولا يصرخ بأصوات عاليةً تؤذي أذان الناس وأسماعهم، ولا يتلفظ بألفاظ بذيئة أمام العامة لتحرج الكثير منهم، ولا يسمح لنفسه أن يمر عن نفاية أو أي آذى أمامه دون أن يلتقطه عن الأرض ويبعد ضرره عن العامة، والذي يحب وطنه وينتمي إليه لن يسمح لنفسه أن يرفع صوت المذياع من سيارته ليؤذي الآخرين و يؤذي جيرانه بأصوات مزعجة على أشكالها وألوانها دون أن يراعي حرمة الآخرين وحقوقهم، ولن يعتدي على حق غيره بالدور في الأماكن والطرقات .


 


الحب يتمثل بحب الوطن والحفاظ عليه من أي محاولات للتلاعب بقيمة وثقافته فيسعى المواطن الصالح ليدافع عن كل قيمة صالحة بُنيت عليها ثقافة مجتمعه دون أن يسمح لأي قيمة دخيلة مشوهة للقيم أن تتحكم بأفكار الناس وسلوكياتهم، والمحب لوطنه من يُبدي انتماءه واستعداده للدفاع عن كل قضية فيها حقوق لشعبه وحفظ هويته فيساهم بنشاطاته العديدة لأجل أن يُبرز قضاياه ويعمل على تطوير بلاده وتحسين أحوال الناس .والمحب لوطنه من يسعى لطلب العلم وتطوير قدراته بالسهر والكد الطويل والبحث والتقصي ليقدمها لأبناء وطنه ويُساهم برفع كفاءتهم وتطوير أدورهم والسماح لهم بأخذ الفرص للعطاء والتميز . والمحب لوطنه هو من يحرص على حماية مجتمعه من الأمراض الصحية فيسعى ليساهم بتطوير الخدمات الصحية وتوفيرها لكافة المواطنين دون تكاليف باهظة لا يقدر على أدائها المواطن مما يؤدي لخسارة حياته أو استفحال الأمراض فيه،فصاحب المسؤولية يقوم بالسعي لأن تقدم خدمات صحية مجانية لجميع المواطنين دون تمييز بين الناس لأحزابهم وأجناسهم، والطبيب المحب لوطنه لن يسعى لاستغلال الناس لامتصاص أموالهم لكثرة الزيارات المتكررة لعيادته دون حاجة فقط لأجل مزيد من الكشف المادي التي ترهق المريض . والمحب لوطنه سيحب وظيفته وينتمي إليها ويتعاظم إحساس المسؤولية والأمانة التي بين يديه فيسعى بكل جهد لعدم التقصير فيها وأن يلبي حاجة مجتمعه ولا يستغل أفراد مجتمعه لأجل أن ُيحقق أطماعه وأهواءه، ولا يؤخر خدماته لأجل تضيع وقته بين أروقة المؤسسة أو الحديث على التلفونات، بل يستقبل مراجعيه بابتسامة إنسانية ويسعى جاهداً لخدمة مواطنيه وتوفير ما يحتاج إليه والاعتذار له عن أي تأخير أو تقصير،وسيسعى للبحث عما يُطور مؤسسته ومن يقعون تحت إدارته من الموظفين ويتفاعل مع غيره بمهنية وصدق بعيداً عن النرجسية والتحاسد والإهمال للآخرين . والمحب لوطنه من يحرص على حفظ الحقوق العامة من مناصب وأموال ومدخرات ومواد فلا يسعى ليمد يده للسرقة أو النهب منها ولا الاستفادة منها دون أن يحق له، فيسعى للحفاظ عليها والسعي للتدقيق فيها ومعرفة موارد صرفها والتصرف فيها ومراقبة من يقوم عليها .


 


والمحب من يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه، فيسعى إلى أن يرى غيره يتمتع بما تتمتع به نفسه من خيرات دون أن يقتصر بها ولا يُحاول حرمان الآخرين من حقهم فيها ولا يحسدهم على ما أعطاهم الله من الخير، بل سيرتقي إلى أن يدفع الآخرين للسعي لتحقيق ما ينفعهم وفتح الأبواب إليهم لأجل تحقيق ما يسعدهم ويحقق لهم راحتهم وطمأنينة نفوسهم، فالمحب من يُؤثر غيره على كثير مما أعطاه الله لأجل أن يُدخل البسمة والسعادة على قلوب حرمت منها وغابت عن وجوههم  .


 


المحب من يسعى لحماية مجتمعه من أي نزاعات وخلافات تُولد الكراهية والفرقة والضغائن والتقاطع بين الناس، ويسعى لبث قيم الرحمة والتسامح والتآلف وحب الخير للآخرين، والدفاع عن وحدة مجتمعه والمطالبة بأن تبقى هذه الوحدة الدعامة التي لا يحق لأحد هدمها أو التلاعب بها، يسعى لإبعاد الناس عن العصبية الجاهلية العمياء التي تعمي قلوب المتعصبين عن رؤية الحق وفقدان الاحترام لحقوق الآخرين ودروهم في الحياة .


 


والمحب الحقيقي من يسعى لبث التصالح والتسامي في القيم المجتمعية ويسعى متنقلاً من جانب لأخر لرفع ثقافة المجتمع وزيادة معرفتهم حول أهمية وجودهم في الحياة والدور المنوط بكل منهم وضرورة مساهمة كل فرد في بناء وتطوير مجتمعه وصناعة القرار والسياسة والتشريع .


 


والمحب من يسعى لرفع قيمة الإنسان والحفاظ على كرامته وحريته وسيادة الحقوق والعدالة الإنسانية بين الناس دون تمييز لجنس أو لون أو عقيدة فالكل سواء أمام حُكمه وعدله، فالمحب من يبني ذاته على التقوى والخوف من الله والضمير الإنساني الحي الذي يُحاسب به نفسه عندما يقع منه الخطأ والزلل اتجاه حقوق الناس وحرياتهم وكرامتهم .


 


إننا إن أردنا أن نربي أجيالنا على الحب فيجب أن نعطيهم من الحب بقدر ما سوف يعطوننا ويعطوا لمجتمعهم عند بلوغهم ووصولهم لمراحل التفاعل والعطاء، فالمجتمع يتحمل دور التربية للأجيال ليُخرجهم صالحين مُحبين لأوطانهم لينمو على أعلى القيم والأخلاق، والفرد يتحمل مسؤولية وطنه ورد الجميل لما قدمه له من خيرات وخدمات، فالعلاقة بينهما تفاعلية تكاملية وإن قصر كل منهما اتجاه الآخر سيختل التوازن الاجتماعي ..


 




جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت