منذ سنوات طويلة، سعت الحكومات الصهيونية المتعاقبة إلى تنفيذ مشروع بنيامين نتنياهو الهادف إلى زج قطاع غزة في أحضان مصر، في محاولة يغسل فيها الاحتلال يده من مسؤولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال في القطاع المحاصر. ومنذ ذلك الحين يجتهد المثقفون والشرفاء من أبناء الشعب الفلسطيني في التحذير من هذا المخطط، إلا أن حركة حماس في قطاع غزة تسير (بقصد أو بغير قصد وبوعي أو بغير وعي) باتجاه تنفيذه.
خُلقت أزمة الكهرباء الأخيرة في قطاع غزة كي يتم ابتزاز مصر، ومن هنا جاء موقف الإخوان المسلمين في مصر الداعم لاتفاق الدوحة الذي جرى التوقيع عليه مؤخراً بين محمود عباس وخالد مشعل، وتبين أن رغبة الإخوان الملحة في تنفيذ الاتفاق مرتبطة بوعيهم بالمخطط الصهيوني، وحتى لا يظهروا بمظهر أنهم هم الذين يحاصرون قطاع غزة في مرحلة ما بعد الثورة والانتخابات، لكن أزمة الكهرباء هذه برهنت على أن انتصاراتنا وهمية ودولتنا في غزة هي مجرد دولة كرتونية وأنها تداعت وانهارت مع تقلص أول ساعة في عمل محطة توليد كهرباء غزة.
يرى إخوان مصر أن الأجدر بهم اليوم هو الضغط على حماس ـ غزة من أجل مباركة اتفاق الدوحة، برغم أنه جاء مخالفاً لكل السيناريوهات وما جرت عليه طبائع الأشياء من أن مصر التي ينبغي أن تكون راعية لأي اتفاق مصالحة فلسطيني، حيث بدأت مصر ومنذ اليوم الأول للانقسام السياسي الفلسطيني بجولات ودعوات ولقاءات سرية وعلنية لإنهاء الانقسام، وهو أمر قادها إلى رعاية أكثر من اتفاق أو إطار لاتفاق لكن حظوظ هذه الاتفاقات الفلسطينية الفلسطينية في التنفيذ كانت ضعيفة لأسباب معلنة وغير معلنة.
جاء اتفاق الدوحة، الذي يسحب البساط من تحت أقدام مصر، موافقاً لما يريده الأمريكان في مرحلة ما بعد الثورة المصرية، فقد أعطوا دوراً لدولة صغيرة بحجم قطر لتقرر في مصير المنطقة بأكملها، على اعتبار أن هذه الدولة هي من حصل على التوكيل الأمريكي الحصري لتنفيذ المشروعات الأمريكية في المنطقة العربية.
ينبغي الاشارة هنا إلى أن توقيع اتفاق الدوحة بات ضرورة ملحة للطرفين المختصمين، سواء لفتح أو لحماس، كما ذكرنا في مقالنا السابق، فالاتفاق مهم للرئيس عباس لأن قطر من سيدفع الفاتورة، وستتحمل نفقات إعادة اعمار غزة، وهو مهم لخالد مشعل لأن قطر هي الجهة الوحيدة التي تموّل حكومة حماس بغزة، وهي الأكثر تأثيراً في حماس ـ غزة بعدما ظهر واضحاً الخلاف في وجهات النظر بين قيادة الخارج وقيادة غزة اتجاه الاتفاق الموقع بين الطرفين.
يقيننا أن حركة حماس في قطاع غزة ستلتزم في النهاية باتفاق الدوحة، أما معارضتها الآنية فهي لتحقيق مكتسبات جديدة في مسألة اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، والجسم القيادي البديل للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إلى جانب اعتبارات تتعلق بحرية الحركة وحرية الإعلام وعدم ملاحقة عناصرها في الضفة الغربية، ناهيك عن غضبها من أنها لم تستشر في اتفاق الدوحة، وهي معارضة تكتيكية إذن وليست موقفاً سياسياً متأصلاً.
وعلى ما يبدو، فإن اللقائين اللذين جمعا مشعل بهنية في الدوحة لم يسفرا عن تقريب الفجوة بين مواقف الرجلين، وبالتالي فإن حماس ـ غزة ستسعى إلى تلافي التصويت على الاتفاق في اجتماع المكتب السياسي، وتستبدل الأمر بالتوافق على صيغة الاتفاق دون التصويت عليه، أما إذا حدث التصويت فإنه سيُفضي إلى انقسامات، فحماس الخارج وحماس ــــ الضفة الغربية تنظر ايجابياً إلى الاتفاق على اعتبار أنهم يرون الأمور من منظار أعمق وأشمل، أما حماس ـــــ غزة فإنها ترى العالم من زاويتها معتقدة أنها مركز الكون ومحوره. أما احتمالات تنفيذ الاتفاق في صورته الشمولية، على المدى القصير، فإنها متواضعة للغاية، على اعتبار أن عقدة العقد ما تزال هي المسألة الأمنية بعد انجاز المحاصصة وتحقيق المكتسبات.
من هنا تأتي دعوتنا لمختلف الأطراف في فلسطين والعالم العربي، أن يدفعوا باتجاه إلزام الكيان الصهيوني بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية كقوة احتلال لقطاع غزة، على اعتبار أنه ليس هناك مصلحة استراتيجية فلسطينية في موضوع الاندفاع نحو مصر، سوى تحقيق مصالح ضيقة ولا تخدم أحداً على المدى البعيد، فمصر العروبة مثقلة بهمومها، وإخوان مصر أمامهم ملفات صعبة ومعقدة ولن يكون أخلاقياً أن نضع العصي أمامهم في مطلع تجربتهم السياسية كقوة حاسمة في البرلمان المصري يُنظر إليها كقوة المستقبل لمصر وللعالم العربي.
/ جميل مجدي
كاتب ومحلل سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت