لم يكن الترحيب وحسن الاستقبال اللذين استقبل بهما القبارصة بنيامين نتنياهو والوفد المرافق له، في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيل للجزيرة، غريباً بعد أن كانت قبرص، حتى قبل أربع سنوات، من أكثر الدول المنتقدة والمعارضة للسياسة الإسرائيلية، فبعد تدهور العلاقات التركية-الإسرائيلية، نجحت إسرائيل باستمالة اليونان إليها، على خلفية تردي العلاقات اليونانية التركية، وطموح إسرائيل بإقامة تحالف إقليمي، يضم تركيا وقبرص ورومانيا وبلغاريا بالإضافة إليها طبعاً، وكل ذلك في أعقاب اكتشاف إسرائيل للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، على مقربة من الساحل القبرصي، فقد تم التوقيع أثناء هذه الزيارة على عدد من الاتفاقات بين إسرائيل وقبرص، من أهمها: التعاون بشأن الطاقة، والأمن، والتجارة والسياحة، وتطوير منابع الغاز، وإنشاء خط لنقل الغاز، من مصادر اكتشافه في المتوسط، إلى قبرص، ومن ثم تصديره إلى دول أوروبية، فقد أصبحت المصالح تتقدم على المبادئ، وهذه الحالة تنطبق على قبرص.
انشغال العرب بربيعهم وهمومهم، وبإسقاطهم للأنظمة المستبدة الغارقة بالفساد، سمح لإسرائيل بأن تسرح وتمرح، وتحصد الإنجازات وتُعد العدة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهي تعمل جاهدة للاستغناء عن الغاز المصري، الذي كانت تستورده بأسعار مفضلة، وخاصة بعد اكتشافها عدداً من حقول الغاز، وبكميات تجارية، وليس هذا فقط بل يخطط الإسرائيليون لمد سكة حديد من وسط البلاد وحتى ميناء ايلات في الجنوب للاستغناء عن قناة السويس، في تصدير إنتاجهم وبضائعهم واستيراد احتياجاتهم من الدول الآسيوية والإفريقية، لتوفر إسرائيل على نفسها مبالغ طائلة من حيث اختصار المسافة، ورسوم عبور السويس، وفي السنوات الأخيرة وضعت إسرائيل حجر الأساس لبناء مدينة عسكرية في النقب، لنقل معظم معسكراتها وقواعدها العسكرية- والتي تشكل ما مساحته 70% من مساحة إسرائيل- إلى هناك، إضافة لإحياء هذه المنطقة الشاسعة، إذ أن لها أهدافاً إستراتيجية بعيدة المدى، وإسرائيل وقعت على اتفاقية بينها وبين قبرص لتحديد الحدود المائية بين البلدين، مقابل منح قبرص حصتها من عائدات الغاز المكتشفة في المتوسط، والمفاوضات جارية بين البلدين لإقامة قاعدة جوية عسكرية إسرائيلية في قبرص، ونشر طائرات عسكرية إسرائيلية فيها لحماية حقول الغاز، ولأهداف إستراتيجية عدوانية في أعقاب توتر العلاقات الإسرائيلية-التركية، وتعزيز العلاقات الأمنية بين إسرائيل واليونان، والشق اليوناني من قبرص، وهناك تبادل زيارات على أعلى المستويات بين قبرص وإسرائيل، فإسرائيل تعمل في كافة الاتجاهات، وفي نفس الوقت تعزز قبضتها واحتلالها للأراضي الفلسطينية.
منذ كانون ثانٍ 2009، اكتشفت إسرائيل حقلاً من الغاز على بعد (90) كم من مدينة حيفا، وعلى بعد (35)كم من الحدود اللبنانية أطلقت عليه اسم "تمار"، وللتوضيح، فإن الحدود المائية لأية دولة تبلغ (12) ميلاً من سواحلها، أما الحدود الاقتصادية، فتبلغ حدودها (200) ميل من ساحل كل دولة، أي أن الغاز المكتشف، ليس من حق إسرائيل وحدها بل لقبرص ولبنان أيضاً، وتقدر احتياطات "تمار" بـ (9.1) تريليون قدم مكعب من الغاز، ويتكون هذا الحقل من ثلاثة تركيبات جيولوجية، ويبلغ عمق البئر (5.500) قدم، يعادل (1677) متراً، وسيدخل مرحلة الإنتاج التجاري عام 2013، وشكلت إسرائيل شركة حكومية، كما ستنشئ خطاً لتصدير أكثر من (7) مليارات متر مكعب من الغاز الإسرائيلي للشرق الأقصى، من خلال ميناء عسقلان إلى ميناء إيلات، والمفاوضات تجري بينها وبين الهند لتزويدها بالغاز، كما وقعت على صفقة لبيع الغاز، وخاصة لشركة الكهرباء الإسرائيلية، وهذا الاتفاق مدته (15) عاماً، بقيمة تتراوح بين 15-20 مليار دولار وبينما ستحصل خزينة الدولة على ما يقدر بـ 52-62 من مدخول الآبار التي سيستخرج منها الغاز وربما النفط أيضاً، وذلك بعد استيفاء الشركات المنقبة على 200% من المبالغ التي أنفقتها على هذا التنقيب.
حقل الغاز "تمار" يعود لعدة شركات مساهمة، يقف على رأسها مجموعة "ديلك" التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي "اسحاق تشوفا"، وشركة "نوبل افيرجي الأميركية"، وغيرها من الشركات الإسرائيلية والأجنبية، وهناك حقل آخر على مقربة من حقل "تمار" اكتشف في حزيران 2010 أعطي اسم "ليفيتان" مقابل المياه القبرصية، وقريب من المياه اللبنانية ويبعد80 كمعن حيفا، يحوز على كميات كبيرة جداً من الغاز تصل إلى (16) تريليون قدم مكعب، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاجه عام 2017، وفي المياه الفلسطينية اكتشف عام 2000، على بعد (25) كم من ساحل غزة بئر وتقدر احتياطاته من الغاز بـ (64) تريليون قدم مكعب، إلا أن العمل في هذا الحقل مجمد، ويعتقد لأسباب سياسية، وعلى بعد (60) كم من ساحل مدينة الخضيرة، تم اكتشاف حقل غاز أعطي اسم "دليت"، بعمق (3800) متر، والتقديرات بأنه يحتوي على (20) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي وربما النفط أيضاً، ووزير المالية الإسرائيلية، يتوقع حصول الخزينة الإسرائيلية على ما لا يقل عن (150) مليار دولار من عائدات الغاز خلال العقد القادم، والغاز المكتشف يكفي إسرائيل لمدة خمسين عاماً، بينما تستورد إسرائيل 40% حالياً من احتياجاتها من الغاز المصري وبأسعار مفضلة، إلا أنها - ولأسباب أمنية -لا تريد الاعتماد على الغاز المصري، بل أخذت بالتنقيب عن الغاز، في البحر والبر على حد سواء.
الغاز المستخرج من المتوسط، وحسب المصادر الإسرائيلية، سينقل في البداية بواسطة طوافة، وهي عبارة عن سفينة ومن خلال أنبوب على طول 2-5 كمينقل ويصب في مستودعات شركة الكهرباء في الخضيرة، وقد وقعت اتفاقية حدود بحرية بين إسرائيل وقبرص بتاريخ 17-12-2011 وتقسيم النفوذ الاقتصادي، بهدف تسهيل عمل الشركات الإسرائيلية، بالتنقيب عن الغاز والنفط في المتوسط، فقبرص حددت حدودها المائية بمسافة (210) كم، وبدأت أيضاً باستقطاب شركات أجنبية للتنقيب عن النفط والغاز، كما تم الاتفاق بين إسرائيل وقبرص، لتطوير صهاريج وخزانات مشتركة، وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن القانون الدولي البحري، يسمح للدولة بامتلاك (350) كم من شواطئها، داخل البحر كمنطقة اقتصادية، ولكن دون منحها حق السيادة عليها. من جهة أخرى فقد كلفت إسرائيل أسطولها البحري العسكري، بوضع خطة دفاعية لحماية آبار الغاز في المتوسط، ومن خلال طائرات دون طيار، وإجراءات أخرى.
المقال الأسبوعي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت