سقوط الأقصى..مسح معالم الوجود وكرامة العروبة/آمال أبو خديجة

بقلم: آمال أبو خديجة

يصارع المحاصرين في باحات المسجد الأقصى منذ أيام متتالية لحمايته من أيدي المستوطنين الحاقدين القادمين  بدعوات موجه إليهم من منظمات وجمعيات يهودية عنصرية " تلمودية " تدعو لاقتحامه والسيطرة عليه وإقامة تعاليمهم التوراتية لمحاولة إثبات حق الوجود لهم فيه .


 


وقامت جمعية نساء يهوديات من أجل الهيكل بدعوة لجميع الصهاينة المستوطنين وخاصة النساء اليهوديات للتوجه لباحات المسجد الأقصى والعمل على تدنيسه والعبث فيه وتنظيم يومين في الأسبوع لتكرار اقتحامه والدخول لباحاته وإظهار التعاليم اليهودية فيه وكل ذلك تحت حراسة جنود الاحتلال الصهيوني الذي يتساهل مع تلك الممارسات والتي لا تدل إلا على الأحقاد والنوايا الخبيثة التي ستقود لممارسات السيطرة الكاملة عليه ومحاولة هدمه وبناء هيكلهم المزعوم  .


 


ففي اللحظة التي يعمل الاحتلال على توسيع امتداده داخل القدس الشرقية لربطها بالقدس الغربية ومع امتداد المستوطنات من حولها وداخل الضفة الغربية تزداد الآن حملة التمهيد للسيطرة على أهم معقل سيؤدي لسقوط القدس كاملة وإعلانها كمدينة يهودية وعاصمة لدولتهم اليهودية بإسقاط المسجد لأقصى والسيطرة عليه وإلباسه التعاليم اليهودية وإبراز معالمه والأماكن المحيطة بتزييفها بمسمياتهم وصنع وجود  تاريخي جديد يضمن لهم حق العبادة وإقامة التعاليم والرموز الدينية اليهودية في كل بقعه من بقاعه ليكون امتداد لما يسمى كذباً بحائط المبكى ( وهو حائط البراق ) .


 


فالأقصى كما القدس هو مَعلم المسلمين وحق الوجود لهم فيه والتاريخ العربي الإسلامي يؤكد مدى أحقية المسلمين في القدس المباركة وأهميتها للمسلمين وكم تمثل لهم من مشاعر قدسية تجذب قلوب جميع المسلمين إليها، فهي البقعة التي بارك الله فيها فكانت قبلة المسلمين الأولى ومنبع الأنبياء والرسالات السماوية التي بثت العدالة الإلهية وأتت بشرائع الحق التي تحترم الإنسان وتدعو لإقامة الحياة الكريمة له .


 


وأثبت التاريخ عدم وجود أي دليل شرعي وقانوني للصهاينة وحقهم في هذه البقعة المباركة وأُثبت ذلك بشهادة علماء الآثار الإسرائيليين الذين أعلنوا بتصريحاتهم الإعلامية أن ليس هناك أي دليل تاريخي وتراثي يثبت أن لليهود حق لهم في الوجود داخل القدس وكل الأدلة تثبت أن العرب والمسلمين هم أساس الوجود والتاريخ  .


 


فالحصار يزداد ويضيق على القدس وإلى جوارها المسجد الأقصى للعمل على إسقاط ذاك الشاهد للحق الفلسطيني  لتزرع جذور الوجود الصهيوني والامتداد داخل الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية بعد أن يتم التهام جميع أراضي القدس وضواحيها لتصبح وحدة واحدة مرتبطة مع المستوطنات لينتقل لإحكام السيطرة على أراضي الفلسطينيين الواقعة فيما يسمى منطقة ( س ) وهي المنطقة التي صنفت حسب اتفاقية  أوسلو لتبقى  سيطرتها الأمنية والإدارية تحت الإدارة الإسرائيلية وتحتل هذه الأرض جزءا كبيراً تصل ل 60% من أراضي الضفة الغربية سيتم توسيع الاستيطان داخلها لتتوسع إقامة الدولة اليهودية وامتدادها ويبقى الوجود الفلسطيني محصوراً في ما يسمى منطقة ( أ ) وقليل في منطقة ( ب  ) أي ما يقارب 35% من مساحة الضفة الغربية والتي ستتعرض بدورها مع مرور الوقت لإحكام الوجود الصهيوني لمحاولة الاعتداء والسيطرة عليها للعمل على تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من الوجود في أراضيهم أو التعامل معهم كأقليات بعنصريتها المشهودة  .


 


فالأقصى جوهرة القدس ورمز كرامة الأمة الإسلامية قبل أن يكون إثبات لحق الوجود الفلسطيني فيها، والآن يُحكم الهجوم عليه من أجل استفزاز مشاعر المسلمين الذين أشغلتهم ثوراتهم في أمورهم الداخلية ولكن عيونهم لن تغمض يوماً عن القدس، والكيان الصهيوني كُشفت عوراته وضعفه الذي حاول إخفائه بالعنجهية والخداع للعالم وترهيب المحيط العربي واستكباره عليه بقوه أسلحته المدمرة، الآن ما عاد ذلك الخداع للقوة المزعومة بل هي في تراجع وتشتت كل يوم وما عاد العالم يصدق الخداع بعد أن أصبحت الحقائق المباشرة يشاهدها عبر قنوات الاتصال الواسعة، وما عاد الإنسان العربي من كان يصمت لكل ممارسات الظلم والقهر وأصبح صوت الحق والإرادة والكرامة هو من يُحرك ثورته على الظلم ويسترد حقوقه، ورغم ذلك يبقى الكيان الصهيوني  يمارس استفزازاته للمسلمين ويرتفع بعنجهيته وكبره وعدوانه وسرقة حقوق الفلسطينيين ومعرفة مدى تأثرهم واندفاعهم نحو قضايا فلسطين والمسجد الأقصى لمحاولة إقدامهم على هدمه وبناء هيكلهم المزعوم وإلغاء حق الوجود العربي فيه والتمهيد لإعلان قيام الدولة اليهودية الكبرى .


 


فالضعف الصهيوني ظهر وبان بانهزامه أمام قوة الإرادة في تحقيق مطالب الآسرين للجندي " شاليط " ليرضخ قهراً لمطالبهم ويقبل على خطوة سابقة لم تشهدها الحركة الأسيرة ومفاوضات تبادل الأسرى ليظهر أن مبدأ القوة والإرادة هما من يأتيان باسترداد الحق، واليوم يخنع ذلك الكيان أمام إرادة الكرامة على إرادة الجوع وحاجة الجسد للطعام لينكسر أمامها ويستسلم لمطالب الأسير الإداري " خضر عدنان " الذي مثل أسطورة لفلسطين، فهل سيتحدى الشعب الفلسطيني كاملاَ ذلك الكيان بقوة الإرادة وحفظ الكرامة ليعلن تمرده على غاصبه والمعتدي على حقه وكرامته بالوجود واسترداد حرية للحياة، وهل سيضرب عن الطعام جميع أفراد الشعب أم سيعلن عصيانه لأوامره العسكرية وقوانينه العنصرية واتفاقياته الباطلة ليخترق الحدود والحواجز ويهدم الجدار ليسترد ما وراءها من حقوق ويحرر الأرض بيديه .


 


إن ما يحدث الآن في القدس وبحق المسجد الأقصى يخالف كل الأخلاق والقوانين الشرعية والدولية وينافي الاتفاقيات الدولية التي اعترفت بحق الفلسطينيين فيها، وكل ما يمارس بحق الشعب الفلسطيني هو خارج الأخلاق والقيم التي تنادى بها الشرائع وتخالف ما يدور في العالم من تغيرات وتوجهات نحو سيادة العدالة والحقوق للإنسان، وما زال هذا الكيان يتحرك عكس ما يتوجه إليه التيار الإنساني الجديد الذي أصبح ينهض ويتحرك ضد العنصرية والاستبداد والظلم ليبقى الكيان الوحيد المحتل والمعتدي على حقوق غيره ويدعى الكذب والتزوير للأرض والتاريخ .


 


ففلسطين كما الأقصى رمز كرامة الأمة العربية فإن سقطت أرضها وانتهى وجودها وسرقت وطمست معالمها العربية الإسلامية سيكون ذلك انتهاء لكرامة الأمة وطمس لقوتها وإبراز لضعفها وهوانها وضياع لهويتها وتاريخها وهذا ما لا يُتوقع من هذه الأمة اليوم بعد تلك الثورات العربية التي ينتظر منها أن تبرز دورها وتحركها اتجاه قضايا العروبة كلها، فالتحرك نحو القدس هو أولى خطوات التحرك نحو التحرر والتغير لجميع فلسطين وبلاد العروبة كلها بل والعالم كله .


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت