الحضارة: أسس منظومتنا المعرفية (الحلقة الثالثة)/مصطفى إنشاصي

بقلم: مصطفى إنشاصي

انطلاقاً من احترام خصوصيتنا العقائدية ومورثنا الثقافي والتاريخي يجب على الأمة وخاصة أهل الاختصاص فيها أن تضع أسس وقواعد صحيحة وسليمة لمنظومة معارفنا الخاصة، بدء من خلق الكون مروراً بهبوط الإنسان من الجنة إلى الأرض إلى يومنا هذا وغدنا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويجب أن لا تنطلق من نفس المنطلقات الغربية أو الرد عليها ولكن يجب أن يكون لنا رؤيتنا المستقلة عن الرؤية الغربية ومتميزة في تصوراتها الكلية للكون ووجود الإنسان وتطوره الاجتماعي، وأذكر هنا بعض الأسس التي يجب أن تقوم عليها تلك المنظومة المعرفية الخاصة بنا من خلال ما يُفرض علينا في مناهجنا الدراسية الجامعية والكتب ومجالات البحث العلمي الأخرى من فرضيات وآراء لبعض الأنثروبولوجيين الغربيين على أنها كانت مراحل فاصلة في تطور الوجود والتفكير الاجتماعي والإنساني.


 


* يجب أن نؤسس لمنظومة علومنا الاجتماعية والإنسانية بالذات انطلاقاً من قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة:30). وليس من خلال أن الإنسان وُجِد صدفة أو غير ذلك، لأن للاستخلاف في العقيدة الإسلامية معنى ومدلول يترتب عليه كثير من الاختلاف في فهم معنى وتطور الوجود الاجتماعي للإنسان على الأرض مع ذلك التاريخ للتطور البشري على الأرض الذي وضعه العلماء الغربيين، الذي انطلق أو لنقل أساسه رفض كل فكرة دينية سماوية عن ذلك.


* ومن خلال إدراكنا لمعنى قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون:14). وقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين:4). وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء:70).


وعليه سيكون استوائه على اثنتين بدلاً من أربع ليس نتيجة جهده العقلي وتفكيره العبقري كما زعم الأنثروبولوجيين الغربيين، لأن القدرة على التوازن في حال السير على اثنتين لم تنمو في جهازه العصبي ولم يأتِ نتيجة محاولات الإنسان السير على اثنتين ولكن وضعه فيه أحسن الخالقين الذي صورنا فأحسن صورنا وكرمنا على كثير مِمَنْ خلق وفضلنا تفضيلاً. وسنكتشف كثير من الأمور التي تختلف عن تفسيرات وفرضيات الغربيين والتي ستعيد صياغة تاريخ الوجود الإنساني بشكل مختلف.


 


* ومن خلال فهمنا لمعنى قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:31). وقوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق:5). لأن إدراكنا أن الله تعالى قد علم الإنسان أسماء كل شيء في هذا الكون، وسخر له كل ما في الكون للتغلب على كل ما سيلقاه في حياته على الأرض من مشاق ومصاعب، علمه كل شيء يصلح لحياته أو يفسدها، فإن دراستنا أو أعادة كتابتنا وصياغتنا لتاريخ التطور الإنساني في هذه الحال سيختلف إلى درجة التعارض مع تاريخ التطور للوجود والتفكير الاجتماعي للإنسان الذي وضعه الغرب، ولن يكون كل شيء تعلمه الإنسان وشكل طفرة في حياته وفي تاريخ الوجود والتفكير الاجتماعي للإنسان تعلمه من الحيوانات أو من الطبيعة النباتية فقط كما يزعم علماء الأنثروبولوجيا في الغرب، وهو الذي امتاز عن غيره من المخلوقات والحيوانات الموجودة على وجه الأرض بالعقل والذكاء والقدرة على التفكير والتذكر وغيرها من الملكات العقلية، ولا أعلم أين هو فضل الإنسان العاقل الذكي المفكر على الحيوانات ما دام قد تعلم كل شيء منها، ولا يعني ذلك أن الإنسان لم يتعلم من الحيوانات شيء أو أنه عيب أو حرام أن نتعلم من مخلوقات الله، لا! ولكن يعني رفضاً لفرضيات الأنثروبولوجيين الغربيين التي لا تستساغ وتتعارض مع صريح القرآن وفهمنا الإسلامي لأصل الوجود ونشأة الإنسان وتطوره.


وبناء على ذلك:


يستحيل أن يكون الإنسان قد تعلم اللغة أو اكتسابها من خلال تقليده ومحاكاته للحيوانات! ولا تعلم استخدام العصا وصناعة النبل واستخدامه في الصيد من تلك الشوكة التي شاكته في قدمه! ولا أنه تعلم كيفية تخزين حاجاته الغذائية من خلال سرقته مخزون النمل ليأكله! ولا أنه تعلم السحر والشعوذة من خلال تفكيره في وسيلة يُعيد فيها الحيوانات التي هربت منه بسبب اصطياده لها ليوفر منها حاجته للحوم! ولا أنه تعلم أو نما لديه الشعور بالأنا من خلال الآخر في الكون (الحيوانات والنباتات)!.


 


والله تعالى يخبرنا أنه أرسل ملكين يعلمان الناس السحر، قال تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} (البقرة:102).


 


* أما الأنا فهي جزء من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي موجود في الجن قبل الإنسان، وقد كانت سبباً في معصية إبليس لأمر الله بالسجود لآدم، قال تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } (الأعراف:12).


* كما كانت الأنا سبباً في شقاء الإنسان وخروجه من الجنة وهبوطه إلى الأرض عندما خدعه الشيطان وجعله يأكل من الشجرة طمعاً في الخلود، قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} (طه:120). وقال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} (الأعراف:20).


* كما أن الأنا كانت سبباً في قتل أحد ابني آدم أخيه لأن الله تعالى تقبل قربان أخيه ولم يتقبل قربانه، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة:27).


* والأمر نفسه فإن بني آدم لم يتعلموا كيف يدفنوا موتاهم من الغربان كما زعم الأنثروبولوجيين لأنه ليس في نظام الغربان أن تدفن موتاها، ولكن الله تعالى أراد أن يُعلم بني آدم كيف يُكرموا موتاهم بالدفن تحت التراب، فبعث الله غراباً يحفر حفرة في الأرض ليواري فيها غراباً ميتاً، قال تعالى: {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (المائدة:31).


* كما أننا نريد إعادة صياغة منظومة المعارف الاجتماعية والإنسانية ليس من خلال نظرية الصراع بين الإنسان والآلهة، وبين الإنسان وكل الموجودات في الكون من حيوان ونبات وغيرها، وما ترتب على تلك الرؤية الغربية من كوارث إنسانية وبيئية وانقراض كثير من السلالات النباتية والحيوانية والطيور وغير ذلك، وآخرها تلك الكوارث التي يعيش الإنسان بسبب التغيرات المناخية والجغرافية التي تتطور بشكل سريع وخطير ومازال في انتظار حدوث الأسوأ بسبب ما أحدثه جشع الإنسان من ثقب أو ثقوب في طبقة الأوزون التي تحمي الإنسان والكائنات الحية على الأرض من مخاطر وأضرار أشعة الشمس والتغيرات التي تحدث في طبقات الجو العليا وما سيترتب عليه من القضاء على التنوع البيولوجي. ولكن من خلال التوافق والانسجام والتكامل بين الإنسان والمخلوقات الأخرى وإدراك أن كل شيء في هذا الكون سخره الله تعالى لمصلحة الإنسان وراحته، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثية:13). وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} (لقمان:20).


 


* كما أنه يتوجب علينا إعادة كتابة وصياغة تاريخ التطور الاجتماعي والإنساني للإنسان من خلال إيماننا بسنن التدافع والصراع بين الخلق، سنن تنافس أو صراع الحضارات، وأنه أمر منطقي تفرضه طبيعة الوجود البشري ومعطياته لاختلاف ثقافات وعقائد وقدرات البشر عن بعضها البعض لأن الاختلاف سنة من سنن الله في الخلق، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ}. (الروم:22). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)، لأنه لولا التدافع والصراع بين بني آدم ما انتصر حق ولا أُقر عدل في الأرض!.


 


فالله تعالى جعل من نواميس استمرار الحياة على الأرض وإحقاق الحق أن يدفع الباطل بالحق، والكفر بالإيمان، والظلم بالعدل، والإرهاب بالجهاد، والفوضى بالاستقرار. لذلك وجب علينا أن نضع هذا الموضوع المهم والخطير في نفس سياق مسار المد والجزر، والصعود والهبوط، والمقاومة والمؤامرة، بين الخير والشر، والحق والباطل، منذ أن خلق الله آدم عليه السلام في الجنة. وذلك عملاً بمقتضى فهمنا القرآني لسنن الله تعالى في الحياة والعلاقات بين بني الإنسان القائمة على المدافعة والمغالبة والصراع التي بدونها لا تستقيم الحياة، ولا يقر فيها عدل ولا قسطاس. سنة المدافعة التي منذ أن تخلى عنها المسلمون ازدادت خطوات التراجع عندهم أمام أعدائهم وظنوا خاصة في هذه المرحلة أنهم فقدوا القدرة على المقاومة وأنه قد حقق ما حلم به منذ ما يزيد على 1400 عام، لذلك علا واستكبر وطغى وتجبر وطلب ما لا يجرؤ على طلبه لو كانت الأمة تأخذ بهذه السنة الإلهية لتحافظ على ثوابت دينها وقيمها الحياتية والأخروية.إن المدافعة ضرورة من ضرورات استمرار الحياة الإنسانية واستقرارها، وضرورة لدفع الخير للشر والتغلب عليه، لأن التخلي عنها والسكوت والصمت على الشر والبغي سيؤدي حتماً إلى تدمير الحياة الإنسانية الخيرة، وإلى سيادة قيم الشر والظلم والفساد والاستعباد التي لا تستقيم معها حياة الإنسان في الأرض. لذلك كانت سنن الاستخلاف الإلهي للإنسان في الأرض تقتضي منه الدفاع عن قيم الخير في وجه الشر والحفاظ على حريات الناس على اختلاف أجناسهم وعقائدهم في وجه الاستعباد والاستبداد من أي نوع كان.


 


قال الله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة:251). وختم الله تعالى الآية بقوله: {وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} فيه دلالة على واجب القيام بفعل المدافعة في صد الشر والظلم واعتباره من أفضل الواجبات والطاعات لله تعالى، وأن فوز الإنسان ونجاحه في القيام بهذا الواجب هو فضل من الله عليه وعلى العالمين. كما أن الله تعالى أوضح لعباده ولأهل الرأي من الناس عامة أن في المدافعة حفظاً وصوناً للدين والعبادات وللثقافة والحضارة الإنسانية ودفعاً للإفساد الوارد في الآية السابقة، وأوجب تعالى على نفسه نصرة من يخرج مقاتلاً ومجاهداً لدفع هذا الفساد، ونصرة قيم الحق والعدل والحفاظ على حرية الدين والعقيدة. قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40).


 


* وليس آخراً: علينا أن نعيد كتابة وصياغة تاريخ الحضارة الإنسانية من خلال إدراكنا إلى أن معنى ومدلول كلمة "حضارة" في القرآن الكريم ليس سُكنى الحضر الذي هو عكس البداوة ولكن الحضور والشهود من خلال نموذج حياتي متكامل. لأننا عندما نعود إلى قواميس ومعاجم اللغة العربية للبحث عن معنى كلمة "حضارة" سنجد أن أول لفظ يقابلنا هو: الحضور كنقيض للمغيب، أو بمعنى الشهادة. ولمعنى الشهادة والحضور في القرآن دلالات أربع متكاملة فيما بينها تتحد لتؤدي معنى الحضارة أو الشهادة في الفهم الإسلامي، هذه المعاني أو الدلالات لا يمكن تجزئتها وإلا فقدت مضمونها ومعناها، فأي واحدة من هذه المعاني الأربعة تُمثل جزءً من بناء مفهوم الحضارة. وهذه الدلالات هي:


1-          الشهادة بمعنى التوحيد والإقرار بالعبودية والإلوهية والربوبية لله.


2-          الشهادة بمعنى قول الحق وسلوك طريق العدل.


3-          الشهادة بمعنى التضحية والفداء في سبيل الله.


4-    الشهادة كوظيفة لهذه الأمة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (البقرة:143).


ومفهوم الحضارة بمعناها العام هو مطلق الحضور، أي طبيعة ونسق حضور أي تجربة بشرية استطاعت أن تصوغ نموذجاً بشرياً للحياة بكل أبعادها ونواحيها. تسعى لتقديمه للآخرين ليقتدوا به ويسيروا وفق منظومته على أساس أنه النموذج الإنساني الأجدر بالإتباع. وقد تكون الحضارة بهذا المعنى سيئة مدمرة، أو غير مناسبة للحياة البشرية، وقد تكون حسنة مفيدة للحياة البشرية.


التاريخ 26/2/2012


 


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت