الواقع المر والخيارات المفتوحة !!!/محمد أبو مهادي

في منتصف شباط 2012 حذر الرئيس محمود عباس من عدم امكانية الوصول الى حل الدولتين وفق مبادئ عملية السلام في ظل ما تقوم به اسرائيل من اجراءات على الارض، ومع نهاية شباط 2012 صرح عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن كل الخيارات مفتوحة أمام القيادة الفلسطينية باستثناء موضوع حل السلطة !!!


قبل ذلك كانت تصريحات مشابهة حول قرارات ستغير وجه الشرق الاوسط على لسان المستشار الاعلامي للرئيس عباس وغيرها من أفكار، مثل الاستمرار في التوجه الى الامم المتحدة  وتغيير وظيفة السلطة وعدم القيام ببعض الوظائف التي تقوم بها كالوظيفة الامنية ، كذلك ما يتعلق باتفاق باريس الاقتصادي وامكانية التراجع عنه.


الافكار "القيادية" ان جاز التعبير كثيرة، ولكنها لا ترق كونها أفكار مبعثرة  نتاج حالة من الفوضى السياسية التي غرق فيها الرئيس عباس ومستشاريه وأغرق بها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الاطار القيادي الاول الذي يقود الشعب الفلسطيني ويحدد خياراته المستقبلية .


حينما تخرج أفكار مبعثرة بهذه الطريقة فانها تأتي وتحمل معها خطراً كبيراً يؤشر على غياب رؤية سياسية جامعة لدى الفلسطينيين في مؤسسات صنع القرار، وتؤكد حقيقة أن هذه المؤسسات لم تجر عملية تقييم شاملة للحالة الفلسطينية، تبنى في ضوئها استراتيجية سياسية تساعد على الخروج من دائرة ردود الفعل وترتهن الى موقف اسرائيل من عملية التسوية السياسية.


هذه الحالة الفلسطينية تترافق مع فعل يومي اسرائيلي على الارض، حيث الاستيطان ومصادرة الاراضي وتهويد القدس وارتكاب جرائم لم تنقطع بحق الفلسطينيين، اضافة الى اعتقال مجموعة كبيرة من ممثلي الشعب الفلسطيني كمساهمة من الاحتلال في تعطيل الحياة البرلمانية الفلسطينية، وتقييد حركة القيادات السياسية وعشرات الوقائع التي تؤكد على صعوبة تطبيق حل الدولتين وأية حلول أخرى في ظل موازين القوى المختلة لصالح اسرائيل وفي ظل العجز القيادي الفلسطيني واستمراره في بعثرة عناصر قوته التي ارتكز عليها تاريخياً في معركته المستمرة مع الاحتلال.


أقل ما يقال عن الواقع الفلسطيني بأنه واقعاً مراً متشظياً يصعب تجميعه في ظل القيادة الحالية التي برهنت فشلها على اكثر من صعيد، ولم تعد تملك تقديم اجابات تشفي عقل الفلسطينيين قبل أن تشفي جسدهم الذي تم تمزيقه عن سبق اصرار في ثنائيات مدمرة اسمها "أبو مازن وحماس"، "غزة والضفة"، "مقاومة ومفاوضات"، "ممانعة واستسلام"، "وطني وخائن"، وغيرها من ثنائيات أغرقت المجتمع الفلسطيني في هموم ومعاناة واحباط، وأريد منها حرفه عن مسار التحرر والاستقلال ومواصلة معركته لنيل حقوقه وتثبيت أقدامه على ارضه وتدعيم صموده.


أقول عن سبق اصرار لأن اطراف الانقسام تجمع بأن الانقسام يضرّ بالمشروع الوطني اضراراً بالغاً، وبالرغم من ذلك فانهم يعملون على ترسيخه، وتقديم مختلف الذرائع من أجل استمراره والتنصل من مختلف اتفاقات " المحاصصة" التي وقعت عليها.


فشل برنامجي ان لم يكن سقوط  لمن ادعى المقاومة والممانعة، وفشل برنامجي لمن ادعى المفاوضات واماكنية التسوية السياسية مع اسرائيل، والمحصلة سياسات وردود افعال هي أقل من تكتيك كخطوة الذهاب الى الامم المتحدة، ومسيرة اسبوعية في بلعين هي اقل من مقاومة شعبية، ووفود تضامن وسفن كسر حصار هي أقل من تضامن دولي، وصاروخ على عسقلان هو أقل من مقاومة مسلحة، ومواصلة التسول المالي وهو أقل من بناء اقتصاد وطني مقاوم، ونمو اقتصادي يعتبر أقل من عملية تنموية، ومسكنات اقتصادية هي اقل من علاج لمشكلات الفقر والبطالة، وصولاً الى مشكلة كهرباء مزمنة لن تنير منازل الفلسطينيين في غزة عبر تصريحات متفائلة من "حكومة الازمات".


مسلسل مرعب من الاخفاقات القيادية لم تجر خلاله اي عملية تقييم حقيقية ، وأضاليل اعلامية لخيارات مفتوحة أو مغلقة أو دائرية غير مهمة، لأن القيادة التي تعجز عن مصارحة شعبها وتخشى مواجهته بالحقيقة كما هي خشيتها من موقفه داخل صندوق الاقتراع هي بكل تأكيد قيادة ستكون عاجزة عن الذهاب لأي خيارات تتمرد على خيارات مموليها، وهي غير مؤتمنة على مصير شعب ومواصلة قيادته ، وتدفع الشعب الفلسطيني اكثر من اي وقت مضى للبحث الجدي عن خيارات جديدة تعيد له الأمل وتسير معه نحو انجاز الاستقلال .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت