في الوقت الذي تواصل فيه مراكب منظمة التحرير الفلسطينية بياتها و رسوها الشتوي الطويل في الميناء الفلسطيني الذي لم يعد صالحا للإشراف حتى على عملية إبحار " الشخاتير " وهي المراكب الفردية الصغيرة ، والتسمية هنا لبنانية بحتة ، بدأت تهب في الأفق رياح حركة حماس ، والتي يراهن البعض على أنها ستدفع بهذه المراكب لنشر أشرعتها والإستعداد للإقلاع نحو مستقبل واعد و أفضل ، بالرغم من تلاطم أمواج البحر وسوء الأحوال الجوية التي قد لا تساعد على الإبحار الآمن .
فمع الإنتهاء من توقيع اتفاق الدوحة ، برزت إلى سطح العلن و بعد جهد جهيد لجنة تفعيل المنظمة والتي ستتحمل مسؤولية العمل على إعادة ضخ الدماء من جديد لتجري في العروق اليابسة لهذه المنظمة التي وصلت إلى حدود الشلل والموت السريري ، وهذا بطبيعة الحال يتطلب و يستدعي فتح كل الملفات الوطنية السياسية والتنظيمية والمالية ، وتنظيف كل ما هو عالق عليها من أتربة وغبار ، وهذا الأمر وإن حصل ، فهو الكفيل أيضا بحل إشكالية الفصائل المنشقة عن المنظمة و القابعة في دمشق و بيروت ، أو تلك التي لم تنخرط أساسا فيها كحركة حماس والجهاد الإسلامي .
هذه اللجنة الموسعة التي يرى البعض على أنها ستكون المنقذ الهابط من السماء والتي بدأت يوم الخميس الماضي في عقد أولى إجتماعاتها بالقاهرة ، سيناط بها أيضا تشكيل حكومة التوافق التي نص عليها اتفاق الدوحة ، بالرغم من كل هذا التباين الظاهر في أوساط حركة فتح وحماس حول برنامجها و مواقفها و سياساتها العامة ، وإن كانت ستكون ملتزمة ببرنامج المنظمة والرئيس عباس وما تم التوقيع عليه من اتفاقيات و التزامات ، فحركة حماس تصر على أنه لن يكون لهذه الحكومة المؤقتة علاقة بأي برنامج سياسي ، فيما تطرح حركة فتح رأيا معاكسا لذلك .
سياسة وضع العصا في الدولاب وقبل أن يدور دورته الأولى ليس بالأمر المستغرب ، فهذه حال اعتدنا عليها وبالتالي فهي لا تحمل لنا جديدا ، وعليه فهناك من يريد لهذه الحكومة التي وافق الرئيس عباس ترأسها أن يكون لها برنامجها السياسي وهناك من لا يريد ، ويصر على أن يقتصر دورها بإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية ، وإعادة إعمار غزة ، والإشراف على تطبيق المصالحة في أوساط شعبنا الفلسطيني ، و يضيف أصحاب هذا التوجه إلى ذلك مطالب جديدة تقتضي أن تقسم الحكومة و رئيسها اليمين أمام المجلس التشريعي ، كما يشاع أيضا بأن حماس تطالب بمنصب نائب الرئيس الأول ، وبالتالي فإن أصحاب هذا الطرح يتذرعون بأنهم لا يريدون لهذه الحكومة أن تغرق و من يومها الأول في المستنقع الذي وصلت إليه التسوية السياسية ، والمفاوضات المجمدة والمتعثرة التي تقودها وتشرف عليها سلطة رام الله ، وحتى لا تنفجر الأمور على عناوين لا تزال غالبية الأطراف الفلسطينية تختلف وتتباين عليها .
على الجانب الآخر ومن داخل أوساط اليسار الفلسطيني أشار مسؤولين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى ضرورة أن ينطلق برنامج هذه الحكومة من الإلتزام بالإجماع الوطني ، وهذا يعني تمسك الجميع ببرنامج منظمة التحرير الذي يؤكد على حق العودة ، والدولة ، وتقرير المصير ، فهذا وحده كفيل بإغلاق الأبواب تماما أمام السجال الفلسطيني الداخلي المرفوض و الذي سيعقد المسيرة نحو إستعادة الوحدة اللازمة لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ، والوصول إلى وحدة مؤسساتها الوطنية ووفق ما يتم الإتفاق عليه في الحوار الوطني الشامل.
هذه أبرز جوانب المشهد الفلسطيني الوطني العام الذي تدور أحداثه السياسية الجديدة على حلبة المسرح المصري ، والأدوار التي يقوم بها " كبار القادة " هي في غاية الوضوح ولا تحتاج إلى سحرة لفك طلاسمها وألغازها ، وكل هذا الكلام الذي إعتادوا على ترديده على مسامعنا أصبحنا نحفظه عن ظهر قلب ، ولذلك فإننا نقول للجميع ، من المسؤلين عن تحريك الرياح ، إلى القباطنة على ظهور الشخاتير ، بأن كل جهودهم ستنتهي إلى الفشل الذريع ما لم يتم حشد و رص كل قوى شعبنا المناضل خلفها ، فهو وحده القادر على ضمان تحقيق النجاح والوصول إلى بر الأمان الذي ينادي به الجميع .
بر الأمان الفلسطيني هذا ، هو طوق النجاة الوحيد الذي يمكن من خلاله الخروج من كل هذه المآزق والأزمات التي أصبحت تلتف حول رقبة القضية الوطنية وجسدها ، بدون بر الأمان هذا ستبقى الوحدة بعيدة المنال وسيكون الخلاف الثنائي والثلاثي والرباعي والجماعي هو الطاغي والمسيطر على وضعنا الداخلي ، وهكذا سنظل جميعا " موالاة و معارضة " عاجزين عن إلقاء حجر على عدونا الصهيوني لننغص عليه احتلاله وهذا أقل الممكن إذا كنا نريد أن نكون قولا وعملا ثوار !.
د.امديرس القادري
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت