أنف النائب
حكاية أنف النائب أنور البلكيمي عضو مجلس الشعب المصري عن حزب النور السلفي شغلت الرأي العام المصري على مدار الأيام السابقة، والحكاية بدأت عندما ادعى النائب بتعرضه لهجوم من قبل "بلطجيه" على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، ووصف الحادثة بالتفصيل حين لاحقته سيارة "البلطجية" على الطريق السريع وأجبرته على التوقف، ويقول النائب أن الاعتراض كان بهدف السرقة، ورغم أنه عرف "البلطجية" بمكانته كعضو في مجلس الشعب، إلا أن ذلك لم يغير في الأمر شيئاً، وأكمل روايته باعتداء "البلطجية" عليه مما أصابه بكسر في عظمة الأنف وارتجاج في المخ، يضاف إلى ذلك سرقة مبلغ كبير من المال، وأكمل النائب بأنه توجه إلى المستشفى الحكومي بمدينة الشيخ زايد، إلى هنا يمكن لنا أن نختصر رواية النائب البلكيمي.
إلا أن الرواية فتحت بوابات على مصراعيها، فمن جهة هاج وماج مجلس الشعب، معتبرا أن الاعتداء على النائب يمثل دليلاً واضحاً على حالة "الفلتان" الأمني التي تعيشها مصر، وبطبيعة الحال حمل الجميع فلول النظام السابق المسؤولية، وذهب البعض بالمطالبة بإقالة قادة في أجهزة الأمن، وحمل البعض الآخر حكومة الجنزوري المسئولية الكاملة عما أصاب أنف النائب، ولعل انف النائب حظي باهتمام زملائه في مجلس الشعب بقدر يفوق بكثير اهتمامهم بما حدث بمدينة بور سعيد، ولسنا هنا بمقام تقليل أهمية أنف النائب، وفي الوقت ذاته لسنا بمقام الحديث عما آلت إليه الأمور الأمنية في الشقيقة الكبرى "مصر"، وكان يمكن لحكاية أنف النائب أن تتوقف عند هذا الحيز من الاهتمام، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن النائب.
جاءت المفاجأة الغير متوقعة من مستشفى "سلمى" التخصصي، حيث تقدمت المستشفى للنيابة بأوراق تثبت أن النائب في الوقت الذي ادعى فيه التعرض للضرب من قبل "البلطجية"، كان تحت مبضع الجراح لديها لإجراء عملية تجميل في الأنف، وبعد الانتهاء من عملية التجميل أصر النائب على مغادرة المستشفى رغم نصيحة الأطباء بغير ذلك، وأمام إصراره انصاعت إدارة المستشفى لإرادته على مسئوليته الشخصية، لكن المستشفى فوجئت بعد ذلك بساعات برواية تعرضه للضرب من قبل البلطجية بأثر رجعي، كان يمكن لرواية النائب أن تمضي إلى حيث أراد، لو لم تتقدم إدارة المستشفى بوثائقها للنيابة العامة.
هذه الحبكة في قصة أنف النائب جعلت منها قضية رأي عام، استحوذت بحلقاتها اليومية على اهتمام الجميع، وطغت بجماهيريتها على المسلسلات التلفزيونية، لكن ما يعنينا في حكاية أنف النائب التالي:
أولاً: أن حزب النور السلفي وعلى لسان الناطق الرسمي له "نادر بكار" لم ينتظر نتائج التحقيقات التي تجريها النيابة العامة، حيث اكتفى بجزئية التأكد من إجراء عملية التجميل، وكان ذلك كافياً على الكذب الذي اقترفه النائب، فسارع الحزب بفصل النائب من قيوده، وفي الوقت ذاته أكد بأنه سيتوجه لمجلس الشعب بطلب فصل النائب من عضوية مجلس الشعب، كان من الممكن أن يدفع الحزب ثمناً باهظاً في مصداقيته إن هو جند قدراته في الدفاع عن نائبه، ولكن رغم ما شكلته حادثة أنف النائب من إساءة للحزب، إلا أن العقوبة التي أوقعها الحزب على نائبه شكلت مخرجاً للحزب من الورطة التي أدخله فيها سعادة النائب، فلا يعقل أن يمثل الشعب من يكذب عليه.
ثانياً: أن الحادثة تعيد فتح الملف المتضخم من التهم الجزافية التي تحملها ما بات يعرف بفلول النظام السابق، حيث سارع الجميع لتحميلهم مسؤولية سلبيات ما بعد الثورة، حتى وإن كانت معطياتها لا توحي بإمكانية ذلك، ولعل ذلك يفرض على الجميع اليوم التوقف عن تشغيل الاسطوانة المشروخة التي تحمل فيها فلول النظام السابق مسؤولية ما هو سلبي ما صغر منه وما كبر.
ثالثاً: لطالما اقتصرت ملاحقة المسئولين في العالم الثالث "إن وجدت" على ما يعرف بالفساد المالي، دون أن تستوقفنا جريمة الكذب بتداعياته الخطيرة، رغم أن ديننا الحنيف يفصل بشكل مطلق بين المسلم والكذب، وإن كان كذب النائب جاء من باب التجمل، فإن الكثير مما يقال لنا هو كذب مع سبق الإصرار والترصد، وانعكاس ذلك يمس بالسلب مفردات حياتنا اليومية وبشكل كبير، ونحن دون سوانا نتحمل وزر أكاذيبهم، دون أن نفكر يوما ما في محاسبة من يكذب علينا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت