هل تحزم القيادة الفلسطينية أمرها وماهي خياراتها المتاحة؟/زياد ابوشاويش


حين وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الأخ خالد مشعل زعيم حركة حماس اتفاق الدوحة للمصالحة كان الأمر نتاج ضغوط مارستها دويلة قطر على الطرفين باعتبارها أحد الوكلاء الرئيسيين للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وبغير هذه الصفة تحديداً لا قيمة لكل ما تفعله بمالها وقناتها.
كان واضحاً أن الاتفاق لا يحمل مضامين سياسية جامعة للطرفين بالمعنى التكتيكي فاعتمدا صيغة البرنامج العام حول الحل الاستراتيجي وأنهت حماس بذلك ممانعتها التي تدثرت بها في صقيع الموقف العربي المتخاذل والذليل أمام غطرسة القوة الإسرائيلية.

كالعادة بدأ المتضررون من المصالحة على جانبي الاتفاق في تراشق التهم ودخلنا مجدداً دوامة الشكوك والاقتراحات المتناقضة والتفسيرات المشاكسة لنصل إلى حالة الانتظار التي تعاني منها كل القوى القديمة والجديدة في المنطقة، وكأن ما نسميه المرحلة الانتقالية ألقت بكلكلها على الوضع الفلسطيني كباقي المشاكل العربية الطارئ منها والمزمن.

في هذه الأثناء وعلى الوجه الآخر من الصورة تبدو السلطة الفلسطينية في حالة ارتهان للموقف النهائي من جانب الرئيس محمود عباس الذي راهن على المفاوضات ففشلت وعاد فراهن عليها ألف مرة وفشلت ولم يبق أمامه سوى البحث عن خيار آخر لم يضعه في حساباته قصيرة النظر بكل أسف.

قالوا أم الرسائل فوجدناها كلاماً مكرراً لا قيمة عملية له سوى منح المزيد من الوقت والأوراق للأمريكيين والإسرائيليين، ووجدنا أن التهديدات الواردة فيها هي اقرب للاستجداء منها لقول الفصل الذي حمله عنوان أم الرسائل، كما أن واقع الحال العربي وتحالفات القيادة الفلسطينية تبقيها ضمن دائرة النفوذ الأمريكي الإسرائيلي شاءت أم أبت. إن الحديث عن بدء انتفاضة ثالثة هو من نوع التمني لأن الانتفاضة هي حالة تتم عبر تراكمات تصنعها إرادة الناس تحت قيادة واعية وشجاعة وفهمها لما يجري مقرونة بمفاعيل احتلال بغيض يقدم كل العون لها عبر إجراءاته التعسفية، وهذان الشرطان غير متوفرين حتى الآن.

تحدثوا عن خيارات كثيرة ومواعيد للانقلاب الفلسطيني على كل العملية المخادعة لما سمي بسلام الشجعان فوجدناها لا شيء ولا تعدو كونها تهويشات ردت عليها الإدارة الأمريكية بقطع المعونات وكذلك سلطات الاحتلال وحكومته بالمزيد من الحصار وتهويد القدس وبطلبات اعتراف بيهودية الكيان والالتزام بأمنه والتنسيق معه.
في خطابه أمام "ايباك" بواشنطن تحدث باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فأجاد التوضيح حول التزامه بأمن العدو الصهيوني ودعمه، بل وقدم تعهدات لم يسبقه إليها أي رئيس سابق، كما تجاهل بشكل مهين قضية الشعب الفلسطيني إلا من كلمات سطحية عن التزامه بحل الدولتين الذي بتنا نعرف ماذا يعني وما هو مضمونه بالنسبة للأمريكيين.

كما ألقى رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو كلمة أمام ذات المؤتمر فجر الثلاثاء 6 3 قال فيها بكل حزم ووضوح أن القدس ستبقى موحدة وعاصمة للدولة اليهودية. في الكلمات لكل المشاركين وخاصة أوباما ونتنياهو جرى التركيز على الملف النووي الإيراني وإسماع العالم تهديدات جلية بضرب إيران مع إهمال متعمد للشأن الفلسطيني وهذا مؤشر لابد من وضعه في حسابات الفلسطينيين وهم يتحاورون اليوم حول مصير شعبهم وقضيتهم.

الصورة السلبية والواقع المزري لحالنا وحال الأمة العربية تحت وقع الاختراقات لربيعها ليست كاملة في هذا الاتجاه بل يوجد بعض المعطيات الايجابية لإمكانية تحسين طريق البحث عن مخرج من الركود الحالي وأهمها الأصوات الشعبية والتحركات الضاغطة من جانب الناس وطلائعها المثقفة باتجاه التحرك للأمام في السياسة الهجومية على الكيان الصهيوني وسياسة الولايات المتحدة الداعمة شكلياً للانتفاضات العربية وتجاهل كل ما تقوم به حليفتها من تجاوزات في المنطقة.

هناك من يتحدث عن عدة خيارات لمواجهة الحالة الراهنة، لكنها جميعاً لا تقدم سوى حلول جزئية. وعلى سبيل المثال فإن معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى لو نجحت وانتصر فيها الفلسطيني في الأمم المتحدة ونالت دولته الموعودة هذا الاعتراف سنكون أمام معطيات جديدة وصعبة تتطلب نضالاً وعملاً يفوق ما بذلناه في الحصول على الاعتراف عشر مرات. كما أن خيار حل السلطة وتسليمها للعدو ليتدبر أمر المناطق المحتلة وإدارتها لن يكون مجدياً وسنكون أيضاً أمام استحقاقات كبرى على رأسها العودة للكفاح المسلح الذي ترفضه حركة فتح وحركة حماس على حد سواء.

إذن بالتمعن في النموذجين المذكورين سنجد أن كليهما يقودان للصدام مع العدو الذي يبدو انه مطمئن ولا يكترث بكل ما نصرخ به أو بمعنى آخر هو يقول لنا بالبلدي: "أعلى ما في خيلكم اركبوه"...وفي صيغة أخرى: "أحمض ما عندكم اطبخوه".

بين الحرب والسلام تقع مسافة كبيرة ولابد من الاستفادة منها وللأسف نحن لم نفعل وبقينا نراوح فهل ما يجري تداوله هذه الايام في الساحة الفلسطينية يعني أن هناك جدية في التغيير والتقدم للأمام أسوة بما نراه في الدول العربية؟

لا يستطيع أي كاتب أو محلل أن يضع حلولاً ناجزة لواقع مأزوم وتراكم أخطاء استمرت لأكثر من عقد من الزمن لكن يمكن الاقتراب من الحل برؤية للماضي والتجربة السابقة مع فهم أعلى للواقع الحالي، وفي هذا الإطار ربما يفيدنا تذكر ما جرى بعد أن اكتشف الراحل ياسر عرفات المصيدة التي أوقع نفسه وشعبه فيها حين وقع اتفاق أوسلو حين لجأ لكتائب شهداء الأقصى وقدم لها كل الدعم في الوقت الذي كان يشجب العمليات الفدائية ويدينها ويتفاوض. في تلك الفترة كانت أيضاً حماس تضرب بقوة داخل الكيان وكان الوضع الفلسطيني بأفضل حال ولم تكن سلطات العدو تجرؤ على إغلاق أي معبر في الضفة الغربية.

إذن لابد أن نبقي كل الخيارات مفتوحة شريطة أن نعود للعمل الكفاحي المسلح وغيره وننهي كل إجراءات الحظر التي تضعها السلطة عليها وبغير هذا لن يكون هناك تغيير أو تقدم لقضية الشعب الفلسطيني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت