في أجواء المواجهة مع السجان المحتل ومعركة الأمعاء الخاوية جاءت صفقة تبادل الأسرى التي يحلو للعالم تسميتها بإسم " صفقة شاليط " لا للتأكيد منه على أولوية الكائن الإسرائيلي المتفوق العرق والكالونيا فقط .. بل للتأكيد على أن أسرى الشعب الفلسطيني هم مجموعة أرقام لا قيمة لها في حساباته القائمة على الإنكار والتجاهل .
أُبرمت الصفقة إذن .. ومنا من تحرر ومنا من تلقي الصفعة ولكن وساطة الحسم والحقيقة قد دُقت .. تلك التي يكتشف ويختبر فيها الإنسان أي إنسان كان ماهيته ومبادئه وأفكاره على محك الخذلان والخيبة عندما يتجرد من عواطفه الشخصية ويحرق ما يجب حرقه سعياً وراء التجدد وعدم الإنجراف وراء الوهم التنظيمي ..
يتجرد الأسير الفلسطيني من كل شيء قد يؤدي إلى إضعاف صموده وثباته وقت الشدة حين يقف أمام تضحيات وبطولات من سبقوه في دروب الغربة الحديدية .. يتذكر عمر عوض الله .. عمر القاسم .. ناظم حكمت .. نيلسون مانديلا .. ثم يبتسم لا لأنه لم يبدأ مشوار التضحية والفداء بعد .. بل لأنه إستعاد أيضاً تماسكه وإشراقة أمله واكتشف أن إرادته لا تعرف اليأس والمستحيل .. هي كلمات ليست للإنشاء المقيت ولا لشد أزر الأماني والمعنويات بل لتكون نصاً مفتوحاً للتاريخ .. للوطن .. للأحبة .. والأهم للتأكيد على وجودنا الذي ينزع عنا أغلال وأرقام الإحتلال وظلم الإنسان لأخيه الإنسان الذي هي كلمات تعزز من مزاولة الأمل .. ضمن الذين يربي الأمل كما يقول محمود درويش في ظروف الواقع الإعتقالي الصعبة التي يقسو فيها علينا الترقب الذي يُعد أقوى وأعلى مراحل الإنتظار قسوة .. إذ هو ذلك الإحتراق البطيء ودخول " إما و أو " إلى معادلة الوقت .. إما النور أو الظلام وأما الذين نالوا نور الحرية طوبى لهم ما أجملهم حين يعودون مُحررين إلى أحبتهم .. وأما الذين في ظلال الغربة الحديدية يسيرون فلهم بَرَكة النور الداخلي الذي سيضفي إلى حياة الحرية القادمة لا محالة .. هي ليست مواساة أو سلمى .. فنحن الذين بقينا لم نمت بل نؤكد فينا الوطن والحياة دوماً .. فمن ذا الذي يجرؤ على القول أن الأسرى الذين أمضوا ويمضون أكثر من عشرين عاماً وراء القضبان قد إنكسروا وتحطموا ؟ على الأطلاق فهم الرجال الصادقون الواقفون على عتبات الأمل لهم لحظات الخبث وأمن الأزمة الأخلاقية الوطنية والعمالية .. ينتظرون ويعتنقون الصبر والإيمان بأن ما سيأتي من مقت سيكون لهم وطناً ومجالاً .. هم أسرى الحرية الذين بفقهون صفقات السياسة المُهرية في السوق السوداء وتسويات اللحظة الأخيرة في بورصة الفرص والإنتهازية .. أسرى الشعب الفلسطيني الذين رغم غياب الزهر يقبعون بطفولة وطنية بريئة بيضاء طاهرة بديهية .. وحساباتهم لا تُذكر وأما بالنسبة لي فأنا أُبارك للذين مضوا في درب الحرية من أخواتي الماجدات وأخوتي ورفاقي الأحرار .. إذ ثمة معيار قد تكسر وانجاز وطني قد تحقق رغم كل شيء وهذا ما يُبشر بعودتنا القريبة نحن الذين بقينا فاليأس لا يعيب سوى الوهم .. كما أنني أشكر السماء رغم الغيم والظلام على وجود أُمي وأبي الصامديْن على قيد الحياة والأمل ينتظران عودتي في سباق العمر الذي على عجلٍ يذوي مُصراً في نفس الوقت على جدواه ومآله الخالد حيث منازلة الأمل للوهم إنتصار يثبت تجلّيه وجودنا نحن أسرى الحرية السالمين من الخيبة والوهم .. وأما إذا قلتم لي في نهاية هذا المقال هي حضارة .. فسأقول لكم : نعم هي خسارة فليكن ولكنها ستكون حتماً أجمل الخسارات .
الاسير الشاعر و الأديب باسم الخندقجي
عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني
الحكم ثلاث مؤبدات
سجن عسقلان المركزي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت