عدوان جديد على غزة، البعض يصفه بالتصعيد الإسرائيلي عليها، على اعتبار أن الاعتداءات عليها لم تتوقف وان أخذت شكل التخفيف في حدتها أحياناً، ليس بالضرورة أن تقوم غزة بعمل تتخذ منه حكومة الاحتلال ذريعة لشن عدوانها عليها، فهي ليست بحاجة لذلك، فقدرتها على خلق الذرائع الوهمية أكبر من أن يتم حصرها، اعتادت غزة أن تكون مسرحاً لجرائم حكومة الاحتلال، فكلما أرادت حكومة الاحتلال أن تستعرض قواتها توجهت إلى غزة، وهي تكاد تحمل غزة تبعات أي ضائقة تمر بها حكومة الاحتلال، بعد عملية "إيلات"، في أغسطس من العام الماضي، سارعت حكومة الاحتلال باغتيال الأمين العام للجان المقاومة الشعبية "أبو عوض النيرب"، ورغم معرفة الاحتلال، وهذا ما ثبت لها لاحقاً، أن الفصائل الفلسطينية لا علاقة لها بذلك، إلا أن رد الفعل الإسرائيلي كان صوب غزة، وبالتالي إذا تعثر إسرائيلي في رحلة استجمامه في جبال الألب لخشينا أن تكون غزة سبباً في ذلك، ولكان علينا أن ننتظر عدوانها علينا.
الملاحظ في العدوان الإسرائيلي الراهن على قطاع غزة والذي بدأ باغتيال الأمين العام للجان المقاومة الشعبية "زهير القيسي"، لم يكن هنالك ما يمكن لحكومة الاحتلال أن تستند عليه داخل الرقعة الجغرافية لقطاع غزة لتبرير عدوانها، فذهبت إلى تحميل غزة مسئولية ما يدور بسيناء، حكومة الاحتلال تدرك أن ضعف السلطة المركزية في مصر سيقود إلى تعزيز الفوضى في سيناء، وأيضاً تعرف جيداً أن اتفاقية كامب ديفيد كبلت أيدي السلطة المركزية في سيناء، وطبعا لا يمكن لنا أن نعزل عدوان الاحتلال على قطاع غزة عن لغة التصعيد التي اتسم بها الخطاب الإعلامي الإسرائيلي بما يتعلق بالملف النووي الإيراني، قد يرى البعض أن العدوان على غزة يخلط بعض الأوراق ويزيد تعقيد الموقف الإقليمي، ولكن علينا أن نتوقف عند استهداف الاحتلال لمقاتلي سرايا القدس واللجان الشعبية، وتصريحات العدو التي تحدثت علانية عن استهداف حركة الجهاد الإسلامي، فهل جاءت جريمة العدو بحق غزة رسالة مبكرة في عملية التحضير لضرب إيران؟.
عدوان حكومة الاحتلال على غزة يأتي هذه المرة بعد أن أطاح الربيع العربي ببعض الأنظمة العربية، وبعد أن جاءت الانتخابات البرلمانية المصرية بخارطة حزبية جديدة، وإن كنا نقر بحجم المشاكل الداخلية التي تواجه هذه الدول، إلا أن رد الفعل العربي بشكل عام ودول الربيع العربي بشكل خاص جاء دون الحد الأدنى حتى من عبارات التنديد والشجب والاستنكار التي اعتدنا عليها، والغريب أن اجتماع وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية كان على وقع سقوط الشهداء في قطاع غزة، إلا أنه نأى بنفسه بعيداً عما يحدث في غزة، وصب كل وقته واهتمامه على الشأن السوري، وتم دعوة وزير الخارجية الروسي لثنيه عن موقفه الداعم للنظام السوري، يبدو أن الشأن الفلسطيني تراجع على أجندة القادة العرب، وأن مجزرة العدو في غزة لم تساعد على تحريك اهتمام وزراء الخارجية العرب بما يدور في عزة.
الجانب الآخر والذي يتنافى مع العقل والمنطق، حيث من المفترض أن يشكل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني أدوات ضاغطة على القيادة الفلسطينية لإتمام المصالحة وطي صفحة الانقسام، إلا أن التعاطي الفلسطيني مع ذلك يكون عادة دون المقبول شعبياً، لم يعد بالممكن تجرع المصالحة بهذه الوتيرة التي تسير على قاعدة خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف، ولعله من المفيد اليوم أن تبادر حركة فتح بخطوات تقرب الشعب الفلسطيني من تحقيق المصالحة، وفي ذات الوقت بعد التعنت المطلق من قبل حكومة الاحتلال واستمرارها في التوسع الاستيطاني بوتيرة متصاعدة، أعتقد أنه آن الأوان لحركة فتح أن تعيد صياغة فلسفتها في مواجهة الاحتلال، فإن كانت حكومة الاحتلال قد جعلت من حركة الجهاد الإسلامي هدفاً لجرائمها، فيجب عليها أن تعي أن الاعتداء على أي مواطن فلسطيني هو اعتداء على الكل الفلسطيني، وأن القوى الوطنية والإسلامية بمقدورها صياغة رؤية مشتركة لمجابهة العدو وجرائمه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت