لازال العدوان العسكري الصهيوني متواصل على قطاع غزة لليوم الرابع على التوالي ، ولازال عدد الشهداء في تصاعد مستمر ولا تكاد تمر ساعة دون قصف من قبل قوات الاحتلال الصهيوني ويتساقط الشهداء والجرحى ، وتصريحات قادة الاحتلال العسكريين تؤكد على استمرار عمليات القصف وتؤكد أن عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي ستتواصل ضد سكان قطاع غزة دون استثناء وطالت عمليات القصف منازل مواطنين وسقط الأطفال وتعالت صرخات الثكالى من النساء وسادت حالات القلق والخوف من استمرار هذه الأوضاع المتفجرة على قطاع غزة الذي لازال يعاني من مشكلات حياتية عديدة ، أهل قطاع غزة لم يتعافوا بعد من آثار الحرب الشاملة التي شنتها إسرائيل قبل ثلاث سنوات .
قطاع غزة لازال يعاني من مشكلة الوقود والكهرباء ، حيث لازالت المفاوضات مستمرة بين الطرف المصري والأطراف الفلسطينية حول كيفية إدخال كميات الوقود اللازمة لتشغيل محطة الكهرباء التي توقفت عن العمل تماما بسبب نفاذ مخزون السولار اللازم لتشغيلها ، مما تسبب في إدخال قطاع غزة في ظلام ، و كان هذا سببا كافيا في جعل الحياة صعبة وشعور المواطنين بالقلق والغضب والتوتر ، وكذلك لم تدخل كميات الوقود اللازمة لتشغيل السيارات والمولدات الكهربائية المنزلية الخاصة بالشكل المطلوب مما ضاعف من صعوبة تحرك المواطنين وضمان وصولهم الى أماكن عملهم أو قضاء حاجاتهم مما زاد شئون الحياة تعقيدا ، وأطلق كافة المسئولين عن المرافق العامة في قطاع غزة صرخات استغاثة لكل المعنيين بالشأن الإنساني الفلسطيني وحذروا من كوارث بشرية خاصة في القطاع الصحي والخدماتي في حال استمرار انقطاع التيار الكهربائي ، كل هذا حدث في قطاع غزة وفي ظل هذا الوضع الإنساني الرهيب يشن الكيان الإسرائسيلي حربه ضد قطاع غزة لتكتمل المعاناة على أهل قطاع غزة .
هذه ليست الحرب الأولى على قطاع غزة وليست المعاناة الأولي التي يعانيها أهل قطاع غزة ، ولكن كانت تلك المعاناة تحدث في ظل أنظمة محيطة بالقطاع متهمة بالعمالة والتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي ، وكانت التصريحات النارية المباشرة ضد الأنظمة العربية لا تتوقف بسبب صمتها وعدم قدرتها على وقف العدوان على شعبنا الفلسطيني ، وكان البعض يعتقد أن الكيان الإسرائيلي لا يجرؤ على شن أي عدوان على شعبنا دون حصوله على الضوء الأخضر من تلك الأنظمة ليضمن سكوتها وعدم تدخلها إلا بالحدود المسموح بها مثل الاستنكار والتنديد والمطالبة بضبط النفس ثم العمل على تجديد التهدئة وهذا أقصى ما كان مسموح لهم القيام به .
ولكن اليوم هذا العدوان الإسرائيلي الأول في عهد الربيع العربي وقد سقطت الأنظمة – العميلة – ووصلت الى الحكم أنظمة – وطنية – انتخبتها الشعوب العربية وهي بالتالي تمثل الشعوب العربية تمثيلا حقيقيا ، واحتفل الكثيرون بسقوط تلك الانظمة – الفاسدة – وتم استبدالها بأنظمة صالحة لن تجرؤ إسرائيل في العصر الجديد أن تقوم بما تشاء لأن هناك شعوب استيقظت ولن تنام ثانية ، أصبح هناك شعوب متحررة تخرج بالملايين لمواجهة الظلم وتعلن انتهاء عصر الخوف ، هكذا اعتقد الكثيرون وعلى هذا راهن هؤلاء ، فماذا كانت النتيجة ؟ ، ها هو الكيان الإسرائيلي يعلن عدوانه الجديد بكل شراسة وعلى مسمع ومرأى من هذا العالم العربي الجديد ويعلن أنه سيستمر في عدوانه دون رحمة ، وها هي الأيام وساعات الحرب تمر ، وكما هو معلوم فإن ساعة الحرب ليست كالساعات العادية ، في كل ساعة هناك دماء وقلق متواصل وشعب يذبح ، ولم نسمع من هذا العالم العربي الجديد أي سياسة جديدة ، حتى التنديد والاستنكار لا يكاد يسمعه أحد ولعلهم يشعرون بالخجل من استخدام ذات المصطلحات التي كان يستخدمها النظام السابق – العميل - ، وواضح أنهم يشعرون بأنهم أعجز من أن يفعلوا شيئا ذو أهمية لوقف العدوان فهم أضعف بكثير من أن يهددوا الكيان الإسرائيلي بالمواجهة بل وأضعف بكثير من تلبية المطالب الإنسانية لأهل قطاع غزة ، والنتيجة هي أن الربيع العربي ليس ربيعا عربيا بالمعنى الحقيقي ولكنه ربيعا لأحزاب عربية فقط ، سقط الحزب الحاكم السابق وصعد الحزب الحاكم الجديد ، وبقيت الشعوب في مكانها ولكنها لا تملك اليوم حق لعن النظام الجديد أو اتهامه لأنه النظام الذي صنعته بأيديها أو كانت الأداة التي قامت بصناعته .
إن البعض الذي لا يملك سوى خداع نفسه يعتقد أننا يجب أن نعطي الأنظمة الجديدة الوقت الكافي لنحكم عليها ، وهذا كلام حق ولكن يراد به باطل ، لأن العدوان المتواصل على شعبنا لا يحتمل منح أي طرف المزيد من الوقت ، هل ترجمة الإحساس الحقيقي الى واقع يحتاج الى وقت ، هل المقتول يحتاج الى وقت كي تعلن حزنك عليه ؟ هل المريض المحتاج الى الدواء يحتاج الى الوقت حتى تشعر بمعاناته ؟ كم من الوقت مطلوب أن يمر وكم من القتلى يجب أن يسقطوا حتى تتحرك الشعوب أصحاب المليونيات ليعبروا عن تضامنهم ؟ أم حتى التضامن يحتاج الى إذن من أطراف معينة ؟ أو هناك من يخشوا أن يتحول التضامن الى حالة لا يمكن السيطرة عليها فأصبحت الحكمة تقتضي تأجيل هذا التضامن .
هذا هو العدوان الأول في عصر الربيع العربي وهو كشف بكل وضوح أنه ليس ربيعا وليس عربيا ، لماذا لم تتحرك جامعة الدول العربية بذات الغضب وذات السرعة كما تحركت بسبب أحداث سوريا ؟ أم أن الكيان الإسرائيلي مسموح له ما لم يسمح لغيره ، أم أن هذا الكيان خطا أحمر لا يجب الاقتراب منه أكثر مما هو مسموح به ؟
وأمام الشهداء والجرحى ليس لنا سوى أن نخفض رؤوسنا ونرفع أكفنا لله وندعوه بكل ضراعة وولاء " اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك " ونحن نقدم أغلى ما نملك من أجل كرامة شعبنا ، ولكن لن ينجح أحد من خداعنا فقد انكشفت العورات جميعا .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت