وأعود مرة أخرى إلى مفردات الحياة اليومية في قطاع غزة ، مفردات فيها من التنوع والاختلاف قلما نجده في كثير من بلدان العالم حتى الفقير منها ، مفردات تختفي قليلا أو تتوارى خلف مفردات تطفو على السطح، لتعكس الحالة الراهنة التي يعيشها شعبنا في القطاع ، فمن يسير في شوارع غزة ، أو من يكون في سيارة عمومية ، وفي كل المجالس تسمع عبارات كلمات لها مدلولاتها يفهمها الجميع هنا مثل : كهرباء ، شهداء ، سولار، بطالة، رواتب، قصف إسرائيلي، ماء ، أسعار، زناته ، موتور ، شيكل ، دولار ، الخ .
نعم إن قطاع غزة يعيش حالة فريدة في نوعها بل حالات مختلطة ومركبة فأصبحت على درجة كبيرة من التعقيد، تجعل من القطاع وكأنه سفينة تسير في بحر متلاطم الأمواج لا بوصلة لها ولا ربان ، لا نعرف ماذا يجري ، ولماذا يجري ما يجري ، فقطاع غزة أشبه بإقليم مستقل تشرف على إدارته حكومة أي كانت هذه الحكومة مقالة أو حكومة أمر واقع، شرعية أو غير شرعية ، أو أي شيء المهم أنها حكومة قائمة بكل عناصرها تعمل على إدارة القطاع، ولها هيبتها واحترامها على الجميع ومن الجميع ، وعلى الشعب التعاطي معها إلى أن يشاء الله ، ومن لا يريد فعليه الانطواء في منزله إن استطاع ، إقليم مستقل ولكن بدون اقتصاد أو خطط للتنمية حيث انخفاض معدلات النمو بدرجات كبيرة لا تتجاوز أل 1% حسب التقارير الدولية ، والغريب أن هذا الإقليم يعتبر نفسه مكملا لشطر ثاني من الوطن يختلف عنه من حيث الوضع الاقتصادي ومعدلات النمو العالية من الوطن، وكلاهما يعانيان من الانقسام وتداعياته .
الجميع هنا ينشد المصالحة وعودة اللحمة الوطنية في الوقت الذي لم تتحقق في هذه المصالحة، على الرغم من اعتقادنا مرات عديدة بأنها تقترب من التحقيق ، أو أصبحت قاب قوسين أو ادني من التحقيق ، فلماذا يا ترى ، من المسئول وماذا يريد ؟
العديد هنا يعتقد بأنه الوطن وللوطن وأبو الوطن دون النظر إلى الآخرين الذين يشاركونه هذا الوطن في كل صغيرة وكبيرة .
مناسبة هذه الخواطر السريعة ما يتعرض إليه قطاع غزة هذه الأيام من حرب إسرائيلية شعواء ، لا تفرق بين صغير وكبير ، بين امرأة ورجل ، حرب تستهدف الكل الفلسطيني ، ولا تستهدف فصيلا بعينه ، الكل مستهدف حمساويا كان أو فتحاويا ، جهاديا أو جبهاويا ، فالطائرات والقذائف الإسرائيلية لا تفرق المهم أن تصطاد ما تقع عليه عيونها ، حرب ليست الأولى من نوعها ، بل هي امتداد لحرب طويلة تشنها إسرائيل منذ سنوات ، حيث اعتادت تصدير أزماتها الداخلية وصراعاتها الحزبية إلى قطاع غزة ، وكان قطاع غزة هو الوعاء الذي يستوعب كل المشاكل الإسرائيلية لهذا كان الحصار محكم ، والعدوان مستمر كيفما تشاء ومتى تشاء.
والسؤال الآن أين نحن من هذه الحرب المتواصلة ، انأ على يقين بأنها ستنتهي مؤقتا خلال ساعات أو ربما بضعة أيام لتعود من جديد بعد فترة ليست بالطويلة وهكذا اعتادت إسرائيل عدم منح قطاع غزة وسكانه الذي أنهكهم الحصار والفقر والبطالة فرصة الاستقرار والشعور بالأمن ، لأنها تعرف أن استقرار القطاع يعني النمو ويعني البناء ويعني القوة وربما يعني الوحدة وإنهاء الانقسام ، وهذا ما لا ترضاه أبدا ، لن يمض وقت طويل على انتهاء هذه الحرب حتى تعيد ها مرة أخرى وبنفس الأسلوب ، هذا ما شهدنا في جميع الاعتداءات الإسرائيلية السابقة على الأقل خلال العامين الأخيرين ، اغتيال احد القادة ، ردات فعل فلسطينية ، رد إسرائيلي قوي ينتهي باستشهاد عدد من المواطنين وإصابة عشرات آخرين ثم تهدئة وهكذا .
إنها ممارسات وخطط إسرائيلية مدروسة وممنهجه هي جزء من خططها الإستراتيجية ضد شعبنا ، من اجل ابتلاع الأرض وإحلال مزيد من المهاجرين اليهود فيها وإجبار شعبنا على تركها .
إننا وإذ نعيش هذه اللحظات وهذه الحرب ، نتوجه بتحية إعزاز وإكبار إلى كل الذين يتصدون بقوة وبسالة لهذا العدوان على اختلاف انتماءاتهم وفصائلهم ،والى شعبنا الصامد الصابر، فلا انتماء اليوم إلا لفلسطين ، نتوجه إلى القيادات الفلسطينية بكل أطيافها وألوانها أن لا تسمح لإسرائيل تكرار هذا العدوان مستقبلا ، فيكفي ما لحق بشعبنا من قتل وتشريد ، وعليهم إفهام إسرائيل أن المعادلة قد تغيرت ، ولن نكون وحدنا الضحايا .
كما يجب اعتبار هذه الحرب دافعا لإنهاء المشاكل الفلسطينية ، الانقسام البغيض، ففي إنهاء الانقسام تتحقق الوحدة الوطنية ، تتوحد الكلمة ، تتوحد الجهود ، تتوحد المواجهة ، تنتهي المشاكل المتعددة ، تعود الكهرباء والماء ، والبنزين والسولار ، ويكسر الحصار .
أكرم أبوِ عمرو
غزة- فلسطين
13/3/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت