وقد تنجح حركة حماس في تجاوز الكمين الذي أعدته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والهادف إلى تهيئة الأجواء النفسية الداخلية، وإيجاد المبررات السياسية الخارجية لحرب عدوانية إسرائيلية مفتوحة على قطاع غزة.
حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها مقالي، يمكنني القول: لقد أحسنت صنعاً حركة حماس في عدم مشاركتها في المعركة الدائرة، وفي محافظتها على هدوء الأعصاب، والتريث، وعدم حرق المراحل، ويكفي في هذه المرحلة أن ترد حركتي الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية، وذلك للأسباب التالية:
أولا: القيادة الإسرائيلية السياسية هي التي حددت زمن المعركة، وهي التي ترغب بتدحرجها نحو التصعيد، ولاسيما في هذه المرحلة التي ينشغل فيها الرأي العام العربي بالأوضاع الخاصة لكل قطر، وفي الوقت الذي لم يكتمل فيه لمصر العربية ترتيب بيتها، ومصر هي الوطن العربي القادر على تغيير قواعد اللعبة السياسية مع إسرائيل.
ثانياً: ما أتت عليه التقارير العبرية عن تصاعد مستوى الاستعداد لدى رجال المقاومة، وعن ازدياد مستوى التسليح في قطاع غزة بنسبة 40% عن السنة السابقة، بل ذهبت بعض التقارير إلى القول: إن خمسة ألاف صاروخ مضاد للطائرات، قد اختفت من ليبيا، ووصل بعضها إلى غزة والجنوب اللبناني. وأن لدى المقاومة صواريخ "فجر" يصل مداها حتى مئة كيلو متر، وهي قادرة على ضرب منطقة "جوش دان" الأكثر كثافة سكانية في إسرائيل.
ثالثاً: دأبت بعض القوة السياسية الفلسطينية على عدم الاعتراف بلجان المقاومة الشعبية، بل وحرضوا القاهرة على عدم حضورهم حوار المصالحة، على افتراض أنهم تنظيم يتبع حركة حماس، ويأتمر بأمرها، ويتلقى منها التمويل المالي، والدعم العسكري، في الوقت الذي تم فيه استدعاء عدد من الفصائل الفلسطينية التي لا وزن لها، ولا وجود عسكري لها، ولا حضور لها إلا حين تعلق "بوستر" تعزية بوفاة أحد الأشخاص، في إحدى أزقة المخيم.
إن بروز لجان المقاومة الشعبية بقرارها المستقل في المواجهة مع إسرائيل بهذا الشكل، ليفرض على أطراف الحوار في القاهرة أن تعترف مجبرة بأن الذي يعمل على الأرض، ويقاتل، ويفجر السكون بدوي طلقاته هم لجان المقاومة الشعبية، وليس مجموعة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي لم يبق منها في ميدان المواجهة إلا ماضٍ مقاومٍ تجاوزته الأيام، وعبرت من فوق ظهره قذائف المقاومين.
ستحسن حركة حماس صنعاً حين تترك القاهرة تحاور لجان المقاومة الشعبية بنفسها على آلية وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وأن تواصل حماس النأي بنفسها عن تحمل مسئولية التأثير عليهم بقرار وقف إطلاق النار.
وهنا أزعم أن ما قاله عنترة ابن شداد:
يدعونني في السلم يا ابن زبيبة، وفي الحرب أقدم عنترة
لينطبق على ساحتنا الفلسطينية، ولاسيما حين تتعالى بعض الأصوات مرددة: أين حركة حماس من المعركة الدائرة؟
إنهم يفصلون وقت الحرب بين لجان المقاومة الشعبية وبين حركة حماس، فإذا بدأت جلسات الحوار في القاهرة، قالوا: إن لحان المقاومة الشعبية تدور في فلك حركة حماس، وتتلقى منها التمويل المالي والدعم العسكري.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت