دعوة الرئيس محمود عباس للأمة العربية والإسلامية لزيارة القدس والمسجد الأقصى لاقت الكثير من الاهتمام والإثارة ولاقت ترحيبا من أطرافا عدة وكذلك لاقت انتقادات ومخاوف من أطراف أخرى ، ولاشك أن هذه الدعوة جاءت استجابة لمستجدات كثيرة وخطيرة تحدث على أرض القدس حيث يحاول الكيان الإسرائيلي جاهدا من خلال خطط يقوم بوضعها وتنفيذها تهدف الى إفراغ القدس من سكانها الأصليين وضرب مقومات صمود أهلها والتضييق عليهم ودفعهم الى الهجرة وترك أماكن سكناهم في القدس وكذلك العمل على عزل القدس عن محيطها العربي والإسلامي سواء المحيط القريب أو البعيد ، وهذا سيؤدي الى تغيير تدريجي ولكنه تصاعدي لجعل القدس مدينة كغيرها من المدن الأخرى بعد فقدانها أهم معالمها التاريخية والحضارية ، وفي ذات الوقت العمل على تشجيع يهود العالم من القدوم وزيارة مقدساتهم – المستحدثة والمزعومة – وتشجيع المتدينين من استمرار أداء طقوسهم الدينية ، وهكذا سيجد العالم أن غالبية سكان القدس وكذلك غالبية المصلين فيها هم من اليهود وهناك هجرة أو فقدان للوجود الفاعل العربي والإسلامي في هذه البقعة المباركة ، بالرغم أن نبينا محمد – عليه الصلاة والسلام – ربط بين زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي بزيارة المسجد الأقصى ، وهذا الربط من معجزاته ونبوءاته وكأنه يتوقع حال الأقصى وما سيؤول إليه إذا تخلى المسلمون عن زيارته .
ومن هنا جاءت أهمية دعوة الرئيس محمود عباس لإنقاذ الحال داخل أروقة وأزقة القدس العتيقة ، ولكن هذه الدعوة حتى تكون في مسارها الصحيح لابد أن تكون مصاحبة لخطة ورؤية لتؤدي الغرض منها وتجيب على تخوف البعض ، فلا يجوز لمن يريد إجراء تطبيعا سلبيا مشبوها مع الكيان الإسرائيلي أن يجد له غطاءا شرعيا وسياسيا تحت حجة زيارة القدس ولا يجوز أن يتلحف بعض القادة المبهورين والمعجبين بالكيان الإسرائيلي وأن نجعلهم يخرجون عن سريتهم الى العلانية الوقحة في تبرير علاقاتهم المشبوهة مع قادة الكيان الإسرائيلي ، ولذلك لابد أن تكون للدعوة التي أطلقها الرئيس أسس ودراسة ورؤية تحقق أهدافها كما أراد منها ، ومن هنا يجب التوقف مليا أمام ما يقوم به الشيخ رائد صلاح وإخوانه في الحركة الإسلامية داخل الخط الخط الأخضر من تسيير حافلات من كافة مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 بشكل دوري ومجاني وحث أبناء شعبنا القادرين على التوجه للرباط وشد الرحال الى المسجد الأقصى وإعماره وإحياء كافة المناسبات الدينية على أرضه ومساعدة أهلنا في القدس والعمل على تنظيف ممراته وأحيائه ، لقد كان لهذا الفعل دوره الكبير في إبقاء المسجد الأقصى شعلة مضيئة بالرغم من كل الممارسات الإسرائيلية الرامية لمنع تواجد المصلين بشكل كبير داخل المسجد الأقصى ، وهذه تجربة تستحق الدراسة والاستفادة منها وتوسيعها لتشمل كافة المدن والقرى أيضا .
وحتى تكون الاستجابة لدعوة الرئيس عملية وجادة لابد من تأسيس مؤسسة راعية لهذا الهدف تشمل كافة الوزارات المعنية سواء وزارة الأوقاف و وزارة السياحة والاقتصاد والثقافة والإعلام والقطاع الخاص لوضع الخطط لبناء شركات سياحية عالمية كبيرة أو التنسيق مع شركات سياحية كبرى إسلامية وعربية ودولية لتسيير رحلات يومية من كافة أقطار العالم الإسلامي للتوجه نحو إحياء المسجد الأقصى ، وفي هذا المجال يجب أن تكون هذه الرحلات مدعومة من الدول الإسلامية الغنية والمؤسسات ورجال الأعمال المهتمين بقضايا القدس بحيث يكون الوصول الى القدس والمسجد الأقصى متيسرا لكل من يرغب في ذلك وبأسعار مدعومة وخاصة ، وأعتقد أن المنظمات اليهودية نفذت ولازالت تنفذ هكذا مشاريع لربط يهود العالم بالقدس ونحن أولى بهذا الاهتمام منهم ، وإذا كانت النوايا مخلصة سنجد من يدعم هذه المشاريع بكل سهولة لأنها جزء أساسي من دعم صمود القدس ، ومن خلال ذلك نقطع الطريق أمام من يدعون أن زيارة القدس ستعود بالنفع على الكيان الإسرائيلي من خلال التشكيك في كيفية ونوايا الزيارة ، هذا المشروع كفيل بتحقيق أكبر قدر من الإيجابيات وتقليل السلبيات التي يخشاها البعض .
وهذا الأمر لا يقتصر على العالم العربي والإسلامي بل يجب أن يضم أيضا العالم المسيحي فلا يجوز أن يجد السائح المسيحي مكانه المفضل لدى الفنادق الإسرائيلية وتوفر مرشدين سياحيين إسرائيليين بأسعار معقولة بينما لا يجد مثل تلك الخدمة في الفنادق العربية الفلسطينية في القدس وبيت لحم ، وكما قال لي أحد الأصدقاء من بيت لحم أن غالبية السياح الأجانب يبيتون في فنادق القدس الغربية ويأتون لزيارة الأماكن المقدسة في بيت لحم بحافلات إسرائيلية ومرشدين إسرائيليين بشرحون لهم طبعا الرواية الإسرائيلية بطريقتهم الخاصة وحتى طعامهم وشرابهم يكون بحوزتهم بل ويشترون الهدايا من الفنادق التي يقيمون فيها لأنهم يجدوا الأسعار الأقل وهكذا تستفيد إسرائيل من السياحة لغياب المؤسسة السياحية العربية وغياب الدعم للمؤسسات السياحية في القدس وبيت لحم .
ولابد من التأكيد أن كافة مؤسسات القدس في حاجة دائمة للمساعدة والدعم بالضبط كما تجد المؤسسات اليهودية من يدعمها ويعوض خسارتها ، لدينا الدول العربية التي تمتلك الأموال وفي ذات الوقت ما أكثر بكاءها على القدس والمقدسات ، فإذا كان هذا البكاء صادقا فيمكن من خلال هذا المشروع الكبير أن يحقق ما نصبو إليه من ربط وإعادة إحياء مكانة القدس والمسجد الأقصى في قلوب الملايين من المسلمين في كافة أنحاء العالم .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت