في ظل مرحلة تتضح فيها ملامح شتاء اسلامي أتت به التمردات الاجتماعية الكبيرة العربية المتشظية والقائمة على الانفعال العاطفي والوجداني والمفتقرة الى الهوية والمرجعية الفكرية والرؤيا والفلسفة الخاصة،وفي ظل غياب العقل المدبر والرأس القيادي،وكذلك بغياب الوعي الذاتي والحواضن التنظيمية،فإن تلك الجماهير الشعبية المفجرة لتك التمردات الاجتماعية،من السهل أن تنساق وتنخدع وراء شعارات تضليلية،وفي ظل مجتمعات شرقية للدين والروحانيات والغيبيات فيها جذور عميقة،فإن تلك الجماهير غير الواعية يسهل خداعها وقيادتها من قبل القوى الدينية والغيبية،فهي تركز على المشاعر والعواطف ،ومن هنا وجدنا أنه مع حلول مرحلة الشتاء الاسلامي،وقبول أمريكا بحكم جماعة الاخوان،فإنه لا ضرر ولا ضرار من رفع الفيتو الامريكي عن اقامة دولة الخلافة شريطة ان تشارك أمريكا في مراسيم تعيين الخليفة،على أن لا يكون له صلة أو علاقة بالشيعة من قريب أو بعيد،اللهم إلا إذا "تابوا" الى رشدهم وأعلنوا أن اسرائيل دولة صديقة،ويفضل أن يكون الخليفة من الجزيرة والخليج العربي،وهنا يهدأ ويرتاح بال الجماعات والتيارات الاسلامية المطالبة بالخلافة من "تحريريين"و"جهاديين" وأخوان وقاعدة وسلفيين وتكفيريين وغيرهم.
ومع صعود الاسلاميين في أكثر من بلد عربي الى الحكم تونس والمغرب ومصر وليبيا وغيرها،فقد تزايدت وتوالدت مؤسسات الافتاء والوعاظ والنساك والمرشدين،والمتفقين على قاعدة واحدة بتحريم الدعوة للجهاد وتحرير فلسطين أو دعم ومساندة أهلها ،وكذلك عدم الدعوة للثورة والتغير ضد مشيخات المال والبترودولار في الخليج فهذا"كفر" ورجس من عمل الشيطان وخروج على أولي الأمر،وهو من ضمن الشروط المتفق عليها للخليفة المنتظر،وأي فتوى تخالف أو تعارض ذلك هي دعم ل"الإرهاب"،وفي هذا السياق وجدنا أنه ما أن وصل الاسلاميين الى الحكم في تونس حتى بدأت الفتاوي،حيث ان حزب الوفاء والانفتاح الاسلامي طالب بسن قانون يشرع نكاح الجواري للرجل المتزوج،ليضاف ذلك الى مأثر الاسلاميين في خدمة قضايا الأمة،حيث دعوا الى عقد مؤتمر على أرضهم لكل أعداء" أصدقاء سوريا،وأفتى المفتين بتكفير الاسد وبالضرورة النفير والجهاد لاسقاطه واغلاق سفاراته وتدمير سوريا على رأسه،وزاد على ذلك الغنوشي مأثرة أخرى بالقول بأن الدستور التونسي لن يتضمن أي اشارة للعداء مع اسرائيل،وأبعد من ذلك ذهب الى أمريكا وفي معقل اليمين المتطرف مركز الشرق الأدنى هناك قال بالحرف الواحد أنه يعتذر عن كل تصريحاته السابقة بدعم المقاومة الفلسطينية والوقوف الى جانب الرئيس العراقي الراحل الشهيد صدام حسين،أما في مصر فأحد كبارعلماء السلفيين هناك فقد أفتى في إطار دعوة المرأة لإرتداء النقاب بأن وجه المرأة مثل فرجها عورة،في حين أفتى المرجع الديني للشيخ حمد والمسلمين السنة الشيخ القرضاوي بتكفير الشيخ حسن نصر الله ومن والاه هو و"الفرس الشيعة"وشرع استقدام القوات الاجنبية الى سوريا من اجل اسقاط النظام،في حين لم يشذ عن القاعدة رئيس المجلس الانتقالي في ليبيا الشيخ عبد الجليل،حيث اول ما جاء به هو العودة الى تعدد الزوجات،والعمل على التطبيع مع اسرائيل ناهيك عن مأثرة استقدام الاطلسي من أجل استعمار ليبيا والسيطرة على ثرواتها،والدعوة الى النفير والجهاد ضد نظام "الأسد" المجرم،والقادم أعظم في مرحلة ترسخ الشتاء الاسلامي ،سيتكاثر عدد الوعاظ والدعاة والمحرضين والمرشدين والمبشرين المتمسحين بالدين الاسلامي وهم منه براءة كتكاثر الطحالب في المياه الأسنه، وفي ظل مجتمعات، تنتشر فيها الغيبية والسلفية والجبرية والقدرية، وتتعمق قيها الأزمات الاجتماعية، وينتشر فيها التخلف على نطاق واسع "كانتشار النار في الهشيم"، ويمنع ويعطل فيها الاجتهاد، أو قول ما لا يتفق ووجهة نظر المراجع الدينية الرسمية، والتي أضحت جزءا من بنية وتركيبة النظام القائم، وفي الكثير من الأحيان، تنتشر مثل هذه الفتاوى" فتاوى الشعوذة "والتهابيل والتساطيل" في مراحل الهزيمة والانكسار والتراجع، كما تترافق تلك الفتاوى مع فتاوى التكفير والتخوين في مراحل الحروب والخلافات والنزاعات والصراعات.
أما فتاوى الجوع والنهم الجنسي والحديث الدائم والمبتذل عن مفاتن النساء، وبلغة تخرج عن كل ما له علاقة بالأخلاق والحياء والدين ومنظومة القيم والقوانين المعمول بها في المجتمع، فهي تنتشر في المجتمعات التي تعاني من أزمات اجتماعية عميقة، حيث يتنشر الكبت والحرمان والجوع الجنسي والجبرية والسلفية وغيرها، وان بدا على السطح وفي الظاهر أن طبيعة المجتمع إسلامية.
وفي هذا السياق، فقد أشارت الكثير من التقارير الدولية، حول البغاء والدعارة وتجارة الذهب الأبيض، أن دولة إسلامية كالمغرب هي ثاني دولة على مستوى العالم في هذا المجال، والإمارات العربية في المرتبة السادسة. أن أحد الدعاة السعوديين قد شرع جواز طفلة، وأخر المدعو عمر السويلم، وفي إحدى دروس الوعظ التي يقدمها عن الحور العين في الجنة، والتي حسب ما يقول القرآن الكريم، إنها إحدى المكافآت التي تقدم للمؤمنين في الجنة جزاء صبرهم واحتسابهم وكبحهم لشهواتهم الجنسية العارمة في الدنيا، فهذا الشيخ يصف هؤلاء الحور بلغة جنسية صادمة، وكأنه يتحدث عن فيلم أو عرض إباحي حيث يقول في وصف جمال الحوريات"فخوذ....نهود... سيقان" وبعد ذلك يتحدث عن شعرها عندما يأتي على جسدها وأنها لا تحتاج الى كريمات ومرطبات، وما أن يدخل عليهن الرجل حتى يبدأن بالتفاقز فوقه، وينمن معه بعد ذلك بالدور!، ومن ثم يستمر بالحديث بالقول"عشر نساء من الحور العين يجئن إليك مسرعات ويلقين بك على ظهرك... وتضع إحداهن فمها بفمك....والأخرى خدها بخدك...وأخرى تضع صدرها بصدرك...والباقيات ينتظرن الدور، وتقوم الحورية بتقديم كأس الخمر لك".
إن مثل هذه الفتاوى تكشف بشكل واضح عمق الأزمات الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المتخلفة والسلفية، والتي تنتشر فيها الغيبية والسلفية على نطاق واسع، ومجتمعات يتحكم في جزء من مصيرها وقراراتها وقيادتها، مثل هؤلاء "المساطيل والمهابيل" لن تواكب لا التقدم ولا التطور الحضاري، ولا يتوقع لها أن يكون لها مكانة لائقة على الخارطة العالمية لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا العلوم والثقافة ولا القوة العسكرية..الخ، مهما امتلكت من ثروات وكدست من أموال.
وما دامت فاقدة لقرارها السياسي وتعاني من خصي وعقم دائم عسكرياً، وترهن مصيرها وتطورها وتقدمها لمثل هؤلاء "المساطيل والمهابيل"، لن تكون مبدعة إلا في التهام الطبيخ والمناسف، وكذلك التهام النساء، فمن فتاوى هذا المسطول، الى فتاوى رئيس قسم الحديث في الأزهر بإرضاع الموظفة لزميلها الموظف ثلاث رضعات، وآخر يفتي بشرب بول النبي للتبرك، والكثيرين يفتون بتشريع البغاء بشكل غير منظم، وبما يترتب عليه من مشاكل اجتماعية وجنسية، من تشريع زواج المتعة والمسيار وزواج الكيف..الخ..
وليت الأمور وقفاً على هذا الجانب، فهناك من هم موجودون في "تورا بورا"في أفغانستان، أصبحوا يوزعون الفتاوى بشكل شهري، فعدا أن أعمالهم جلبت الكثير من الدمار والمصائب للشعوب العربية والإسلامية، بسبب خلطهم بين الإرهاب والمقاومة والنضال المشروع، وبدلاً من أن يوجهوا نضالاهم ضد العدو الحقيقي للأمة العربية والإسلامية، جندتهم ووظفتهم أمريكا في البداية، بما يخدم حربها وصراعها مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، وأطلقت عليهم المحاربين من أجل الحرية، وعندما انتهى دورهم ووظيفتهم، جاء الدور عليهم، واتخذت أمريكا من حادثة البرجين أيلول /2001 ذريعة لشن حرب شاملة على كل دول وقوى المقاومة والتحرر، كما ساهموا في توفير الذرائع لاحتلال أفغانستان والعراق، وما يقومون به من أعمال إرهابية حيث القتل بدون تمييز في أفغانستان والعراق وفي أكثر من دولة عربية وأوروبية، وجهت ضربة قاصمة لمشروعية نضال الشعوب المقهورة والمحتلة.
وأخيرا أقول إن أمة تقتل وتكفر علماءها ومفكريها وكتابها ومثقفيها، من أمثال طه حسين وحسين مروه وفرج فوده ومهدي العامل وصادق جلال العظم وحامد أبو زيد ونوال السعداوي والصادق المهدي وحسن نصر الله وغيرهم، وينشط فيها الكثير من الوعاظ والدعاة والمحرضين ورجال الإفتاء، الذين لا هم لهم سوى الحديث عن عورة ومحاسن المرأة، والحور العين وفتاوى"التسطيل والهبل" والشعوذة والتكفير والتخوين وقتل المعارضين وسجنهم ونفيهم، وتعطيل الاجتهاد، وتأليه الحكام والسلاطين، لن تلحق بالركب الحضاري أبداً، وهي بحاجة الى ثورة اجتماعية شاملة تطال الكثير من المفاهيم والقيم والتقاليد والعادات التي أكل عليها الدهر وشرب.
القدس- فلسطين
14/3/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت