لقاء أوباما – نتنياهو النووي الإيراني..وتغييب فلسطين/غازي السعدي


خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام لجنة شؤون العلاقات الخارجية الأميركية-الإسرائيلية "ايباك"- التي تضم أكبر مجموعة ضغط صهيونية على الرئيس أوباما والإدارة الأميركية، المؤتمر الذي ضم (13) ألفاً من الأميركيين اليهود وغير اليهود المؤيدين لإسرائيل – هذا الخطاب هو خطاب تحريضي ناجح مئة بالمائة، وكان أبرز هذا التحريض انتزاع "نتنياهو" وثيقة من جيبه ليعلنها أمام المؤتمرين ومضمونها بأن الكونغرس اليهودي وجه رسالة إلى الرئيس الأميركي "روزفلت" عام 1944، أثناء الحرب العالمية الثانية، طالبه فيها القيام بقصف خطوط سكة الحديد التي تنقل اليهود إلى محارق الإبادة في "اوشفيتز"، إلا أن "روزفلت" لم يستجب بحجة-حسب نتنياهو- أن مثل هذا القصف سيزيد من شراسة الجيش النازي الألماني، وكأن "نتنياهو" أراد إرسال رسالة جديدة إلى الرئيس "باراك اوباما" بتحميله المسؤولية لعدم استجابة أميركا بقصف المنشآت النووية الإيرانية، وبتحميل "أوباما" المسؤولية إذا تعرض اليهود في إسرائيل لإبادة جديدة.

لقد نجح "نتنياهو" في إثارة الحضور، حيث صفقوا له (14 ) مرة مع وقوفهم على أقدامهم بتصفيق حاد، و(41) مرة صفقوا له وهم جالسون على مقاعدهم، فكرر "نتنياهو" في خطابه عدة مرات أن إسرائيل لا تستطيع العيش في ظل إيران نووية، ولا تستطيع الانتظار أكثر، فـ "نتنياهو" أراد انتزاع وعود من الرئيس الأميركي لضرب إيران، بتصريحات علنية، لتحويل مثل هذه التهديدات لتوريط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران، ليأخذ منها "نتنياهو" تعهدات أميركية سيطالب الإيفاء بها في المستقبل.

لقاء نتنياهو- باراك بعد تسعة شهور من اللقاء السابق في البيت الأبيض، أهمل القضية الفلسطينية التي احتلت صدارة المحادثات آنذاك، لكن هذه المرة اختفت قضية الشعب الفلسطيني، وكانت مغيبة، مما يسجل لـ "نتيناهو" نجاحه –ولو مؤقتاً- في التهرب من القضية الأساسية للصراع في الشرق الأوسط، ومن قضايا الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، فقد استبدل "نتنياهو" القضية الفلسطينية في محاولة لكسب الرأي العام الأميركي، حين أعلن أن بوصفه رئيساً للحكومة الإسرائيلية، فإن من واجبه أخذ التهديدات الصادرة من إيران لتدمير الشعب اليهودي ودولته بمنتهى الجدية، وأن من حقه –كما يقول- الدفاع عن شعبه، فالرأي العام الأميركي بلع هذا الطعم، ففي استطلاع جرى في أعقاب المؤتمر، أعرب 71% من الأميركيين عن تأييدهم لإسرائيل لكنهم يعارضون الحرب، وهذه أعلى نسبة تحصل عليها إسرائيل من قبل الرأي العام الأميركي.
إن تأكيد الرئيس الأميركي "باراك أوباما" في خطابه أمام المؤتمر، بصلابة التزامات الولايات المتحدة حيال إسرائيل، والتزامه بالحفاظ على أمن إسرائيل، والالتزام بتفوق إسرائيل العسكري والنوعي على أية دولة أو تحالف من الدول، وهذه أولوية أميركية، فهذه الأقوال ليست جديدة بل معروفة، فسجل الإدارة الأميركية الحالية، والإدارات السابقة، حافلة باسترضاء إسرائيل، التي تربط بينهما علاقات إستراتيجية، لكن خطاب "باراك" هذه المرة كان خطاباً انتخابياً بامتياز.

"نتنياهو" الذي يعرف جيداً أن الولايات المتحدة غير مستعدة للدخول في حرب على إيران، ما زالت تضمد جراحها من حربها على العراق، وما زالت متورطة في أفغانستان، في ظل تراجع الاقتصاد الأميركي، وتراجع هيبتها في العالم، وترفض التورط في الأزمة السورية عسكرياً، وبالتأكيد أنها أكثر تجنباً من تورط عسكري مع إيران، فهناك هوة عميقة بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي بشأن الحرب على إيران، رغم الوعد الذي تعهد به الرئيس الأميركي، بأنه لن يُمكن إيران من الحصول على النووي، من خلال زيادة العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية عليها، بل أنه يعطي للعمل الدبلوماسي الوقت الذي يحتاجه، رافضاً الالتزام بمدة زمنية، ولا بخطوط حمراء طلبها منه "نتنياهو"، فالهجوم على إيران موضع خلاف شديد ليس من قبل الولايات المتحدة، والمجموعة الأوروبية فحسب، بل وفي داخل إسرائيل، إذ أن الأغلبية في إسرائيل يخشون هذه الحرب، وأن أقوال "نتنياهو" بأنه يفضل إطلاق (80) صاروخاً على إسرائيل من أن تصبح إيران نووية، زادت في ذعر الإسرائيليين، حتى أن رئيس الموساد السابق "مئير دغان"، حذر من مهاجمة إيران، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية -على حد قوله- تعارض توجيه ضربة عسكرية لإيران.

اللقاء الذي عُقد في البيت الأبيض بين "أوباما" و "نتنياهو" واستغرق ساعتين، لم يصدر عنه أي بيان، ولم يُعقد بعده مؤتمر صحفي، مما يشير إلى وجود خلافات قوية بينهما، لكن مما سُرب، أن "أوباما" رفض الاجتماع مع "نتنياهو" على انفراد بل طلب وجود مراقبين من الجانبين في هذا الاجتماع، لأن "أوباما" يخشى أن يخرج "نتنياهو" ويقول أو ينسب لـ "أوباما" أموراً غير صحيحة، حتى أن جريدة "قضية مركزية" الإسرائيلية "6-3-2012"، كتبت بأن "أوباما" يحتقر "نتنياهو" ولا يصدقه وأن الثقة بينهما معدومة، وهذا الأمر ليس بجديد، حتى أن الرئيس الفرنسي "ساركوزي" وصف "نتنياهو" بالكذاب، وأنه يأمر مساعديه بالكذب، كما أن رئيس حكومة إيطاليا السابق "برلسكوني" -صديقه الحميم- والمستشارة الألمانية "انجيلا ماركل"، ورئيس الوزراء البريطاني "كاميرون"، لا يصدقون كلمة واحدة تخرج من فم "نتنياهو"، كذلك رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق "عوزي اراد"، وهو من أقرب المقربين لـ "نتنياهو"، إضافة إلى رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست "شاؤول موفاز"، وآخرون يصفون "نتنياهو" بالكذاب، لذلك تجنب "أوباما" كذبة جديدة وتلفيقة ينسبها "نتنياهو" اليه.

هناك هوة عميقة بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي في الموضوع الإيراني، وأن أحد الأدلة على ذلك عدم صدور بيان مشترك عن المحادثات، بينما وعد "أوباما" بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، لكن هناك خلافا حول الطريقة، فالأول يريد استمرار العمل الدبلوماسي والمزيد من العقوبات، بينما الثاني يُصر على توجيه ضربة عسكرية لعدم قناعته بجدوى العقوبات والعمل الدبلوماسي، فهناك مصاعب في بلورة توافقات أميركية-إسرائيلية بخصوص إيران، وأن أكثر ما يُقلق إسرائيل انتقال الخلافات في المواقف بين الجانبين، بإغراق وسائل الإعلام الأميركية بهذه الخلافات، فجريدة "معاريف 5-3-2012" كتبت بأن نتنياهو سيعود بخفي حنين، مستندة الى مصادر أميركية، حتى أن الوزير السابق "يوسي بيلن" وصف سفر "نتنياهو" لأميركا لاستصراخ يهود أميركا:" أنقذوني، فإذا أردتم أن تساعدونا في إنقاذ أنفسنا في إسرائيل، يجب عليكم أن تعملوا وأن تضغطوا على الرئيس أوباما"، لكن "نتنياهو" يبقى الرابح والمستفيد من هذه الأزمة، ومن خطابه أمام "إيباك"، ومن تلاعبه بمشاعر اليهود في أميركا، وفي إسرائيل إذ أن استطلاعاً للرأي العام الإسرائيلي، في أعقاب هذه الزيارة، أعطى لـ "نتنياهو" وحزبه الحصول على (37) مقعداً في الكنيست إذا جرت الانتخابات الآن، أي بزيادة (10) مقاعد عن الانتخابات الماضية، ليصبح معسكر اليمين الإسرائيلي يزيد عن (70) نائباً، وهذا الإنجاز الأهم لـ "نتنياهو" من جولته الأميركية، التي من أهم أهدافها إحكام سيطرة "نتنياهو" على الداخل الإسرائيلي، فالحرب على إيران مُكلفة ومجنونة، وتحتاج الى ضوء أخضر أميركي، والسؤال: مَنْ الأخطر.. النووي الإسرائيلي المؤكد، أم النووي الإيراني المزعوم؟


التاريخ : 14/3/2012
المقال الأسبوعي
بقلــــم: غازي السعدي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت