مع صدور تقرير البنك الدولي والذي يتحدث عن انخفاض التعهدات المالية للدول المانحة تجاه السلطة الوطنية الفلسطينية والذي سيؤدي بدوره إلى انخفاض الرواتب العامة والخدمات الاجتماعية وتقليصات في القطاعات العام ، ويخلص التقرير إلى أن أسباب هذه الأزمة هو الإحتلال الإسرائيلي من خلال قيوده على التجارة وفرضه حصارا خانقا على غزة بالإضافة الى تفاقم أزمة السيولة بسبب عدم وفاء الدول المانحة بتعهداتها نحو السلطة ، و يقدر العجز في موازنة السلطة الوطنية بحوالي 500 مليون دولار وتبلغ قيمة الموازنة أكثر من 1.1 مليار دولار في موازنة العام الحالي 2012 ، وأوضح التقرير أن أكثر الدول المانحة هي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي ، لكن إذا أردنا التمحيص في قضية انخفاض التعهدات المالية المقدمة للسلطة وبدون مبالغة أن إنخفاضها يرجع إلى أسباب سياسية وهي لاختلاف السلطة الوطنية مع الولايات المتحدة في قضايا سياسية منها توجه الرئيس أبو مازن للأمم المتحدة للحصول على مقعد في الأمم المتحدة ، وهذا الأمر يعتبر من تكاليف المساعدات المالية بمعنى انه لا يوجد شيء مجانا ، ومن ناحية إقتصادية الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد يقع تحت احتلال إسرائيلي يتحكم في أرضه ومعابره ولا يعطيه أي سيادة سياسية أو اقتصادية فالاقتصاد الفلسطيني يتبع الاقتصاد الإسرائيلي رغما عن أنفه بسبب تدخلات السياسة الاقتصادية الإسرائيلية ، كما أن ارتفاع متطلبات الموازنة يرجع إلى عدد الموظفين الكبير في السلطة الوطنية في الضفة والقطاع فيقدر عددهم بحوالي 160 ألف موظف 72 ألف في الضفة و78 ألف في غزة وعدد العسكريين في الوطن 64 ألف موظف و96 موظف مدني هذا العدد كبير ولا يتناسب مع حاجة القطاع الحكومي المنخفضة نسبيا مع عدد الموظفين ويرجع ذلك أيضا لأسباب التوظيف العشوائي والمزاجي وشراء الذمم السياسية وعدم وجود بديل في العمل للقطاع الخاص أو في الخارج أو حتى منع العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة 48 مما يضغط على الحكومة بتوظيف الأفراد ، كما أن انخفاض الإيرادات الحكومية سواء من المعابر أو الضرائب يجعل الفجوة التمويلية في الموازنة تزداد وسبب انخفاض الإيرادات بسبب تقاسم الاحتلال الضرائب مع الاحتلال الإسرائيلي وانخفاض النشاطات الاقتصادية بسبب الانتفاضة ، كما أن من أسباب إهدار المال العام هو الانقسام فتشتت السياسيين ومصادر تمويلهم أدى إلى إهدار الأموال فالمال السياسي الموجه نحو غزة أصبح لغزة فقط ، بينما في الضفة أصبح المال السياسي موجها نحو الضفة والقطاع مع الفروق النسبية بينهما ، كما أن إنهاء الانقسام قد يؤدي إلى توحيد الموارد المالية وتوجيها نحو مصدر واحد وهو الحكومة ومع تنوعها سيؤدى أيضا إلى انخفاض أثرها السياسي على الحكومة، كما يجب على الحكومة الفلسطينية لتخفيض الموازنة العامة يجب أن تعمل على إنهاء البذخ وإتباع سياسات تقشفية ومحاربة الفساد المالي ، وإيجاد وسائل للتقليل من البطالة المقنعة وإيجاد أفكار بتحويل القطاع العام إلى قطاع مدر للدخل للحكومة من خلال أفكار إبداعية وتحويل بعض القطاعات الحكومية إلى قطاعات منتجة واستغلال الموظفين الفائض احتياجهم في القطاع العام في الإنتاج من خلال إنشاء مصانع ومؤسسات خدماتية للقطاع العام ، بالإضافة إلى أن تشكيل جهة موحدة مختصة في تلقي المساعدات يؤدى إلى ضمان حسن استخدامها وعدم إهدارها ، على الحكومة محاربة الفساد المالي وإتباع سياسات تقشفية لتوفير المال العام ، في النهاية إن تمويل الموازنة في السلطة الوطنية يتطلب نقلة نوعية وطفرة اقتصادية تتمثل في تحسين الاقتصاد الفلسطيني وإزالة التشوهات الهيكلية داخل القطاعات الإنتاجية وجعل الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على نفسه ذاتيا وأن يصل إلى مرحلة الإكتفاء الذاتي ومن ثم الانطلاق نحو تمويل الموازنة تمويلا ذاتيا وحقيقة هذا الأمر يتطلب خطة إستراتيجية سياسية واقتصادية ونهضة مجتمعية شاملة وطاقات إبداعية خلاقة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت