العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة أظهر مدى العجز الرسمي الفلسطيني سواء من السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس او حكومة غزة ممثلة حماس في القطاع، وغياب الرؤية والاستراتيجية الوطنية للمشروع الوطني الفلسطيني برمته.
السلطة الفلسطينية صمتت صمت القبور ولم نسمع من الرئيس عباس أي ادانة أو استنكار للعدوان او لعملية اغتيال الامين العام للجان المقاومة الشهيد زهير القيسي حتى كونه مواطنا فلسطينياً، وليس مناضلا دفع حياته ثمنا في معركة النضال ضد الاحتلال.
واظهر العدوان ايضا العجز الشعبي والفصائلي في الضفة الغربية من غياب ليس التضامن الشعبي فقط مع ابناء جلدتهم في القطاع، بل أظهر حال الاحباط واليأس الذي وصلنا اليه في ظل استمرار الانقسام، كما اظهر المواقف السياسية المتناقضة والمتقاربة في آن واحد، حتى التضامن الشعبي الذي ظهر فيه الغزيين لم يكن تضامنا يعبر عن ذواتنا وقناعتنا بحق المقاومة بالرد على العدوان للثأر لكرامتنا، بقدر ما هو تعبير عن حال الانقسام والحالة المقيتة التي نعيشها وحالة الاستقطاب والمزايدات حتى على الدم الفلسطيني.
فالمواقف تتبدل وتتغير بذريعة المصلحة الوطنية العليا، والغزيون الذين طالبوا المقاومة بالرد على جريمة اغتيال القيسي والرد على العدوان الاسرائيلي هم انفسهم الذين عادوا للتذمر من اطلاق القذائف على إسرائيل بعد التوصل الى التهدئة الهشة.
ما يجري في قطاع غزة من إطلاق قذائف على إسرائيل يشير إلى المأزق الذي نعيشه ووصلنا إليه من الاختلاف الشديد، فإطلاق القذائف بهذه الطريقة لا يعبر عن حال التوافق بين الفلسطينيين، ويثير غضب الغزيين الذين يرون في من يطلقون القذائف بأنهم ليسوا أوصياء عليهم، ويعزز من قناعتهم بأنهم يوفرون لدولة الاحتلال المبررات لاستمرار العدوان.
الناس يقرؤون الأحداث جيدا، ولديهم القدرة على التمييز، ويدركون ان هؤلاء لم يفوضهم احد بإطلاق قذائف، ويتحدثون عن استخلاص العبر والربح والخسارة في استمرار العدوان وعدم قدرة فصائل المقاومة على ايلام دولة الاحتلال وهم منقسمون.
الناس يتحدثون عن استخلاص العبر من انتهاء هذه الجولة من التصعيد مع عدم ثقتهم الكبيرة ان القذائف التي بلغ عددها 200 اثرت على إسرائيل بشكل كبير، ويحاولون اقناع انفسهم ان القبة الحديدية لم تتصدى للقذائف بشكل فعال.
اسرائيل تقوم بعد كل جولة من جولات العدوان باستخلاص العبر وتقيم لجان الفحص لتقييم الاداء على المستوى السياسي والأمني والعسكري. وبعيدا عن الحالة العاطفية التي تلبست الناس وكثير من الكتاب والصحافيين خلال هذه الجولة بالتعاطف مع حركة الجهاد الاسلامي للثأر لكرامتهم، وبعد كل جولة من جولات العدوان المستمر نحن الخاسرون.
ولن يتوقف العدوان طالما نحن على هذا الحال، ونحن نعظم من قوتنا وقدراتنا ونعطي لدولة الاحتلال الاسباب لان تجعل من قطاع غزة ساحة للتدريب واختبار قدراتها العسكرية والتنكنولجية ونصبح نحن الجلاد ودولة الاحتلال هي الضحية.
نحن لم نستطع الدفاع عن انفسنا سياسيا ودبلوماسيا وفضح دولة الاحتلال من انها هي من تبدأ العدوان في كل مرة، وكنا سعداء هذه المرة من اننا فرضنا على دولة الاحتلال وقف سياسة الاغتيالات، مع ان دولة الاحتلال تنفي بشدة من انها وقعت أي اتفاق او تكون قد تعهدت بوقفها. ولم تقوم السلطة الفلسطينية بدورها المناط بها حتى بتقديم شكوى للامم المتحدة ضد العدوان الاسرايئلي.
في اسرائيل عبروا عن رضاهم من الجولة الاخيرة سواء من خلال سياستها القديمة الجديدة في الساحة الفلسطينية واللعب على سياسية فرق تسد وزرع الفتنة بين حركتي حماس والجهاد الاسلامي والادعاء انها استطاعت تحييدها خلال هذه الجولة، وإرباك الساحة الفلسطينية، والتأثير على قدرات المقاومة وشلها، وإعادة الردع للجيش الإسرائيلي والحفاظ على الانجازات التي حققها خلال السنوات الأربع الماضية كما ادعى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بيني غنتس.
والاهم من ذلك والذي يجب ان نعترف به وتستخلص فصائل المقاومة العبر بالرغم من عدم قانونيته ومشروعيته وهو ان اسرائيل وفي إطار استخلاص العبر خاصة على اثر تقرير غولدستون في العام 2009، فان ضرباتها برغم من قلتها في هذه الجولة مع انها كانت قاسية ومؤلمة وادت الى سقوط 26 شهيدا، فقد ركزت دولة الاحتلال ضرباتها من خلال استغلال التكنولوجيا والعملاء ضد المقاومين بشكل مباشر ما ادى الى استهدافهم مباشرة.
بالاضافة الى ذلك عبرت اسرائيل عن رضاها التام من الجولة بانها لم تتلقى أي ادانة حقيقية وجادة من المجتمع الدولي والامم المتحدة.
واسرائيل تعي تماما الحديث المستمر والتحريض على تعاظم القوة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، وامتلاكها صواريخ مضادة للطائرات تهدد سيطرة سلاح الجو الإسرائيلي، بالإضافة إلى امتلاك المقاومة صواريخ طويلة المدى تصل إلى تل أبيب، و غيرها من مدن الوسط، فهي تهيئ المجتمع الدولي لاستمرار العدوان والنيل منا.
وهي في كل جولة تحقق اهداف من الاهداف التي تضعها وتستخلص العبر عبر لجان الفحص والتقييم السايسي والعسكري والامني، هذا يدفعنا إلى استخلاص العبر ليس من خلال جلد الذات والمقاومة بقدر ما هو تغليب المصلحة الوطنية والبحث عن الأساليب والوسائل المناسبة لاستمرار مشاركة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية في مقاومة الاحتلال، وعدم جر شعبنا إلى حرب تريدها إسرائيل يدفع ثمنها الناس.
علينا التوقف عن ما نقوم به وتغليب المصلحة الوطنية التي تتطلب العمل بشكل مشترك، والتوافق على آلية الرد على العدوان الإسرائيلي، وتجنيب شعبنا ويلات الحرب والدمار ليس من باب الضعف والاستسلام، لكن بما يخدم المصلحة الفلسطينية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت