أثمان سياسية مزدوجة لكمين إسرائيلي مدبّر/ماجد الشّيخ


كما على جبهة المفاوضات، كذلك على جبهة "المقاومة"، تلجأ الحكومة الائتلافية الإسرائيلية لتجريب خياراتها الواحد بعد الآخر، من استئناف التفاوض إلى إفشاله، ومن ثم المطالبة بالعودة إلى طاولة المفاوضات من دون بروز أو نشوء أية معطيات جديدة، لتكون النتيجة في كل الحالات صفرا مكررا؛ هكذا الأمر منذ ما يقارب العشرين عاما من مفاوضات مضيّعة، ضيّعت معها حتى تكتيكات الطرف الفلسطيني، الذي بات يلجأ إليها مضطرا ومكرها. وفي المقابل بات الانتقال من التهدئة إلى التصعيد، ورفع الصوت عاليا وطلب الوساطات من أجل العودة إلى التهدئة مجددا، من دون تحقيق أي إنجازات سواءا للطرف الإسرائيلي أو للطرف الفلسطيني، جراء التصعيد أو حتى التهدئة. وكل ما في الأمر أن المراوحة في الوضع الوطني الفلسطيني عموما، لا تدفع معطيات الوضع السياسي إلى أي حراك ممكن أو محتمل، لا على صعيد جبهة المفاوضات المغدورة المتوقفة، ولا على جبهة التصعيد الراهن، وما قد يعقبها من إعادة التهدئة إلى ما كانت عليه قبل أيام.

الجديد في الوضع الراهن هو لجوء الطرف الإسرائيلي إلى محاولة رصد وقياس مدى ردود فعل الجانب المصري بعد ثورة 25 يناير، في حال وصلت الأمور إلى درجة لم تعد تحتملها هذه الحكومة الإسرائيلية، مما لا بد معه من شن حملة برية على غرار الحملات السابقة. هذا ناهيك عن محاولة رصد ردود الأفعال الحقيقية لحركة "حماس"، وما إذا كان بمستطاعها أن تلعب دورا مشابها لدور السلطة الفلسطينية في غزة؛ لاعتماد دور أمني لها في المستقبل.

هل ندمت إسرائيل؟
في هذه الأثناء يمكن القول أن حادثة الاغتيال التي نفذتها إسرائيل ضد أمين عام لجان المقاومة الشعبية، شكلت صدمة بالنسبة للمحللين العرب والاسرائيليين الذين استغربوا كيف ان حكومة نتانياهو تسعى الى تسخين الحدود مع غزة، واعادة المواجهات والصواريخ وشبح الحرب، فيما هي تستعد لضرب ايران!!. كما أن عملية الاغتيال تشكل إحراجا لحركة "حماس" والحكومة المقالة التي تقف أمام احتمالين: الأول السماح لفصائل المقاومة الأخرى بالرد على الاغتيال، والثاني المشاركة هي نفسها بالرد من خلال كتائب عز الدين القسام، ويبدو أن حماس اختارت الاحتمال الاول، فطار نحو مئة صاروخ من غزة باتجاه المدن الاسرائيلية خلال يوم واحد، ما اضطر الاحتلال الى الطلب من الاسرائيليين على بعد 40 كم من غزة الاحتماء بالملاجئ . فهل ندمت اسرائيل على الاغتيال؟

في رده الأولي على اغتيال أمين عام لجان المقاومة الشعبية الشيخ زهير القيسي، قال وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك: "قمنا باغتياله لانه خطط لعملية ضخمة لا يمكنني القول بأننا نجحنا في إحباطها أيضا بعد اغتياله، وها هو اغتياله يؤدي لمواجهة عسكرية في قطاع غزة" .

المحلل العسكري الاسرائيلي رون بن يشاي، حاول الاجابة على ذلك السؤال من خلال مقالته في "يديعوت احرونوت" يوم الأحد الماضي، فقال إن اسرائيل لم تندم رغم اطلاق الصواريخ ضدها، فرجال المقاومة الفلسطينية في غزة انتهجوا مؤخرا التخطيط لتنفيذ عمليات من شبه جزيرة سيناء، حتى لا تقوم اسرائيل بعمليات اجتياح ضد غزة، وحتى لا يوقعوا "حكومة حماس" في موقف سياسي محرج؛ وأن إسرائيل عرفت هذه الخطة الفلسطينية منذ الصيف الماضي، ما جعل الجيش الاسرائيلي يتخذ قرارا بتنفيذ اغتيالات ضد نشطاء المقاومة في غزة والذين يديرون النشاطات من سيناء، حتى لو كان ثمن هذا الاغتيال سقوط الصواريخ مجددا على مدن إسرائيلية. وتعود الأفضلية للعمل من سيناء، لمعرفة التنظيمات الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجهاد أن قوات اسرائيل لن تتوغل الى داخل سيناء لملاحقتهم، رغم أن الامن المصري فقد سيطرته على تلك المنطقة .

تصعيد مدبر إسرائيليا
إلاّ أن المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" أليكس فيشمان، رأى أن التصعيد الجاري في قطاع غزة "مدبر اسرائيلياً وليس صدفة غير متوقعة مسبقا"ً. وقال في مقاله الاحد الماضي تحت عنوان "تصعيد مدبر" أن الجيش الإسرائيلي نصب بالفعل كمينا، واستعد له عدة أيام، بانتظار حدوث التصعيد، وإذا ما تجاوز إطلاق الصواريخ من غزة "درجة التحمل" التي حددتها إسرائيل لنفسها، فسوف يصادق المستوى السياسي على توسيع العمليات ضد القطاع، بما في ذلك عمليات برية".

ولا يخفى أن التصعيد الحالي موجه بالأساس للضغط على "حكومة حماس"، ووضعها أمام معضلة مزدوجة، "إذ سيكون عليها وهي تسعى حاليا إلى الظهور كجسم سياسي براغماتي، أن تقرر ما إذا كانت تملك القدرة والإرادة الضروريتين لكبح جماح الفصائل الأخرى، بما فيها حركة الجهاد الإسلامي"، وفق فيشمان، الذي يختم تحليله بالقول :"إن القرار في إسرائيل هو عدم التساهل مع حركة حماس، بل مواصلة الضغط عليها، في إشارة إسرائيلية واضحة لـ (حماس) بأنه لا حصانة لأحد -حتى داخل غزة- للقيام بعمليات ضد إسرائيل عبر سيناء".

وبعد أيام من التصعيد المتواصل واستشهاد ما يزيد على 20 شهيدا من تنظيمات المقاومة، تواجه "حركة حماس" حرجاً من التنظيمات التي تعرض قادتها وعناصرها للاغتيال من قبل إسرائيل، بالطلب منها الالتزام بالتهدئة، فقد اتصلت بالقيادة المصرية للضغط على هذه التنظيمات لعدم القيام بالتصعيد وإطلاق الصواريخ، لأنها تواجه مشكلة حقيقية في ضبط الأمور في القطاع، خاصة مع حركة "الجهاد الإسلامي" و "ألوية الناصر صلاح الدين". حيث تقوم القيادة المصرية حاليا باتصالات مكثفة لمحاولة ضبط التصعيد الحالي في القطاع.

وانسجاما مع رد باراك الأولي، ذهب بن يشاي إلى ان اغتيال أمين عام لجان المقاومة زهير القيسي منع عملية كانت ستقع من سيناء، بل إنها كانت قيد التنفيذ، وأن زهير شخصيا رغم أنه القائد السياسي للمجموعات، إلا أنه كان يدير التخطيط للعملية على الحدود مع سيناء، وأن العملية كانت من النوع المتدحرج والذي يشمل تسللا للأراضي الفلسطينية المحتلة من عدة أماكن، وزرع ألغام وحتى خطف إسرائيليين. وخلاصة تحليل بن يشاي "أن إسرائيل لم تندم على اغتيال القيسي".

في هذه الأجواء وبالتزامن مع عملية الاغتيال التي فجرت شرارة الوضع في غزة، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الجمعة 9/3، أن حركة "حماس" أنشأت منظمة سرية أطلقت عليها اسم "حماة الأقصى"، وأوكلت إليها مسؤولية تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، من بينها عمليات نفذت مؤخراً انطلاقاً من قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء في مصر.. ونقلت عن مصادر أمنية إسرائيلية أن "حماس ترغب في الظهور بصورة براغماتية أمام المجتمع الدولي، لكنها في موازاة ذلك غير معنية بالابتعاد عن العمل العسكري، وتأسيس هذه المنظمة هو الحل الذي أوجدته للحصول على الأمرين معا". ولفتت المصادر الإسرائيلية إلى أنه "في إطار نشاط هذه المنظمة، يعمل عناصر من "حماس" على توثيق منهجي لحركة الجيش الإسرائيلي على امتداد الحدود المصرية، وكذلك على طريق إيلات، والمعلومات التي تُجمَع بفضل الرصد تقود نحو الإعداد لسلسلة خطط مغلقة لتنفيذ عمليات، مثل خطف جندي أو ضابط أو شخصية عامة من المستوطنين، وتهريب فدائيين إلى إسرائيل، وإطلاق صواريخ مضادة للدروع على الحدود، والتسلل إلى المواقع العسكرية الإسرائيلية".

سجال تنافسي حول الهدف
في المقابل وعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي، ومع بدء التصعيد الجديد عاد السجال التنافسي إلى أروقة الحكومة الإئتلافية بين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر أنه في حال "الخروج" لعمليات برية، فإن هذه العمليات لن تكون مجدية؛ ما لم يتم تحديد هدفها مسبقا، بإسقاط حركة "حماس" والقضاء على بنيتها التحتية في قطاع غزة. وأعاد ليبرمان إلى الأذهان أن هذا الهدف هو واحد من بين الأهداف الرئيسية للحكومة الحالية التي تم الاتفاق عليها في الائتلاف الحكومي. لكن تصريحات ليبرمان تشي في الوقت ذاته، وفق ما قاله عدد من مراسلي الشؤون العسكرية في الصحافة الإسرائيلية إلى عدم وجود "اتفاق" بين رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الأمن إيهود باراك من جهة، وبين ليبرمان من جهة ثانية، مرجحين أن باراك ونتنياهو يسعيان، حاليا إلى تصعيد محدود الأمد، يهدف أساسا إلى الضغط على حركة "حماس"، وحملها على العمل جديا وبشكل أكثر فعالية لوقف الهجمات التي تنفذها منظمات فلسطينية في القطاع مثل حركة "الجهاد الإسلامي". وبحسب المحلل في صحيفة هآرتس، أفي يسخاروف فإن "حماس" تدرك أنها في وضع حرج، فهي تريد البقاء في الحكم ومواصلة لعب دور المقاومة في ذات الوقت، بالمقابل فإن الضغوط الإسرائيلية في حال رضوخ "حماس" لها، من شأنها إظهارها أنها تخلت عن المقاومة وأخذت نفس الدور الذي لعبته السلطة الفلسطينية في كبح العمليات ضد إسرائيل والتنسيق الأمني معها. وهذا ما دفع الحركة إلى توجيه وفد إلى القاهرة ومطالبة الجانب المصري بالتدخل للتوصل إلى تهدئة مع إسرائيل حسب يسخاروف.

أخيرا يمكن الإشارة إلى تصريح لـ "دان مريدور" وزير الاستخبارات الإسرائيلية والنائب الأول لرئيس الوزراء الاسرائيلي، قال فيه أنه لا حاجة حتى الآن للدخول في توغل بري إلى قطاع غزة، مؤكدًا أنه "لا مفر من الدفاع والهجوم في نفس الوقت" على حد وصفه. وأضاف "من الواضح أننا نفضل إجراء حملة بأقل ضرر لقواتنا، ولكن نحن على استعداد لجميع الاحتمالات، وفي الوقت الحاضر ليست هناك حاجة لعملية برية". وبدوره ردد مزاعم تقول بأنه وعلى الرغم من اغتيال أمين عام لجان المقاومة الشعبية زهير القيسي، إلا أنه لم يتم بعد إحباط العملية الضخمة التي خطط لها وعمل عليها جاهدا قبل اغتياله.

في كل الأحوال لا يبدو أن التصعيد الإسرائيلي الراهن يمكن أن ينتهي إلى ما انتهت إليه جولات التصعيد السابقة، طالما لم يجر إحباط العملية التي كانت سبب القيام بعملية اغتيال القيسي، وطالما إن السلطة لا تستجيب إلى شروط الحكومة الإسرائيلية التي تبغي منها الاستجابة والخضوع لمنطق شراكة تريدها من أجل التفاوض، واستمرار التنسيق الأمني والاقتصادي، وهذا هو لسان حال العديد من المصادر الحكومية والإعلامية التي تتفق جميعها على أن العملية الراهنة تريد أن تجبي أثمانا سياسية مزدوجة؛ من السلطة في رام الله عبر إفهامها أن الهجوم على غزة يتم على قاعدة أن لا شريك تفاوضيا لحكومة نتانياهو؛ ومن "سلطة حماس" في غزة، عبر تحويلها إلى سلطة أخرى في جنوب الوطن الفلسطيني دفاعا عن الأمن الإسرائيلي "المقدس" في نظر إسرائيل وكل من يشايعها ويشايع أهدافها في هذه المنطقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت