سقوط الأقنعة/عزام الحملاوى


بعد توقيع اتفاقية الدوحة والاتفاق على إنهاء الانقسام, شهدت وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة تراشقا إعلاميا بين حركتى فتح وحماس, وشهدت بلادنا نشاطاً محموماً قامت به بعض الشخصيات لتأزيم الحياة السياسية, والعمل على تكريس الانقسام, ودفن اتفاقية الدوحة, ومحاولة إنهاء شعار الوحدة الفلسطينية والاستقلال. واصبح من الواضح أن مشروع الانقسام استهدف إنهاء المشروع الوطني, ونسيان مشوار المقاومة الفلسطينية المعمد بدماء الشهداء, وكان يستهدف أيضا تنكرا سافرا للتاريخ الوطني الفلسطيني وقواه الوطنية. لذلك فأن محاولة إدامة الانقسام نقلت أصحاب هذه الأصوات من حالة الإصابة بعمى الألوان إلى السقوط في منطقة اللاوعي, وما يترتب على ذلك من نزوع إلى تغييب العقل, وتزييف الوعي بحقائق التاريخ، وصولاً إلى الإدمان على تعاطي الأوهام, وتكريس المفاهيم والمصالح التنظيمية الضيقة, وتناسى مصالح الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني والتمسك بالمصالح الشخصية.

إن هذا الانتحار السياسي والأخلاقي هو احد مشاريع هذه الزمرة التي لايهمها سوى مصالحها, ولا يربطها بهذا الوطن سوى المكاسب المادية التي تجنيها, وتعود جذور هذا الانتحار إلى ثقافة الإلغاء والإقصاء التي أوصلت أصحابها إلى مأزق حاد ,أنهى نظام ألقيم والأخلاق والمبادئ الذي يحكم الممارسة السياسية في سياقات فكرية وأخلاقية سفيهة حين يكون نظام القيم والأخلاق هشاً، ويتحول من خلاله أخوة الأمس إلى أعداء اليوم, ويتسابقون على اغتيال المبادئ والأخلاق وصولاً إلى العبث بالإنسان, والعدوان على التاريخ, والتفريط بالثوابت.

لذلك لا نعرف بالضبط متى وكيف سينتهي هذا الانقسام؟ لذا نتوجه بهذا السؤال إلى كل الفصائل التي تصف نفسها في أدبياتها بأنها الوريث الشرعي لنضال الحركة الوطنية الفلسطينية, وماهو موقفها من المشاريع الخارجية التي تعمل على استدامة الانقسام؟ ومن علاقة الواهمين الذين يعملون على عدم إنهاء الانقسام وصناعة الخرائط من خلال التعويل على دور القوى الأجنبي؟0لقد نسى هؤلاء أن خارطة فلسطين لم تصنعها القوى الأجنبية والإرادات الخارجية, بل جاءت ثمرة نضال طويل للشعب الفلسطيني وقواه الوطنية ضد الاحتلال من أجل الحرية والاستقلال ,واستعادة الوجه الشرعي للوطن الفلسطيني الواحد, لهذا صاغت الحركة الوطنية الفلسطينية ثقافة الوحدة في مواجهة ثقافة الفرقة, وكان الدفاع عن الهوية الفلسطينية محور كل المعارك التي خاضها شعبنا في مختلف الميادين السياسية والفكرية والثقافية لاستعادة الهوية0لقد نجح الفلسطينيون بفضل عدالة قضيتهم في إلحاق الهزيمة بكافة الشعارات المدمرة, والتغلب على كل الخلافات حتى لاتكون مدخلاً لشق الصف الفلسطيني .

ثمة تاريخ طويل ملئ بالمآثر الكفاحية التي أنجزها الفلسطينيون في الدفاع عن الوحدة الوطنية والهوية الفلسطينية, و كان هذا التاريخ من صنع الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، ولم يكن من صنع إرادات دولية واتفاقات وأجندات خارجية, أما الذين يراهنون على الأجندات الخارجية فإنهم يخطئوا حين يتوهموا بأن فلسطين تصلح لمثل هذه المشاريع الانقسامية, لأن خارطة فلسطين الموحدة صُنعت في فلسطين بإرادة الشعب الفلسطيني الحر, وصبر أسراه الأبطال ,وعُّمدت بدماء الشهداء الذين ضحوا في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة.

إن أبناء الشعب الفلسطيني حين يقرؤون ويسمعون كلاماً كهذا الذي نسمعه عن البعض في إعاقة إنهاء الانقسام, يدركوا مدى السقوط السياسي والأخلاقي لهذا النمط من السياسيين الفاشلين في مستنقع اللاوعي، وهروبهم المخزي من مواجهة الحقيقة، إذْ يصعب علينا التعاطي مع شعارات مهترئة, وأوهام مريضة بهدف إحياء مشاريع ميتة لا تاريخية, لقد تعلق الواهمون بمرض الأوهام الذي يهدر البعد التاريخي للزمن، بإصرارهم على العودة إلى كهوف السياسات القديمة المندثرة، والوهم بإمكانية أعادت الزمن إلى الخلف لشعارات ميتة وغيرها من المشاريع التي حاولت الاختباء خلف شعار الوحدة وحق تقرير المصير، ثم انتهت إلى مزبلة التاريخ. ألا فليصُم التاريخ بعاره الأبدي حملة هذه الأفكار الخاسئة ومروجيها وناشريها, ورحم الله الشهيد أبو عمار الذي وصف الوحدة الفلسطينية بأنها قدر ومصير شعبنا الفلسطيني0

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت