جليلة بين القرضاوي وعباس/د. فايز أبو شمالة

قدر الله للكاتبة التونسية "جليلة بكار" أن تختصر الخلاف الدائر بين منطق الشيخ القرضاوي الداعي إلى عدم زيارة القدس التي يغتصبها الصهاينة، ومنطق السيد عباس الذي يقول: زيارة السجين لا تعني الاعتراف بالسجان، لقد اختصرت الكاتبة "جليلة بكار" الجدل في جملة واحدة، سمعها الجميع على فضائية الجزيرة حين قالـت: لكنهم منعوني! وللعلم، فإن الذي منع "جليلة" من دخول مدينة رام الله لتسلم جائزة الشاعر محمود درويش، الذي منعها هم بنو إسرائيل، الذين يتحكمون في المعابر المفضية إلى رام الله وغيرها من المدن!.

فإذا كان الإسرائيليون يتحكمون في الداخل والخارج إلى مدينة "رام الله" المحتلة التي لم يضمها اليهود رسمياً إلى دولتهم، وما زالت عاصمة للسلطة التي يرئسها السيد عباس، ويقيم فيها مع قادة الأجهزة الأمنية، فكيف لو فكرت المرأة العربية "جليلة بكار" في زيارة "القدس" التي صارت عملياً عاصمة دولة "إسرائيل"؟ هل كانوا سيقبلون طلبها في زيارة القدس، كما طالب السيد عباس في المؤتمر الدولي لنصرة القدس؟

بعيداً عن التعصب لموقف الداعية القرضاوي أو التشيع لرأي السيد عباس، لا بد من الإشارة إلى أن الخلاف بين الرجلين له أعماقٌ وأبعادٌ.
أما الأعماق؛ فإنها ترجع إلى التاريخ الإيديولوجي، وموقف الإسلام من صراع الوجود الدائر مع اليهود، ومركز هزات الوجدان الإسلامي هي القدس، ولاسيما المسجد الأقصى، وهذا الموقف يتبناه الشيخ القرضاوي، في حين يرى السيد عباس أن الذي يجري هو نزاع سياسي بين جارين يختلفان على التقاسم الوظيفي فوق الأرض، وعلى الحدود، ونصيب كل طرف من أرض الضفة الغربية، لذلك نراه يعتب في كل خطاباته على الإسرائيليين الذين ينساقون خلف القيادة اليمينية المتطرفة.

أما الأبعاد فإنها تستمد أفقها من الأعماق، ففي حين يعبر الشيخ القرضاوي عن موقفه الإيديولوجي القائل: لا اعتراف، ولا مفاوضات، ولا حوار مع الغاصب الصهيوني للأرض الإسلامية المقدسة، مع وجوب مقاطعته، ومحاربته، ومواجهته في كل الميادين حتى تتم تصفيته نهائياً، واجتثاثه من الأرض المحتلة سنة 1967، والأرض المغتصبة سنة 1948.

يرى السيد عباس أن زيارة المسلمين للقدس لا تتعارض مع اعترافه بإسرائيل المغتصبة سنة 1948، ويرى أن القدس خاضعة للمفاوضات، مثلها مثل الأرض المحتلة سنة 1967، ولا يرى مانعاً أن يتوجه المسلمون إلى السفارات الإسرائيلية، وأن يقفوا طابوراً على بابها للحصول على تأشيره دخول إسرائيل، ومن ثم زيارة القدس، وهذه فلسفة السيد عباس السياسية القائمة على المفاوضات، ومن ثم المفاوضات، ثم المفاوضات.

لقد قذف السيد عباس في المؤتمر الدولي لنصرة القدس بجملة عبثية، فطاشت، قبل أن يحاول وزير أوقافه إرساء مراكبها، وقبل أن يسعى بعض كتابه إلى مد أشرعتها، وقبل أن يتفاخر فيها كل مناصريه في خط المفاوضات مع الصهاينة، دون أن يلتفتوا إلى مصر العربية، حين رفض "البابا شنودة الثالث" اتفاقية "كامب ديفيد" وأصدر فتوى حرّمت على أقباط مصر زيارة الكنائس، والمقدسات المسيحية طالما كانت القدس مغتصبة من اليهود.

ملاحظة: في الوقت الذي وثق فيه الصهاينة بكل من ياسر عبد ربه وسلام فياض، وسمحا لهما بالمشاركة في مؤتمر هرتسليا اليهودي، إلا أنهم لم يسمحوا لهما بزيارة القدس، ولم يسمحوا للسيد عباس نفسه بدخول القدس، فكيف يدعو الآخرين لزيارة مكان محرم عليه؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت