ولكن الناظر بإمعان شديد الى كل هؤلاء اللاعنون الغاضبون سيجدهم – في الغالب – لا يحسنون سوى فن اللعن والنقد وإصدار الأحكام القاسية وهم يعتقدون أنهم كلما كانت أحكامهم أقسى سيثيرون الانتباه لهم أكثر ولكن الصفة الجامعة لهم أنهم بلا مضمون حقيقي ولا رؤية توافقية تجمع بينهم ، ولا يكاد يوجد رابط مشترك في الأسباب التي دفعت كل طرف منهم للعن الفصائل ، فتجد من يلعن نتيجة الإحباط الشديد الذي أصابه من كثرة الفشل الذي تعانيه القضية الفلسطينية ، وهناك من يلعن بسبب منصب يطمع الوصول إليه خاصة وأننا نعيش موضة جديدة اسمها " المستقلين " فإذا أردت أن تثبت أنك مستقلا فيجب لعن الفصائل جميعا وانتقادها وإبراز سلبياتها ، وهناك من يلعن بسبب موقف شخصي عدائي من أحد الفصائل وهكذا تتنوع الأسباب ولكن لاشك هناك الحالمون في إجراء عملية تغيير واسعة في الفكر والسلوك بعيدة عن فكر الفصائل الضيق وهؤلاء يتميزون بالبعد عن أسلوب الشتم واللعن ولكنهم أقرب الى أسلوب النقد الموضوعي ويحاولون تقديم نموذج فكري خاص يعالج أسباب فشل الفصائل ويحاولون وضع البديل الموضوعي للحالة الفلسطينية .
والعجيب أننا لو قمنا بعملية إحصاء سريعة سنجد أن حجم كل هؤلاء الغاضبون على اختلاف مشاربهم وأسباب غضبهم يشكلون نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني ويتركز غالبيتهم من طبقة المفكرين والمثقفين ولو أنهم حاولوا بشكل جاد على تجاوز مشاكلهم الشخصية وعقدهم النفسية الخاصة لاستطاعوا تشكيل حالة ضاغطة قادرة على معالجة الوضع الفلسطيني ، وكان يمكن أن يكونوا ملجأ للكل الفلسطيني الحالم بوضع جديد مختلف عن الحال الذي نعيشه اليوم ، العجيب أن هناك قيادات حزبية كبيرة تطلب من الشارع الفلسطيني – الغزاوي تحديدا – أن يتحرك لتغيير واقعهم ولكن هذا الطلب لا يجد له آذانا صاغية بالرغم من حجم الغاضبين عن الوضع العام ، ولعل حجم المشاكل والأزمات اليومية الني يعاني منها الشارع الفلسطيني والفشل المتواصل في القدرة على إيجاد الحلول المناسبة لها قد تكون سببا لهذا التحرك الشعبي ومساندا لكل أولئك اللاعنون ولكن لا تجد فعلا جادا أو مسئولا على الأرض .
وهذا الحال يتطلب وقفة جدية أمام كل الغضبين ونقول لهم على رسلكم توقفوا عن غضبكم قليلا وفكروا في ذاتكم كثيرا وتذكروا أن فاقد الشيء لا يعطيه ، والشعب الفلسطيني لم يعد بحاجة إضافية الى لغة السب والشتم ولم يعد يكفيه تحميل المسئولية لهذا الطرف أو ذاك لأن الشعب الفلسطيني يريد من يأخذ بيده الى بر الأمان ، يريد من يقدم له البديل القادر على حل مشاكله المتراكمة والمتزايدة يوما بعد يوم ، لم يعد لعن الحال هو الحل ، ولم يعد تشخيص الواقع بشكل دقيق هو الحل ، ولم يعد التنظير لمستقبل أفضل هو الحل ، ولم تعد ثقافة الصبر بانتظار الأجر من الله هي الحل ، ولم يعد رفع الشعارات الكبيرة في التحرير وتحقيق الانتصارات الشكلية هي الحل ، اليوم الشعب الفلسطيني بحاجة الى مقومات صموده على الأرض ، بحاجة الى من يضع الخطط لمعالجة التحديات القائمة والقادر على تنفيذها وليس الوعود الكاذبة فقط .
وفي ذات الوقت لا يطلب أحد من الشعب الفلسطيني أن يثور أو يصنع انقلاب لأنه وبكل بساطة لا يملك ما يستحق فعل الانقلاب عليه فلا سلطة قائمة ولا دولة منتظرة ، والشعب لا يعرف ينقلب على من ولصالح من ؟ ، الشعب يريد من يأخذ بيده لمعالجة تحدياته وحل مشاكله ، الشعب يريد أن يسمح له " أصحاب القرار الحقيقي " بممارسة حقه الديمقراطي ، الشعب يريد قيادة قادرة على فرض القرار الذي يحقق أهدافه دون انتظار موافقة أحد ، الشعب يريد أن تتحول كل قضية من قضاياه الى حالة نضال متواصلة يلتف حولها الجميع ويكون هناك الإصرار على تحقيقها بكل السبل المتاحة .
أيها الغاضبون واللاعنون اهتموا بأنفسكم قليلا وانظروا تحت أقدامكم لتعرفوا أين تقفون ، وما هي حقيقة الأرضية التي تقفون عليها ، وتمثلوا قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت
