عندما لا تكون الكتابة وظيفة أو للتعبير عن رأي حزب أو جماعة ما ينتمي لها الكاتب أو بهدف الارتزاق بها من خلال نفاق هذا وتملق ذاك أو يحرص عليها لأنه يطرب عندما يرى اسمه في المواقع الالكترونية ولكن يكتب لأنه منتمي إلى أمة ووطن ويشعر بعبء المسئولية التي تقع على عاتقه بحكم أنه مكلف ومسئول أمام الله تعالى، وبحكم علمه وثقافته وخبرته وتجربته تكون صعبة، ويجد الكاتب أوقات نفسه عاجز عن كتابة شيء يشعر أنه مفيد أو يُعتبر متميز. وبمعنى آخر قد تكون هناك أمور يجب التنبيه لها والكتابة عنها ولكن التوقيت غير مناسب لأن المعنيين ليسوا على استعداد لسماع النصيحة لأسباب كثيرة خاصة بخلل لديهم في شخصياتهم ولقلة علم وثقافة ووعي وخبرة وتجربة، والأسوأ من ذلك ضعف الإخلاص والصدق للقضية التي نصبوا أنفسهم على الناس والعباد مدافعين عنها دون أن يختاروهم أو يكونوا أهلاً لذلك، وإلا كانوا استفادوا من كل الآراء والخبرات وخاصة التي يعلمون مدى حرصها على مصلحة الأمة والوطن وأنها تمتلك من العلم والثقافة والخبرة والتجربة ما يفتقدونه!.
وقفات مع خطاب المقاومة الإعلامي
هذا العالم الأعمى الأصم لم يرى ولم يسمع أن العدو الصهيوني العام الماضي قتل في غزة 114 شهيد بينهم 15 طفلاً وسيدتين، وجرح 467 بينهم 120 طفلاً و25 سيدة، ودمر 152 منزلاً سكنياً بينها 10 منازل دمرت كلياً، كما دمر 31 محلاً تجارياً و23 منشأة صناعية و73 منشأة عامة، إضافة لتعرض 23 مركبة لأضرار. كما استهدف الصيادين الفلسطينيين في عرض البحر 69 مرة وأصاب 6 صيادين بجروح واستولى على 7 قوارب صيد فلسطينية، كما تعمد تخريب شباك ومعدات الصيد في 7 حوادث على الأقل. وقد بلغت مساحة الأراضي الزراعية المجرفة 8410 متراً مربعاً، واقتطع نسبة 35% من إجمالي الأراضي المزروعة في قطاع غزة، وحوالي 17% من إجمالي المساحة الكلية لقطاع غزة التي يبلغ 360كم2 التي يعيش عليها مليوني نسمة وحولها لمناطق عازلة! كل ذلك في قطاع غزة المحاصر والمشلول اقتصادياً الذي يعاني أهله ظروف معيشية صعبة، وصلت فيه البطالة إلى حوالي 76% وارتفعت نسبة الفقراء إلى أكثر من 80%! تخيلوا كيف هي حياة الناس هناك؟ لم يرى ولم يسمع عن معاناة أهل غزة من انقطاع الكهرباء والبنزين وغاز الطبخ، ولا رأى ولا سمع أن العدو الصهيوني قتل هذه المرة 27 شهيداً بينهم 3 أطفال و4 مسنين وفتاة، وأصيب أكثر من 100 بينهم 30 طفلاً و15 امرأة و5 مسنين في ظلمة ظلام غزة الدامس، زاعماً أن الشهيد زهير القيسي كان يُعِد هو وإخوته لتنفيذ عملية في الأراضي المحتلة عام 1948 (إسرائيل)!.
كما أن هذا العالم المنافق الكذاب لم يرى ولم يسمع ليكتشف كذب مبررات العدو الصهيوني في كل مرة يهاجم فيها غزة أن: ضباط أمنيون في لقاء خاص مع موقع المجد الأمني يرون أن حادثة الاغتيال الأخيرة للشهيد/زهير القيسي واحدة من العمليات المقررة في بنك الأهداف الأمني المعد- مسبقاً- من قبل أجهزة استخبارات العدو، والذي يتم استخدامه وفق حسابات وتقديرات سياسية وأمنية لتمثل الفرصة المناسبة لتنفيذ الاغتيال، وبالطبع فإن التبريرات جاهزة للقتل، من جهتهم يرى سياسيون أن (إسرائيل) تريد حرب على غزة ولكنها الآن مؤجلة بسبب حسابات داخلية وإقليمية ودولية وان عمليات التصعيد تهدف بالدرجة الأولى الاستكشاف والاختبار.
ويؤكد صحة ما ذكره موقع المجد ما ذكره الكاتب والمحلل السياسي صالح النعامي أنه خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست قبل ثلاثة شهور كشف ممثلو جيش العدو الصهيوني في إفاداتهم أمام أعضاء اللجنة أن منفذي عملية "إيلات" التي وقعت في 1/8/2011 جميعاً من المواطنين المصريين، وأنه لا يربط قطاع غزة بهذه العملية أي رابط. وتكمن أهمية هذه المعلومات في أنها تُكذب تبرير العدو الصهيوني لعملية اغتيال الشهيد كمال النيرب الأمين العام السابق للجان المقاومة الشعبية وعدداً من قادة اللجان، بزعم أنهم كانوا وراء تخطيط وتنفيذ عملية "إيلات".
إن هذا العالم المتواطئ مع العدو الصهيوني لم يسمع أو يرى ولا يقل تواطئاً عنه أولئك المحللين والكتاب الذين لم يعيروا هذه المعلومات أي اهتمام وهم يحللون أسباب العدوان ويستخلصون النتائج المضخمة؛ فهم على كثرة ما كتبوه من مقالات إنشائية مكررة لم أقرأ لأحد منهم أن ذكر أن من ضمن أهداف العدوان الصهيوني الأخير تجربة أسلحة جديدة تحتوي على مواد سامة! وصمت آذانه وآذانهم عم ما قاله الناطق باسم لجنة الإسعاف والطوارئ في غزة أدهم أبو سلمية في لقاء مع الصحافيين 14/3/2012: إن جميع المواطنين الفلسطينيين الذين استشهدوا خلال التصعيد (الإسرائيلي) الأخير وصلوا عبارة عن أشلاء وأجساد محروقة متفحمة وأحشاء متفجرة وأطراف مبتورة. وأضاف: "وجدنا أن قطر مساحة القتل المباشرة 6 أمتار ولاحظنا خروج رائحة حرق غريبة من أجساد بعض الشهداء لأول مرة يشتمها الأطباء ونخشى أن الاحتلال يستخدم أسلحة سامة جداً تقوم بحرق الأنسجة الموجودة داخل الجسد". وطالب أبو سلمية بضرورة إجراء تحقيق في نوعية الصواريخ التي تستخدمها (إسرائيل)!.
ولكنهم جميعاً رأوا وسمعوا ما قاله أبو أحمد أحد قادة حركة الجهاد في مقابلة نادرة أجرتها معه وكالة رويتر للأنباء بتاريخ: 3/11/2011 عن راجمة الصواريخ على سيارة الدفع الرباعي وأنها سيغير المعادلة في المواجهة مع العدو الصهيوني، عندما اغتال العدو الصهيوني أمين عام لجان المقاومة الشعبية كمال النيرب وقتل 12 قائداً من قيادات اللجان الشعبية والجهاد الإسلامي، كما سمعوا منه أن: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقدم لنا الدعم ونحن نفخر بذلك". و"لقد فاجأت سرايا القدس (إسرائيل) وأجبرتها على إعادة التفكير في حساباتها، أنا لا أعتقد بأنهم كانوا يعلمون بوجود مثل هذا السلاح (قاذفات الصواريخ المحمولة على شاحنات)." وكشف عن عدد عناصر سرايا الجهاد (جيش): إن شبانا كثيرين يطلبون الانضمام إليها ... لدينا ما لا يقل عن ثمانية ألاف مقاتل مجهزين عسكرياً بشكل كامل". وقد وزعت الحركة شريط فيديو لصواريخ الجهاد التي أمطرت بها الراجمة المحملة على سيارة ذات دفع رباعي على وكالات الأنباء تقريباً!
كما أنهم ورأوا المسيرة، مهرجان الانتصار العظيم الذي دعت إليه حركة الجهاد الإسلامي، وسمعوا تصريحات نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي مفاخراً بأنهم فرضوا شروطهم على العدو الصهيوني وأجبروه على توقيع اتفاق شامل بواسطة مصرية مع العدو الصهيوني! كما سمعوا ما قاله المتحدث باسم الحركة داود شهاب في غزة: بأن التهدئة هذه المرة تختلف عن سابقاتها فهي على قاعدة "إن عدتم عدنا "! وسمعوا ما قاله هذه المرة أبو إبراهيم أحد كبار قادة الجناح العسكري للجهاد الإسلامي في مقابلة مع وكالة فرانس برس بتاريخ 16/3/2012: حيث كشف عن نوعية الصواريخ الجديدة وهذه المرة نوعية الصواريخ تصل إلى أسدود! ورداً على سؤال عن الرد الصهيوني المحتمل في حال إطلاق صواريخ على مدنه، قال "في حال تطور العدوان ممكن أن تُستخدم صواريخ تصل المدن ما بعد بعد أسدود"!.
لقد سمع العالم ورأى قوتنا وبأسنا وما نشكله من خطورة على وجود كيان العدو الصهيوني ونحن نوزع التصريحات مجاناً لهذا وذاك، مقرونة بأشرطة فيديو راجمات الصواريخ لمركبة على سيارات حديثة ذات الدفع الرباعي وهي تُطلق صواريخها التي تغطي السماء نحو جنوب فلسطين المحتلة عام 1948، وأشرطة فيديو أخرى لمليون من أطفال ونساء وشيوخ العدو وهم يختبئون في الملاجئ المجاري وقنوات الصرف الصحي من شدة الهلع والخوف من صواريخنا. لأن الذي ينشر ذلك هو وكالات الأنباء الغربية الموالية لليهود التي صوتها ومصداقيتها أعلى أكثر، وهي لا تقدمنا للمشاهدين كشعب محتل يقاوم من أجل الحرية، ولا تلك التصريحات على أنها اجتهاد في فن إعلام المقاومة والحرب النفسية ضد العدو، ولكنهم يستغلون كل ما يصدر عنا ليصورنا للعالم أننا نحن المعتدين وأننا (إرهابيين) خاصة بعد أن حصلنا على دولة في غزة! وذلك ما يشجعه الآن على التهيئة لضربة جديدة لغزة أو موجة اغتيالات جديدة وهو مطمئن إلى أن العالم يصدق مزاعمه ويكذب مزاعمنا، فها هو ونحن منتشين ومنشغلين قادة وكتاب باحتفالات انتصارنا وإذعان العدو الصهيوني لشروطنا هو منشغل في استغلال تلك النشوة بالانتصار وتصريحاتنا وأشرطة الفيديو في الدعاية عالمياً بأنه يوجد في غزة خبراء إيرانيين يدربون المقاومة على صواريخ لاستهداف المدن في العمق الصهيوني!.
وإذا ما توجهنا لإخواننا في فصائل المقاومة وقلنا لهم: أن التصريحات والبيانات التي تكررونها على مدار الساعة وقت العدوان وفي غير وقته التي تُعظمون فيها من قوتكم العسكرية وأنكم تهددون وجود الكيان الصهيوني تقدمون بها أعظم خدمة مجانية على صفحات وكالات الأنباء العالمية وفضائيات الغرب المؤيدة للعدو الصهيوني وهم يبالغون في تعظيمها أكثر لتشويه صورتنا كشعب محتل يناضل لأجل حريته، علماً أن الغرب منذ فترة أصبح على قناعة أننا (إرهابيين) ولسنا مقاومين، وأننا لا نستحق دولة وإن كنا نستحقها فهي موجودة في غزة!. كما أنكم في الوقت نفسه تُضعفون من تعاطف عمقنا العربي والإسلامي معنا وتقللوا من شعورهم بالمسئولية بما عليهم من دور وواجب في معركة هي في الأصل معركتهم ويتواكلون على قوتنا التي مهما بلغت لن تقضي على العدو الصهيوني أو تقتلعه من الوجود لأن "فلسطين قضية الأمة المركزية" ونحن طليعة الأمة ورأس حربة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت