طيب الله ثراك صديقنا الراحل معين بسيسو ... صرختك تلاشت في غياهب أنفس ارتضت الانزواء والارتكان إلى مشيئة الأقدار وإرادتها ... لم يعد لها ذاك الصدى في أيّ روح او مدىً !
أتأمل ما نحن فيه " الآن وهنا " ... أسترجع خطابنا التاريخي وأرقب حجم التضحيات التي قدمها هذا الشعب البائس وأتساءل: ترى لو كان في مكاننا شعب آخر، ألم يكن هذا الشعب -المفترض- سيقدم نفس التضحيات ولربما استطاع تحقيق حلمه في زمنٍ أقصر؟!
ما نحن فيه يدفعني للاستنتاج أن هذه الفرضية كان ستتحقق !
لماذا نهرب إلى التاريخ دائماً ؟! نبرر عجزنا و تراجعنا بمواويل التاريخ!
التاريخ مهم ... ولا حاضر أو مستقبل لأمة بدون التاريخ ... بل ان من لا يقرأ تاريخ الثلاثة آلاف سنة الأخيرة من عمر البشرية سيبقى في العتمة –كما يقول الفيلسوف غوته-.
ولكن أن نقرأ التاريخ لنستمد منه طاقة الفعل شيء، وأن نبقى قابعين متفرجين في ردهاته دون أن تحركنا هموم الحاضر أو أعباء المستقبل شيء آخر ... هذا يحولنا حتماً إلى تماثيل اوقطع أثرية صامتة لا فعل لها !
لماذا يصمت الناس إذن أمام هذا الواقع المؤلم/ الانقسام ، الذي يتهدد تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم؟!
لماذا هذه السلبية المفرطة بعد أن صارت تداعيات هذا الإنقسام تطال أصغر شريان في أجسادنا المنهكة ؟
فلا حرية و عمل ولا أية خدمات أساسية تضمن للمواطن الفلسطيني حياة كريمة ... وتدريجياً نتحول إلى شعب متسول يتحكم في اعناقه امراء الحرب و سماسرة السلام !
وهل حقاً يمكن أن نصدق أن هذا الشعب الذي علم الكثيرين سبل المقاومة والصمود – وعذراً لهذه النرجسية- أن يصمت بل يخنع أمام ما يجري من قادته وفصائله ، يمينها ووسطها ويسارها ؟!
ألا يدرك هذا الشعب أن التاريخ نفسه تعاد صياغته في أزمان التردي ، وربما لا نجد غداً تاريخياً نتغنى به أيضاً ؟
في زمن الصمت العربي والتآمر الكوني ، انتفض هذا الشعب من عزلته ، كسر أطواقها وصاغ رؤية جديدة فريدة أكدت أن الشعوب لا تقهر مهما بلغت عظمة وقوة وغطرسة المعتدي ... مقاومة مسلحة ابثقت من رحم الهزيمة في مطلع السبعينات ... مقاومة شعبية وانتفاضتان وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحي والمعتقلين على مدار العقدين الأخيرين حتى اعندنا الموت الذي لا يستطيع احد اعتياده!
واحتاجت الشعوب الأخرى إلى سنوات لتتشرب التجربة وتستوعبها و سنوات اخرى لسريان عدوى الثورة في عروقها ، لتنطلق أخيراً ولتحطم قماقمها فيما عرف بالربيع العربي ، فسقطت أنظمة واهتزت عروش و هوت ممالك واستسلم فراعنة ظنوا بأنهم قد صاروا آلهة !
فأي منطق في أن يقبل الشعب الفلسطيني هذا أن تقام على جسده المنهك عروشاً للطغاة وأن يستسلم لحكم طغاة / فراعنة صغار استمرأوا الصمت المخيّم ، فتفرعنوا ، وعلى الطريقة الفلسطينية الخاصة جداً جداً !
" الصمت موت ! "
ترى لو كان معين بيننا " الآن وهنا " ، ورأى ما نرى من قادة هذا الشعب من سلوك سياسي، ماذا سيقول ؟ وماذا سيكتب ؟!
ولو عاد القادة العظام الذين رحلوا عنا و راوا حالنا هذا، ماذا سيقولون أيضاً ؟
ولو قدّر وعاد الشهداء-ولابد انهم سيعودون يوما- ، ورأوا حلمهم الكبير وقد تقزم إلى كانتونين صغيرين هزيلين منفصلين ، يمثلان حالة فريدة للتسول الجماعي ، فأي صرخة الم و احتجاج ستطلقها حناجرهم ؟!
لم يعد هذا الانفسام بين فتح وحماس فقط كما يردد الساسة كل لحظة على شاشات الفضائيات ... فهذا تسخيف خطير لقضية مصيرية ... إنه إنقسام في أرواحنا ... في أجسادنا ... في ثقافتنا ... في ذاكرتنا الجمعية ... في تاريخنا ...في احلامنا ورؤانا... في أكلنا وشربنا ... في ضحكاتنا القليلة وفي حزننا الخرافيّ ...في نكاتنا الدامية وكابتنا الاسطورية... في أسرنا الصغيرة والكبيرة ... في توقيتنا ... في زماننا ومكاننا ..
سرطان الانقسام هذا لا يمكن توصيفه بهذا التبسيط الزائد ... لا يمكن إيجازه في ثورة رائعة كانت تسمى " فتح" وحركة مقاومة فريدة كانت تدعى " حماس" !
ولا أستثني في هذا السياق اليسار الفلسطيني بمختلف ممثليه ، من هم على يمينه أو في وسطه أو من هم على يساره او يسار يساره ! فانقسامهم التاريخي لا يقل خطورة عن إنقسام حركتين براجماتيتين تتطلب -موضوعيا- حضور البديل ...
يتحمل اليسار هذا مسئولية كبرى لسلبيته وعقمه أمام الفرص التاريخية التي سنحت له .ولعجزه أمام الواقع الحالي ولضياع هويته الفكرية و السلوكية، ويكفي الإشارة هنا إلى التعليق الساخر الذي يردده طرفا الإنقسام في دوائر خاصة في توصيفهم لليسار: " صليب أحمر !!!"
لم يعد ما يجري في " امبراطورتيّ " غزة والضفة يطاق ...ولم يعد مقبولا ان تؤسر القضية الوطنية برمتها على هذا النحو المدمر...ان هذا الغشاء الكثيف من الصمت والسكون لا يعكس أبداً حقيقة ما يجري من تفاعلات في أعماق المجتمع الفلسطيني ...فالسطح الرائق للبحر يخفي دوما تحته عالما مثيرا من الحياة..من الغموض
و ينذر دوما بالعاصفة القادمة!
حان الوقت لأن تصرخ أم أسير مكلومة في وجه الانقسام : كفى !
حان الوقت لأن يقلب إبن شهيد الطاولة في وجه الانقسام ويصرخ : لقد قرفنا !
حان الوقت لميلاد قادة حقيقيين يعيدون ترتيب الأوراق من جديد !
حان الوقت لإعلان الربيع الفلسطيني الجديد وإعلان ثورة حقيقية في وجه كل من يتآمر ويدمر و يتمادى وينادي : نعم للانقسام !!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت