انتابني شعور مرير بالأسى.. يا إلهي خمس سنوات مضت من عُمر هذه المهزلة المستديمة دون الوصول إلى بر الأمان الذي ينشده شعبنا المغلوب على أمره, أمان الوحدة الوطنية والشراكة السياسية والشرعية الشعبية ووحدة التمثيل, بل خرجت أصوات ناعقة تنادي بإدارة الانقسام بين الدولتين العظميين في غزة ورام الله وذهب البعض أبعد من ذلك مطالباً باتحاد فيدرالي وأخر كنفدرالي ...وغيرها من سيناريوهات المشهد الفلسطيني المراهق والعبثي، خمس سنوات من عمر الملهاة و نقف على أبواب السنة السادسة ومن يدري قد نصل إلى تمام العقد على طريق العبث في المسيرة الوطنية ومشروعنا الوطني دون رادع ديني أو وازع أخلاقي أو وطني حتى وصل الأمر بعجوز العدو الماكر شمعون بيرس للتصريح بأن الحال الفلسطيني اليوم فرصة حالمة لطالما تمنوها منذ قيام دولتهم المشؤومة .
ألهذا ضحى الشهداء وعوائلهم بأرواحهم؟!. ألهذا قضى الألاف من خيرة شبابنا وأبنائنا زهرات شبابهم وعطائهم في غياهب زنازين العدو و بستيلاته ؟!.. ألهذا جاد أهلنا بأطرافهم وأجسادهم حتى تشكل لدينا جيش من الجرحى والمعاقين؟!.. ألهذا.. عاش ولا يزال اللاجئون والمبعدون في منافيهم القريبة منها و البعيدة..؟!
ترى من يتحمل وزر هذه المرحلة القبيحة من عمر مسيرتنا ؟ فتح أم حماس ..أم الفصائل.. أم الشعب أم اسرائيل ..أم العرب ...أم الخارج..أم..... ؟؟
والجواب.. الذي طالما كنت مقتنعاً به وأذوذ عنه في كل المحافل المحلية والخارجية التي أشارك فيها وأخرها اللقاء أعلاه أن الانقسام صناعة فلسطينية بامتياز وعلاجه فلسطيني بامتياز, لاشك أن هنالك الاحتلال وعوامل اقليمية ودولية مؤثرة, ولكن الحقيقة التي لا مناص منها أن نسبة المسؤولية الوطنية تفوق ال 80% والباقي تتقاسمه المؤثرات الأخرى.. وأعزز ذلك بقوله تعالى: "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
شرد بي الذهن وخيم على الأسى في وصف حالنا فلم أملك إلا ذرف دمعة على وطن و حلم يضيع بين أيدينا... ، و كأني بشعبنا و فصائله يعيشون حياة أخر ملوك بني أمية في أندلسنا المغدورة ....
بالمقابل... وعلى هامش هذه اللقاءات تابعت الإعلام المصري خلال إقامتي على مختلف مشاربه وألوانه من أقصى اليمين إلى اليسار بالإضافة إلى مقابلات غنية وثرية مع عدد من الساسة وأصحاب الرأي والفكر بهدف استطلاع ودراسة تجربة التحول السياسي والديمقراطي في مصر ومآلاتها ومستقبلها, فماذا وجدت؟
وجدت تركة ثقيلة خلفها نظام الرئيس المخلوع - كما يطلق عليه الأشقاء المصريون- أفسدت الحياة السياسية في مصر وأختزلت ثلاثة عقود من حكمه لشعب وبلد عظيم كمصر في حكم أسرة وحاشية غاب فيها الحكم الرشيد وتحولت مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث إلى تبع للحاكم وعناوين لنفاقه على حساب الشعب والوطن فضلاً عن تقهقر دور مصر العربي والاقليمي والدولي الرائد والقائد تاريخيا, إلى جانب تبديد مقدرات البلاد وثرواتها وفي مقدمتها بيع الغاز بأسعار شبه مجانية للعدو الاسرائيلي فيما المواطن المصري البسيط يعاني من فاتورة معيشته اليومية.
كانت تجربة الثورة الشعبية البيضاء على نظام مبارك نموذجاً فريداً في التغيير الشعبي على أنظمة الاستبداد والقهر والاستعباد والغاء للجمهوريات الملكية الشمولية التي ابتدعتها الدكتاتوريات العربية كنماذج حكم جديدة في الفقه السياسي العالمي ليحدث التغيير المنشود في مصر المركزية في المنطقة والقدوة والقائدة للعالم العربي وفي العالم الاسلامي, فماذا عن مسيرة هذا التحول؟ وأين وصل؟ وما نصيبه من النجاح والفشل؟
يحاول المرجفون وأشباه الساسة تقزيم ما حدث وافراغه من روحه ومحتواه ويتباكون على استقرار عهد المخلوع وغيره من حكاوي لا نصيب لها من الموضوعية العلمية التحليلية وتنبعث منها رائحة موتورة من أناس لا حظ لهم من الهدى وحليفهم الظلال.
مصر الجديدة تتجه اليوم لترتيب بيتها الداخلي بغض النظر عن الصخب السياسي والاعلامي المرافق ، فبدأت من نقطة استرداد ارادة شعبها المسلوبة لعقود طويلة باقرار الشرعية الشعبية كأساس للحكم وادارة البلاد فنظمت انتخابات نيابية شاملة لبرلمانها بغرفتيه الشعب والشورى وتم انتخاب برلمان جديد ليصبح مصدر حقيقي للشرعية التمثيلية الحقيقية بدلاً من البرلمانات الديكورية والانتخابات الهزلية ،ورغم الضجيج حول اكتساح الحركة الاسلامية بجناحيها الاخوان والسلفيين لمقاعد المجلسين بيد أن الجميع سلم بقواعد اللعبة الديمقراطية باستثناء شرذمة من الناعقين الذين يطمحون لتفصيل الوطن بمقاسهم الشاذ وهم لا يزنون في ميزان الانتخابات سوى شخوصهم أو دون.
بعد حسم الشرعية الانتخابية والتمثيلية جاءت الخطوة الثانية المهمة مرحلة اعداد دستور جديد ، دستور يحمي الشرعية الشعبية ويحمي الثورة وأهدافها ويضمن خلق نظام سياسي ديمقراطي جديد بديلا عن الدستور السابق الذي يقيد حق كل مواطن في الترشح والانتخاب ويجعل حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية علي مقاس شخص واحد يراد له أن يكون الرئيس أو ابن الرئيس علي نمط النموذج السوري القبيح الذي يستعد لذات المصير الحتمي. وفعلا قرر البرلمان المصري في الأيام الخالية تشكيل جمعية تأسيسية يناط بها وضع الدستور مؤلفة من مائة عضو مناصفة بين النواب وبين المجتمع المدني بأحزابه وجمعياته ونقاباته ومكوناته المختلفة في سلوك ديمقراطي حضاري لمصر التباهي به بين العالمين وبالتالي سيكون هذا الدستور العتيد العقد الاجتماعي للحكم بين المصريين كل المصريين.
أما الخطوة الثالثة لاستكمال شرعية الحكم فهي الانتخابات المزمعة في شهر مايو أيار القادم لانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة ائتلافية في عرس ديمقراطي جديد يجسده ترشيح المئات من المصريين أنفسهم لمنصب الرئيس بدءاً من رموز سياسية وانتهاءَ بالبسطاء من فلاحين وسائقي سيارات الأجرة بشكل يعكس تعطش الشارع المصري لديمقراطية حقيقية وتكافؤ الفرص بين ابناء الشعب حتي لا يصبح الحكم والسلطة وممارستهما حكرا علي حزب معين او شخص معين او عائلة معينة علي نمط الملكيات وعائلاتها التي تخالف فطرة الحرية والسيادة التي فطر الله الناس عليها .
وتستعد مصر الجديدة لخطوات تالية في مقدمتها استقلال القضاء وسيادة السلطة القضائية وضمان حرية العمل النقابي وانتخاب ممثليه وصيانة مقدرات مصر وما حباها الله من ثروات وكنوز في باطن الأرض وفوقها.
والأهم من ذلك كله عبق الحرية الذي يفوح في كل ارجاء مصر , روح الوحدة الوطنية التي جسدتها جنازة البابا شنودة الثالث رأس الأقباط في مصر قبل ايام قلائل , ممارسة الشراكة السياسية بين المصريين من أجل مصر ووحدتها ومستقبلها والتي عبر عنها بوضوح قادة حزبي الحرية والعدالة الاخواني والنور السلفي ذوي الأغليبة النيابية بأن مصر بحاجة الي جميع أبنائها مسلمين ومسيحيين ، اسلاميين و وطنيين ويساريين, مصر اليوم تمر في مخاض وارهاصات كل الدلائل تشير الي تجاوزها مرحلتها الانتقالية بعافية واقتدار لترسم فجر مصر الجميل الزاهر لشعبها ولأمتها , فلا أملك أمام كل هذا النضج والوعي سلوكا وممارسة إلا أن ارفع القبعة لمصر وأهلها مؤديا لهم التحية .
و تتدافع بداخلي التساؤلات ... تري هل حركتهم الوطنية غير حركتنا الوطنية ؟! هل اخوانهم غير اخواننا ؟! هل سلفييهم غير سلفيينا ؟! هل يسارهم غير يسارنا ؟! هل أناسهم غير أناسنا؟ , وهل ؟ وهل...؟!
أعود وأقـول: لمصر تحيـة .......... ولفلسطين دمعـة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت