التناقض بين الشعار والممارسة
وذلك نتيجة لأن كثيرين من الجيل الجديد لا يعلمون من أين جاء شعار أن "فلسطين القضية المركزية للأمة" الذي رفعه الجيل المؤسس وما هي خلفياته وحقيقته؟ ما أدى إلى قصور في إدراكهم لأبعاد الصراع وطبيعة المعركة التي تدور على أرض فلسطين لأنهم لو أدركوا ذلك لأدركوا حدود ودور المقاومة في فلسطين! أما مَنْ تبقَ من الجيل المؤسس والجيل الأول الذي تلقى قدراً من المعرفة والوعي التنظيري بالشعار وليس الوعي الحقيقي الذي يعني (الثقافة) التي هي الممارسة وترجمة الشعار واقعاً عملياً على الأرض، فإنهم أبقوا على ذلك الشعار والخطاب السياسي التنظيري وبحثوا عن المكاسب الشخصية والحزبية والدنيوية! لأنه لو كان كلا الجيلين مدرك حقاً أن فلسطين ليست مستهدفة لذاتها ولكن لمكانتها الدينية والروحية للأمم الثلاثة، ولموقعها الجغرافي والاستراتيجي لمن يريد الهيمنة على الأمة -والعالم كله- والقضاء على مقومات وجودها، بمعنى أنه وقع الاختيار على فلسطين لتحقيق هدف أبعد منها وهو الهيمنة على الأمة التي تمثل فلسطين قلبها ومركزها، كانوا سيدركون أن للقضية الفلسطينية خصوصية مختلفة عن كل قضايا التحرر في العالم، ولثورتها أيضاً خصوصية مختلفة عن كل ثورات العالم، لأن القضية الفلسطينية في حقيقتها هي قضية الأمة كلها، وأن الثورة الفلسطينية مهما عظمت قوتها ومهما أتاها من دعم من الخارج لن تحرر فلسطين وتقضي على الوجود اليهودي فيها وحدها، لأن معركة التحرير هي معركة الأمة ودور أهل فلسطين فيها أنهم طليعة الأمة ورأس حربتها والطائفة الظاهرة على عدوها مهما أصاب الأمة من وهن وهزائم، ظاهرة بالثبات على الجهاد ومقارعة العدو وإبقاء شعلة الثورة والجهاد متقدة لا تنطفئ لتحافظ على الحد الأدنى من تماسك الأمة وعدم انهيارها الانهيار الكامل وعدم تمكن العدو اليهودي-الغربي من فرض هيمنته النهائية عليها، لو كانوا مدركين ذلك حقاً وحاضر في أذهانهم وخططهم لتجلى ذلك في ذكاء القائد والطليعي الفلسطيني في اختيار الأسلوب الأمثل وتوقيته بحيث يلعب الدور الأكبر في تحريك الأمة نحو الهدف المطلوب منها!.
وحتى لا يظن البعض –والظن أكذب الحديث- أننا أصبحنا من دعاة الثورة الشعبية السلمية بدون عنف التي انتهى لها بعض زعماء المقاومة في فلسطين وذلك يؤكد ما ذكرته سابقاً أنهم لم يعوا من معنى "فلسطين القضية المركزية للأمة" إلا وعي تنظيري فقط! نؤكد موقفنا الواضح من مشروع المقاومة في فلسطين وكل بقاع وطننا الكبير والثابت ثبات رؤيتنا، وسبق أن نصحنا به فصائل المقاومة مباشرة أيضاً:
نحن مع مشروع المقاومة في ضوء الفهم لخصوصية فلسطين وطبيعة وأبعاد الصراع وشموليته الذي جعل من قلب الأمة والوطن (فلسطيننا) مركز الهجمة والمشروع اليهودي-الغربي ضد الأمة والوطن، تلك الخصوصية التي تجعل من المقاومة في فلسطين طليعة ورأس حربة للأمة ضد عدوها المركزي (اليهود)، وأن دورها يجب أن ينصب ويتركز على إبقاء شعلة وجذوة المقاومة مشتعلة في قلب الأمة والوطن لإفشال كل مشاريع التسوية، ولإبقاء الروح والحياة في الأمة مستمرة ويحرك فيها عوامل النهضة والوحدة من خلال توحد موقفها خلف المقاومة في فلسطين، واجتماع كلمتها حول دعم ثبات وصمود طليعتها وأهل الرباط والجهاد إلى يوم القيامة في فلسطين وبلاد الشام عامة، إلى أن تتهيأ الأسباب والعوامل الإلهية التي تساعدها للقيام بدورها الرئيس في معركة التحرير واقتلاع ذلك الجسم الغريب (الإسفين) الذي زرعه الغرب التوراتي-النصراني في فلسطيننا مستهدفاً تقسيم الأمة ومنعها من تحقيق وحدتها ونهضتها واستعادة دورها الحضاري بين الأمم. نحن مع مشروع المقاومة الذي يهدف لتوحيد صف الأُمة خلفه واستنهاض هِمم أبنائها لبعث مشروعها الحضاري من جديد الذي يكون جزء من إعادة بناء الذات وإعادة اللحمة لنسيجنا الاجتماعي والسياسي ...إلخ. نحن مع مشروع المقاومة الذي يدرك أن البندقية هي أحد أساليب المقاومة التي قد تتقدم في مرحلة وقد تتأخر في أُخرى بحسب المصلحة العامة لمشروع الأمة العام والشامل. نحن مع مشروع المقاومة الذي يجمع بين المقاومة المسلحة وعملية البناء الداخلي والحفاظ على قيم وعوامل الصمود والنصر في المجتمع الفلسطيني والأمة من خلفه. نحن مع مشروع المقاومة الذي يكون على رأس أولوياته في هذه المرحلة إفشال المشروع اليهودي لتكريس واقع تشظي الوطن وتعميق الكراهية بين أبنائه، وتصفية المقاومة وشطب القضية المركزية للأُمة من قاموس حركات التحرر في العالم بعد أحداث غزة في حزيران/يونيو 2007. نحن مع مشروع المقاومة الذي يسعى إلى إصلاح ذات البين بكافة السُبل ويدرك أولويات احتياجات أهلنا المحاصرين في غزة ويخفف عنهم الحصار ويساعدهم على مزيد من الصمود والثبات على خيار المقاومة، لا ليحولهم لمتسولين ينتظرون إحسان المحسنين من مسلمين وغير مسلمين، واستغلال معاناتهم في التسول باسمهم ليزيد أرصدة قادته أي مشروع يسمسر بمعاناة الجماهير ولا يدافع عنهم وعن قضية الأمة!.
وفي الوقت نفسه نحن لسنا مع مشروع المقاومة الفاشل الباحث عن السلطة والكرسي والمنصب بزعم أنه يريد الجمع بين المقاومة والسلطة ولم يتعظ من تجربة منظمة التحرير وفتح وفشلها في ذلك، وها هو انتهى إلى أن أصبح موقف السلطة متقدماً عن موقفه كثيراً لأنه غرق في نعيم الدنيا وملذاتها وترك شعبه يعيش ويلات الأزمات التي لا نهاية لها ويصنعها اهتمام قادته بمكاسبهم الشخصية على حساب مكاسب عفواً نكبات الأمة والوطن، فقد بلغ عدد المليونيرات في خمس سنوات من حكمه أكثر من ستمائة مليونير في الوقت الذي زادت فيه نسبة الفقر وسط الجماهير عن 80% والبطالة عن 76% ناهيك عن الجرائم من كل نوع والعقد النفسية والأزمات الاجتماعية، ولا ننسى أنه أصبح لدى شعبنا حكومتين عفواً أصبحنا شعبين بحكومتين، شعب غزة وحكومته حماس وشعب الضفة الغربية وحكومته سلطة رام الله، ورحم الله بقية الشعوب الفلسطينية (اللاجئين) في الشتات التي تحلم بالتحرير والعودة. ولسنا مع مشروع المقاومة الذي يسعى بكل ما أُوتي من قوة لتكريس الانقسام وتصفية القضية والانفصال بغزة عن بقية الوطن ليحقق بذلك مخطط شارون من وراء فك ارتباطه من طرف واحد مع غزة عام 2005، وذهابه إلى نيويورك بعده بشهرين ليعلن في ذكرى تأسيس الأمم المتحدة الستين على مسامع مئات الملايين في العالم أجمع: أنه تنازل عن جزء عزيز من أرض (إسرائيل) لجيرانه الفلسطينيين ليقيموا عليها دولة لهم ويعيش الشعبان بسلام! لقد أراد أن يجعل غزة مقبرة الحلم الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية في حدودها الدنيا (الضفة الغربية وقطاع غزة)! ودعاة الجمع بين السلطة والمقاومة في غزة يُصرون على إعفاء الاحتلال من مسئولياته عن غزة كمحتل وإلقاء المسئولية كلها على الشقيقة مصر ويقطعوا كل أمل في عودة الوحدة لأبناء الوطن!.
وأيضاُ لسنا مع مشروع المقاومة الذي يختزل قضية الأمة ومشروع مقاومتها في صاروخ أو بندقية فقط لن تحرر فلسطين بدون جهد ومشاركة الأمة، ويكشف أوراقه ويُعظم من قوته ويُعطي للعدو فرصة تشويه ثورتنا وحقوقنا الوطنية ويصورنا على أننا مجموعة من (الإرهابيين)، وفي الوقت نفسه هو شاهد الزور على الواقع الفلسطيني ولا يقل فساداً ورجعية عن سابقيه، ويتحمل المسئولية الأكبر عن ما آل إليه مشروع المقاومة في الأمة وفلسطين خاصة، وما يحدث من تكريس للانقسام وتمزيق لوحدة الوطن وتفتيت لنسيجه الاجتماعي وتفكيك للحمته وتدمير لعوامل الصمود والثبات فيه، لأنه أيضاً شغلته دنياه ونعيمه ومكاسب قادته الشخصية ويسيرون على نهج مَنْ سبقهم صاروخ وتهليل انتصرنا ...! ما لهذا قدمت الجماهير الفلسطينية والأمة من ورائها التضحيات في دعم مشروع المقاومة في فلسطين، ولا قدم الشهداء أرواحهم رخيصة ولا تقبل الأسرى معاناة أسرهم راضين ولا صبر الجرحى على جراحاتهم وإعاقاتهم محتسبين، ما لهذا ضحينا وقدمنا ولكن ما كان؛ كان لأجل أن نكرس شعار "فلسطين القضية المركزية للأمة" واقعاً في حياة الأمة ونهجاً لنهضتها ووحدتها والقيام بواجبها في معركة التحرير!.
تلك هي الرؤية التي يجب أن تحكم حركة ودور المقاومة في فلسطين وألا تساوم عليها مهما كان الثمن، وتلك هي طبيعة الصراع وأبعاده التي غابت عن المقاومة أو تراجعت في خضم الصراع على الكرسي والمكاسب الحزبية والشخصية ...!.
التاريخ: 25/3/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت