معاناة المرأة مستمرة

بقلم: مصطفى إبراهيم


ما يميز معاناة المرأة الفلسطينية عن غيرها من النساء العربيات ومعاناتهن، أنها تخوض نضالها المتواصل على اكثر من جبهة للحصول على حقوقها الطبيعية والقانونية والمدنية التي ما تزال محرومة منها.

وهي تعيش واقعاً معقداً ومركباً في صمودها ونضالها للتحرر الوطني والسياسي والاجتماعي، فهي ما تزال ترزح تحت احتلال عنصري وقاس، ومستمرة في النضال ضد الاحتلال، وسياساته القمعية للتحرر من نيره وصولاً للاستقلال والحرية، وإقامة الدولة المستقلة.

وكثير من النساء الفلسطينيات قتلن او جرحن أو فقدن ابنائهن أو تم هدم بيتهن او اعتقالهن وعدد منهن ما زلن في الاعتقال والعزل وتعرضن للتعذيب القاسي والمعاملة اللاانسانية القاسية والحاطة بالكرامة، اثناء الاعتقال والتحقيق وتفتيشهن جسديا وإرغامهن على خلع ملابسهن وتجريدهن من ملابسهن، ومنهن من ولدن داخل السجن.

وخير دليل على ذلك الاضراب الاسطوري عن الطعام الذي تخوضه الأسيرة المناضلة هناء شلبي من خلف قضبان السجن الاسرائيلي في سبيل تحقيق مطلبها بالإفراج عنها وتحدي المحتل.

تجربة شلبي في اضرابها المفتوح عن الطعام للدفاع عن كرامتها وحريتها وحرية شعبها في النضال للتحرر والانعتاق من الاحتلال تثبت لنا أن الدور النضالي للمرأة الفلسطينية يسير في موازاة النضال الذي يقوم به الرجل الفلسطيني اذا لم يكن متقدما عليه في احيان كثيرة.

فالمرأة الفلسطينية تعيش الظلم والمعاناة في كل لحظة وهي لا تنال الحرية الكافية للتعبير عن معاناتها، وهي تخضع مثلها مثل الرجل لمنظومة القهر الذي يتجلى في القهر السلطوي الفلسطيني و قهر الاحتلال وغطرسته ومحاولاته شطب الهوية الفلسطينية.

إلا ان الرجال تتوفر لهم الفرص بقدر مختلف من الحرية وقدرتهم على حرية التعبير المستمدة من الشرعية الممنوحة لهم من المجتمع باعتبارهم رجالاً، وهم يمارسون الهيمنة على المرأة مكفولة بقوانين النظام الابوي المتوارث.

ومع ذلك استطاع كثير من النساء فرض ذواتهن بعدما اكتشفن وعيهن وأصبحن طليعة باقي النساء في المجتمع ويدافعن عن حقوقهن وأنهن لن يستطعن الاستمرار في النضال وهن في عزلة عن باقي فئات المجتمع، وتحملن عبء كونهن في طليعة النضال على المستوى الاخلاقي والاجتماعي والوطني والسياسي.

وتناضل المرأة الفلسطينية على المستوى الفلسطيني الداخلي من أجل بناء مجتمع ديمقراطي يكفل لها حقوقها بدأ من القضاء على كل أشكال التمييز ضدها وتحقيق العدالة والمساواة، والقضاء على ظاهرة العنف ضدها على أساس جنسها، وتناضل من أجل انهاء الانقسام الفلسطيني الذي قسم الشعب الفلسطيني وألحق ضرراً كبيراً بالقضية الفلسطينية ومزق النسيج المجتمعي، وهي تدفع الثمن كل يوم جراء الانقسام.

ومع ذلك يتم اشغالها بقضايا فرعية متأصلة في المجتمع تحد من قدرتها على التفرغ للنضال من أجل القضايا الاساسية وأن تكون النصف الاخر للرجل، مثل القتل على خلفية ما يسمى “شرف العائلة” تدعمها العادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمع، وغيرها من القضايا الكثيرة والشائكة المتعلقة بها كإمراة لها حقوقها التي هي حقوق انسان.

وخاضت المرأة الفلسطينية وما تزال نضالاً كبيراً من أجل انهاء الانقسام، وكانت لها تجربة متقدمة في التظاهرات التضامنية مع الثورات العربية أو تلك التي خرجت العام الماضي في الضفة الغربية وقطاع غزة للمطالبة بإنهاء الانقسام، وتعرضت للإهانة والضرب والتحرش والاعتقال والاستدعاء والتحريض ضدها واتهامها بشرفها وعرضها ومُنع بعضهن من السفر على خلفية مشاركتها في النضال من أجل انهاء الانقسام.

ومع ذلك، غُيبت المرأة الفلسطينية عن لجان المصالحة المنبثقة عن اتفاق المصالحة في القاهرة العام الماضي، باستثناء ثلاث تمثلن في تلك اللجان، وتم استبعادها وتهميشها من المشاركة في اعادة بناء النسيج المجتمعي وتحقيق السلم الاهلي، فالظلم الواقع على المرأة الفلسطينية كبير ومضاعف، وهناك خصائص مشتركة للظلم والمعاناة التي تعيشها المرأة الفلسطينية والعربية على حد سواء.

معاناة المرأة العربية والمرأة الفلسطينية ربما تكون واحدة في جانب لكنها ليست واحدة فالمرأة العربية تناضل من أجل المساواة وعدم التمييز، ونضالها مكرس لتحقيق ذاتها والدفاع عن هويتها وحقوقها، وشاركت وتشارك في النضال من أجل ترسيخ مبادئ الديمقراطية والعدالة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وهي تدافع عن حقوقها وعن الأمراض المزمنة في المجتمع في ظل غياب العدالة والمساواة والتمييز الصارخ والعنف والاعتداءات الجنسية والتحرش الجنسي والقتل على خلفية ما يسمى “شرف العائلة” والجهل والفقر والبطالة والامية، والطعن في كرامتها وشرفها.

فالمرأة العربية خاضت وما تزال نضالاً شرساً على المستوى الاخلاقي والاجتماعي والسياسي قبل وأثناء الثورات العربية للتخلص من الانظمة الاستبدادية والرجعية، وكانت وما تزال رائدة التجربة التي خاضتها النساء في تلك الدول، وكانت الى جانب الرجل وتفوقت عليه في أحيان كثيرة من خلال التحريض والكتابة واستغلال الفضاء الالكتروني والمشاركة في التظاهرات التي سبقت اندلاع الثورات العربية على رغم كل القيود والملاحقة والمعوقات التي وضعت في طريقها.

وتمت مطاردتها ومشاغلتها لابعادها عن المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات والدفاع عن قضاياها وقضايا المجتمع، واتهامها بشرفها وأخلاقها، وتعرضت النساء للتشويه والضرب والسحل والاعتداءات الجنسية والتحرش، وكشفت فضيحة كشف العذرية التي تعرض له بعض النساء في مصر فداحة الظلم والقهر الذي تتعرض له المرأة، وتصويرها من الجماعات الاسلامية كجسد وليس كانسان لإبعادهن عن المساهمة في اعادة بناء مجتمعاتهن.

ومع ذلك، لم تستطع المرأة العربية حتى الان أن تحقق ما يتعلق بها وبحقوقها من المساواة، وتشعر النساء بأنهن مبعدات عن بناء دولهن، في دول الربيع العربي وأنه تم استبعادهن من المشاركة قي صوغ دستور البلاد، ولم يسجلن نجاحات تذكر في الانتخابات التشريعية وغيبن عن المشاركة الحقيقية في الحياة السياسية كممثلات للشعب.

وغيبت النساء من المشاركة بشكل حقيقي في الحكومات الانتقالية وكانت مشاركتها خجولة لا ترقى الى دورها الحقيقي كانسان نالت قسطاً من الضرب والاهانة والعنف خلال مشاركتها في التظاهر ضد الاستبداد والظلم، فكانت مكافئتها بالتغييب والتهميش .

فالمرأة العربية لم تبلغ المساواة المطلوبة والحقيقية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعة، ولم تحصل على حقوقها الاجتماعية والوظيفية، فالديمقراطية التي ثار من أجلها الشبان والشابات العربيات واعتقدوا أنها لن تفرق بين امرأة ورجل والمساواة بين جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات امام القانون لم تتحقق بعد.

لمناسبة اليوم العالمي للمرأة المعاناة مستمرة ونضالها ودعوات المساواة والاحترام والعدالة الاجتماعية مستمرة، فكم ثورة ستحتاج المراة كي تحقق المساواة والعدالة الاجتماعية، والتخلص من الادعاء الجديد القديم بأن طهارة وشرف المرأة وجسدها هو المؤشر الحقيقي على عافية وصحة وسلامة الامة من النواحي الاخلاقية والاجتماعية والسياسية؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت