التباعد الفلسطيني بين مخططات الانقسام و"مخطط برافر"

بقلم: ماجد الشيخ


لا تكاد الاتهامات المتبادلة بين مسؤولين في حركتي "فتح" و"حماس" تتوقف، حتى تعود من جديد، لترمي بالمسؤولية عن عرقلة تنفيذ "اتفاق المصالحة" على هذا الطرف أو ذاك، في الوقت الذي لا يتخذ أي من الجانبين خطوات ملموسة لوضع حد فعلي للانقسام. بل إن هناك ما يمكن تسميته بـ "الانقسام المضاف"، خصوصا مع تبلور المزيد من حالة انقسام داخلي في "حماس" على خلفية توقيع "اتفاق الدوحة"، ما يضع طرفي الانقسام في وضع من لا يحرص على مصالحة تتحقق، في ظل تباعد قسري سياسي وجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، في ذات الوقت الذي يسعى الاحتلال لقطع التواصل الجغرافي والديموغرافي، عبر ما يسمى "قانون مخطط برافر" القاضي بتقطيع أوصال الأرض، وخلق المزيد من النكبات الصغيرة لما تبقى من فلسطينيي النقب، حيث يتضح من خلال الإطلاع على هذا المخطط أن إسرائيل تسعى إلى تركيز عرب النقب في منطقة محددة (شرقي شارع رقم 40)، وذلك لمنع أي إمكانية تواصل جغرافي وديموغرافي فلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد تبين بموجب إحدى الوثائق التي كشف عنها "موقع ويكيليكس" أنه سيتم اقتلاع 65 ألف مواطن بدوي من أراضيهم، الأمر الذي يعني هدم جميع القرى غير المعترف بها، وليس 30 ألفا كما تدعي سلطات الاحتلال.

في ظل هذه المعطيات، يظهر استطلاع للرأي أن شعبية السلطة الفلسطينية التي "تحكم" الضفة الغربية وحركة "حماس" التي "تحكم" قطاع غزة، قد تراجعت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة. وأشار استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الفترة من 15 إلى 17 آذار/مارس الجاري، إلى أن "الربع الأول من عام 2012 يحمل أخباراً سيئة لحكومتي رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ورئيس وزراء الحكومة المقالة إسماعيل هنية، ولحركتي فتح وحماس وللرئيس الفلسطيني محمود عباس". وأظهر الاستطلاع تراجع شعبية حكومة هنية إلى 36 % مقارنة بالوضع قبل ثلاثة أشهر، حيث بلغت نسبة التأييد 40 %، فيما تراجعت شعبية حكومة فياض إلى 34 % مقارنة بالوضع قبل ثلاثة أشهر، حيث بلغت النسبة 44%.

يأتي هذا الاستطلاع في وقت ذهبت حركة فتح إلى حد اتهام حركة "حماس" بالحصول على دعم مالي ايراني، مقابل عدم تنفيذ اتفاق المصالحة الذي يقضي بتشكيل حكومة انتقالية برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للاعداد لانتخابات رئاسية وتشريعة في الضفة الغربية وقطاع غزة. حين قال "احمد عساف" المتحدث باسم حركة فتح، ان طهران استأنفت في الاونة الاخيرة الدعم المالي لحماس الذي كانت اوقفته قبل ستة اشهر، بسبب عدم تأييد الحركة للرئيس السوري بشار الاسد في مواجهة ثورة شعبه. وذلك في رد مباشر على تصريحات للزهار قال فيها ان المصالحة الان مجمدة. واضاف عساف "المصالحة في الثلاجة لأن الذي ادخلها الثلاجة هو قيادة حماس في غزة وعلى رأسهم الزهار وهنية وقبضا الثمن من ايران." هذا في حين رفضت "حماس" اتهامات حركة "فتح"، وقال طاهر النونو المتحدث باسم حكومة حماس في قطاع غزة أن "فتح وحكومتها لم تنفذ أيا من التزاماتها وتفضل المال الامريكي على حساب الاتفاقات الوطنية."

ولم يكتف عساف بهذا، بل ذهب أبعد؛ حين قال ان الهدف من زيارة مسؤولي حماس في غزة لايران؛ إرسال رسالتين هامتين الأولى لمشعل ومفادها انهم هم من يحكم غزة، والثانية لايران وتفيد بأنهم جاهزون للتنسيق المباشر معها. وقال: "ايران معنية باستمرار الانقسام... ايران تسعى للتحكم بالقضية الفلسطينية من خلال دورها بغزة، ومن خلال استمرار الانقسام، وهي تدرك ان تحقيق المصالحة ووجود قيادة شرعية مثل منظمة التحرير أو أي قيادة وطنية منتخبة سينهي دورها، لأن قيادة شرعية وطنية لن تسمح لايران بالتحكم بالقضية الفلسطينية."
وفي معطى جديد ذا مغزى، قال المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في استعراضه نتائج استطلاع أخير أجراه، أنه لو جرت انتخابات برلمانية جديدة بموافقة جميع القوى السياسية، فإن 71% سيشاركون فيها، حيث تحصل "قائمة التغيير والإصلاح" التابعة لـ "حماس" على 27% من أصوات المشاركين، و"فتح" على 42%، وتحصل كافة القوائم الأخرى مجتمعة على 10%، في حين تقول نسبة 20% أنها لم تقرر لمن ستصوت بعد. وقال" نسبة التصويت لحماس في هذا الاستطلاع في قطاع غزة تبلغ 27% فقط، مما يعكس تراجعاً ملموساً يبلغ ثماني درجات مئوية مقارنة بالوضع قبل ثلاثة أشهر.

ويمكن الاستدلال على التراجع في شعبية "حماس" في قطاع غزة، من واقع موقفها خلال جولة التصعيد الأخيرة التي أعقبت اغتيال الأمين العام للجان المقاومة الشعبية، في الأيام السابقة لإجراء الاستطلاع. أما في الضفة الغربية فتبلغ نسبة التصويت لـ "حماس" اليوم 27% مقارنة بـ 25% قبل ثلاثة أشهر. أما نسبة التصويت لحركة "فتح" في هذا الاستطلاع في قطاع غزة فتبلغ 46% وفي الضفة الغربية 40%. وتعكس هذه النتائج هبوطا في شعبية حركة "فتح" في الضفة الغربية بمقدار أربع درجات مئوية، وذلك ناتج الحديث عن إمكانية فرض ضرائب جديدة وتقليص للنفقات".

عموما ما تعكسه كل هذه الوقائع والمعطيات من معان سياسية، لا يتخارج عن كونه النتيجة المباشرة لواقع إنقسامي بات متجذرا، وحده الاحتلال هو المستفيد منه، وما يراكمه من مخططات ومشاريع تهويدية متواصلة ليس في القدس وحدها، بل وفي النقب وحيفا وعكا وكل المناطق المختلطة أو التي يتركز الوجود الفلسطيني فيها، وبالإضافة إلى كل هذا، فإن استكمال مخططات قطع التواصل الجغرافي والديموغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، عبر ما يجري اليوم في النقب، مؤشر آخر إلى جانب مؤشرات أخرى على نيات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وإصرارها على نفي الحق الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية، ولو على جزء صغير من الوطن التاريخي الذي يتآكل اليوم بجهد أو جهود بعض أبنائه للأسف، عبر استمرار الانقسام، والإصرار على إبقاء غزة خارج نطاق الشرعية الراهنة للحركة الوطنية الفلسطينية، التي تتطلب اليوم وأكثر من أي وقت مضى، استعادة وحدتها الوطنية لا الفصائلية أو الفئوية، للمضي بالمسيرة الكفاحية نحو أهداف تنتظم وفق عقد وطني للتحرر، عماد الوصول إليها: إستراتيجية كفاحية، لا يمكن بلورتها إلاّ عبر وضع وطني فلسطيني موحد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت