رسالة مفتوحة إلى السيد الرئيس محمود عباس..

بقلم: إبراهيم أبراش

سيادة الرئيس أبو مازن حفظه الله
أتوجه لسيادتكم بخطابي هذا مباشرة وكلي أمل أن تتقبلوه بعقل وروح الأب والأخ الكبير كما تعودنا من سيادتكم .نخاطبكم بكل تقدير واحترام لأننا أولا نكن لسيادتكم شخصيا ولصراحتكم كل تقدير واحترام،وثانيا لأن المواقع التي تحتلونها على رأس النظام السياسي الفلسطيني:رئيس منظمة التحرير الفلسطينية،رئيس دولة فلسطين،رئيس حركة فتح،رئيس السلطة الفلسطينية،إن هذه المسؤوليات تجعل منكم الأمل والملاذ للخروج من حالة التيه السياسي والحالة المأساوية التي تصيب كل مناحي حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وآخر حلقات هذا التردي مؤشرات فتنة واقتتال داخلي في قطاع غزة.

إن كنا نناشد سيادتكم بسرعة التدخل لوأد بذور فتنة واقتتال داخلي في قطاع غزة ،إلا أن خطر هذه الفتنة ليس جوهر الموضوع وموئل الخلل.إنه،بالإضافة إلى الانقسام وفشل خياري التسوية والمقاومة،نتاج أو تداعيات لخلل استراتيجي في بنية ووظيفة النظام السياسي الفلسطيني،خلل في إدارة الصراع مع إسرائيل من جانب وإدارته داخليا مع القوى السياسية الفلسطينية من جانب آخر.

سيادة الرئيس
قد تبدو بعض أزمات الحالة الفلسطينية أو النظام السياسي من مسؤولية أطراف أخرى غير سيادتكم،إن إسرائيل بعدائها السافر لحقوقنا الوطنية،وعملها على تدمير مشروعنا الوطني سواء كمشروع سلام أو مشروع مقاومة،أو مسؤولية تيار من حركة حماس يراهن على مشروع (إسلامي) متعارض مع المشروع الوطني ويريد الذهاب بقطاع غزة بعيدا عن الكل الوطني،ويمكن تحميل المسؤولية لفصائل فلسطينية استمرأت (نضال) المنطقة الرمادية،وقد يتم تحميل المسؤولية لمستشاريكم والمحيطين بكم ولأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح.

سيادة الرئيس
لا شك أن هذه الأطراف تتحمل مسئولية عما يجري،ولكن مسؤوليتكم أكبر وأعظم وإلا ما معنى القيادة والزعامة إن تساوت مسؤوليتكم مع مسؤولية الآخرين؟ ولماذا انتخبكم الشعب دون غيركم؟.الشعب راهن عليكم بأن تكونوا القائد والرئيس الذي يُخرج النظام السياسي من أزمته ويضعه على طريق الخلاص من الاحتلال ومن أوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية المزرية.

إن دور القيادة والزعامة لا يظهر ويبرز في حالات الارتخاء السياسي أو النضال السياسي المريح في المؤتمرات الدولية والجولات الخارجية والخطابات التلفزيونية الخ ،بل في حالات الأزمات والخطوب الكبرى، فهي المحك العملي لاختبار القائد والمسئول. إن يكن القائد قائدا معناه تحمل المسؤولية في أصعب اللحظات، وهو الذي يفتح باب الأمل أمام الشعب وليس إلقاء المسؤولية على الآخرين،أو الاستسلام للقدرية السياسية أو إقالة الذات من المسؤولية دون تقديم الاستقالة.

سيادة الرئيس
لقد علمتنا الحياة كما تعلمنا من أمهات الكتب ومن تاريخ الشعوب أن القائد الحقيقي هو الذي يأخذ بعين الاعتبار كل الاحتمالات بحيث يحسب حساب النصر كما حساب الهزيمة،ويضع خططا لكل احتمال.وأذكر أنني قرأت أن سيادتكم قلتم قُبَيل وبعد التوقيع على اتفاقية أوسلو إن هذه الاتفاقية قد تؤدي لدولة فلسطينية أو تؤدي لمصيبة،ولا أعرف يقينا إن كان هذا القول صدر من سيادتكم بهذه الصيغة، أم هناك تحريفا،لأن القائد لا يرهن مصير شعب بمغامرة قد تؤدي لمصيبة ،بل يجرب نهجا، إن نجح كان بها، وإن فشل يكون لديه خيارات إستراتيجية أخرى.وفي الحالة الفلسطينية فإن فشل نهج أوسلو وخيار حل الدولتين يجب ألا يؤدي لمصيبة،وفشله لا يعني نهاية الكون لأن قضيتنا الوطنية مرتبطة بحقوق وطنية تاريخية و بالشعب صاحب الحق وهو حق لشعب من أعرق شعوب المنطقة، فعمره أكثر من أربعة آلاف سنة وموجود قبل أن توجد دولة إسرائيل،بل قبل أن توجد الديانة اليهودية،وبالتالي هو حق لا يُستمد أو يُرهن باتفاقات مبنية على وعود وضمانات من الخصم أو حتى دولية.

نعم سيدي الرئيس،يبدو أن خيار حل الدولتين بالصيغة التي تمت المراهنة عليها والتي تقول بدولة فلسطينية في الضفة وغزة وصل لطريق مسدود،ولكن متى كانت الضفة وغزة تشكل دولة مستقلة؟ وكيف نُرهن مصير شعبنا باتفاقات وتسويات سياسية تعتمد على المفاوضات وإرادة الخصم وحسن نيته؟ إن فشل تسوية أوسلو لا يعني شيئا كثيرا،ويجب ألا نصاب باليأس والإحباط،إن فشل اتفاقية أوسلو سيعيد الأمور إلى حقيقتها ،شعب خاضع للاحتلال في مواجهة دولة الاحتلال .

سيادة الرئيس
عندما انطلقتم ورفاقكم في حركة فتح مستنهضين همة الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية، متمردين على حالة اليأس والإحباط والسلبية المفروضة على شعبنا،لم تكن غزة والضفة أراضي محتلة ،ولم يكن هناك ما يُسمى بالتسوية السلمية وخيار حل الدولتين،وبالرغم من شروع حركة فتح وكل الشعب الفلسطيني في الكفاح المسلح في كل ربوع فلسطين وحتى خارج فلسطين ، فإنه استطاع كسب احترام العالم وفرض القضية دوليا من خلال الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.إذن التسوية والمفاوضات أداة من أدوات حل الصراع كما هو الحال بالمقاومة ،وفشل ممارسة هذه الأدوات يجب ألا يؤثر على جوهر وأصل القضية ،قضية شعب قوامه أكثر من أحد عشر مليونا نصفه متجذر بأرضه ولا يتزحزح عن حقه ونصفه الآخر في الشتات متمسك بهويته وبحقوقه.

سيادة الرئيس
إن المفاوضات وتسوية أوسلو وخطة خارطة الطريق مجرد مشاريع تسوية للصراع وفشلها لا يغير من الحقيقة شيئا والحقيقة تقول بأن هناك شعب خاضع للاحتلال في مواجهة دولة الاحتلال ،وان غالبية دول العالم تعترف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال فيما إسرائيل تخسر سياسيا وأخلاقيا،والأهم من ذلك أن الشعب الفلسطيني لم يتخل عن حقوقه ولم يستسلم لإرادة إسرائيل بالرغم من حالة التيه الراهنة وحالة السكون التي تبدو على السطح،فسكون الشعب الفلسطيني سكون مخادع لأنه قد ينفجر بأي لحظة ،ولا ندري بوجه من سينفجر أو شكل الانفجار ومداه.

شعبنا،سيادة الرئيس،لا يراهن على الأحزاب التي لا تمثل إلا نفسها ،ولا يراهن على الأشقاء والأخوة العرب والمسلمين لأن هؤلاء لن يكونوا أكثر فلسطينية من الفلسطينيين وهم منشغلون بهمومهم الداخلية،شعبنا يراهن على سيادتكم لأنكم تمثلون الشعب ،كل الشعب في الداخل والشتات،الشعب يراهن على حكمة وعقلانية سيادتكم لإخراجه من أزمته وخصوصا أن لقاءاتكم الأخيرة مع السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس جسرت الهوة بينكم وبشرت بالتوصل لمخارج إستراتيجية للأزمة قبل أن تنتكس الأمور مع أزمة كهرباء غزة .

سيادة الرئيس
نعلم كم هي ثقيلة المسؤولية الملقاة على عاتقكم كما نعلم زهدكم بالسلطة ،ولكن هذا قدركم وخياركم وعليكم مواصلة تحمل المسؤولية للنهاية حتى لا يُحسب عليكم أن فترة حكمك كانت الأسوأ في التاريخ الفلسطيني،والنهاية التي نقصد ليس تحرير فلسطين أو قيام الدولة الآن ،فهذه الأمور تحتاج لنضال على كافة الجبهات بل لحروب وندرك كم بذلتم من جهود لجعل هذه الأهداف في حكم الممكن،ولكن ما يأمل الشعب ألا نورث الأجيال القادمة الفراغ والتيه السياسي والانقسام،ما يأمله الشعب من سيادتكم إعادة بناء وتفعيل المشروع الوطني الفلسطيني كمشروع تحرر وطني يستوعب الكل الفلسطيني بعيدا عن حسابات السلطة والحكومة والتمويل الخارجي والأجندة الخارجية.

نعم ندرك تعقد الأمور والتداخلات الخارجية والتحديات الداخلية،ولكن القيادة إبداع،إبداع حلول لأوضاع صعبة وغير مسبوقة،وحكمتكم والتفاف شعبكم حولكم واحترام دول العالم لسيادتكم تجعلكم الأكثر قدرة على وضع الشعب الفلسطيني على طريق الخلاص ،وبداية الخلاص يكون ببذل جهودكم المخلصة للحيلولة دون وقوع الفتنة والاقتتال في قطاع غزة حيث الوضع محتقن والنفوس مستثارة والإشاعات تنتشر والتحريض يتصاعد من كل الأطراف بدون ضوابط.إن أي اقتتال في غزة لن تنج من تداعياته الضفة.إنه اقتتال مرفوض أي كانت الأطراف المحركة له وحتى إن كان تحت مسمى إعادة الشرعية لغزة أو أي مسمى آخر.إن إسرائيل ستغذي هذه الفتنة لأنها بذلك ستحول الصراع من صراع الكل الفلسطيني ضد إسرائيل إلى صراع فلسطيني فلسطيني حول من يحكم غزة؟.

سيادة الرئيس
في إطار المراجعة الإستراتيجية الضرورية لإعادة بناء وتفعيل المشروع الوطني،وفي إطار الخطوات التي تفكرون بها لتصحيح قواعد اللعبة أو التعامل مع إسرائيل ردا على نكوصها عن عملية السلام، ومن منطلق أن عملية التسوية رزمة واحدة ولا يجوز لإسرائيل أن تأخذ منها ما يحقق مصالحها وتتهرب من تنفيذ ما فيه مصلحتنا ،نتمنى على سيادتكم أن يتم النظر في الأمور التالية:-

1- الاستمرار في جهودكم لإنجاح المصالحة الإستراتيجية وعدم التوقف عن المحاولة مهما كانت المعيقات والممانعات من أي طرف كان،فبدون إعادة بناء المشروع الوطني الوحدوي الذي يستوعب الجميع لن تنجح إستراتيجية سلام ولا إستراتيجية مقاومة ولا أية جهود أو مبادرات دولية إلا إن كانت مبنية على واقع الانقسام ،بل لا ضمانة لاستمرار حتى السلطتين والحكومتين في الضفة والقطاع.

2- إعادة النظر في وثيقة الاعتراف المتبادل الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل لأن هذه الوثيقة جزء من عملية التسوية،فحيث أن إسرائيل تراجعت عن عملية التسوية فيجب سحب الاعتراف بها.

3- إعادة النظر في التنسيق الأمني لأنه جزء من عملية التسوية وتهرب إسرائيل من التسوية يسقط مبرر استمرار التنسيق الأمني،وإلا سيتحول لتنسيق يخدم السياسة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية.

4- قبل التفكير بحل السلطة يجب تهيئة الإطار الوطني الوحدوي الذي سيملأ فراغ حلها،وإلا ستملأ إسرائيل هذا الفراغ مع جيوب تهيمن عليها جماعات مسلحة أو (روابط قرى) توجهها إسرائيل.ولأكن صريحا مع سيادتكم آملا سعة صدركم، فإن ما نخشاه أن قرارا من سيادتكم بحل السلطة في ظل الواقع الفلسطيني الراهن قد لا يجد له طريقا للتنفيذ لأن أطرافا فلسطينية مدعومة من إسرائيل ومن جهات خارجية ستحافظ على وجود السلطة بمعزل عن أي مرجعية شرعية فلسطينية.

5- إعادة النظر في طلب عضوية دولة فلسطين المقدم للأمم المتحدة.فما دام حل الدولتين وصل لطريق مسدود بسبب سياسة الأمر الواقع التي تفرضها إسرائيل ،وهو ما صرح به أكثر من مسئول أممي ودولي حتى أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ،فلماذا إلزام شعبنا والأجيال القادمة بمشروع دولة لم تعد قابلة للتحقيق؟ كما أنه مشروع يتضمن تنازلات لم تقابلها إسرائيل بتنازلات مقابلة.إن قرار عضوية دولة فلسطين – دولة الضفة وغزة - يعتبر تنازلا مجانيا يجب التراجع عنه وترك الصراع مفتوحا بين شعبنا والأجيال القادمة التي قد تتاح لها متغيرات إقليمية ودولية لتحقيق ما لم يستطع جيلنا تحقيقه.

6- عدم رهن استنهاض منظمة التحرير بالمصالحة الإستراتيجية،فماذا لو رفضت حركة حماس وحركة الجهاد دخول منظمة التحرير؟ وماذا لو انهارت السلطة الوطنية أو تم حلها وهي السلطة التي تصرف على المنظمة وتقوم بغالبية أدوارها؟.هل ستبقى منظمة التحرير على حالها من ضعف وتهلل بل ودمار لكل مؤسساتها؟.إن استنهاض وتفعيل منظمة التحرير هو ضمان مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني،بل إن استنهاضها على أسس وطنية تحررية سينزع كل الذرائع التي تقول بها حركة حماس للتهرب من المصالحة الإستراتيجية.

وتقبلوا سيادة الرئيس خالص التقدير والاحترام
‏26‏/03‏/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت