قمة بغداد .. ما بين الحبال والأوتاد

بقلم: شفيق التلولي

بعد اثني وعشرون عاما تعود القمة العربية بعدما حلقت في فضاءات العواصم العربية لتحط من جديد في مهدها يغداد عاصمة العراق .. عراق الحضارة والأبجدية بغداد عاصمة الرشيد والتى لطالما جاست أقدام الجيش الأميركي الغازي دياره شرقا وغربا وشمالا وجنوبا حتى جالت كل أنحاء العراق من كل صوب وحدب وذاقت من دروب المقاومة العراقية الباسلة ما أوجع مراقدهم ومهاجعهم وعلى الرغم من التحالفات التى تشكلت فيما بين قوى التآمر والإنبطاح والإحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين ومع اختلاف الطوائف والمذاهب والملل والمشارب والأعراق والأطياف وما احدثته الحرب الضروس هناك وما خلفته من دمار وخراب وتشرذم وانقسام واستقطاب حادين واقتتال تعمد غالبا بدماء العراقيين وأتى على الأخضر واليابس ونهب خيرات ومقدرات هذا البلد النفطي الذي كان يعج بالثروات والخيرات وما يجعله يتربع على عرش له مكانة عريقة بين الحضارات بل ويمتلك ما يمتلك من قوة تكاد تضاهي القوى العظمى في العالم .

والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه ويتراءى أما العيون ويتعقبه ذوي الشأن والإختصاص وأصحاب الرؤية التحليلية الثاقبة والسديدة ترى هل حطت القمة العربية في العراق أو ما سمى قمة الربيع العربي في ربيع يغداد وتفتحت زهورها ما بين الرافدين أم أنها علقت ما بين الحبال والأوتاد كحدائق بابل المعلقة ؟!

إن هذه القمة المثيرة للجدل على الرغم من أنها عقدت وكأنها مرت في سهوة من الزمن وفي وقت عصيب اختلطت فيه الأوراق ووقفت أمتنا حائرة كأن على رأسها الطير أمام مفترق طرق شائك وصعب وخطير وفي زمن التحولات العربية الكبيرة التي أحدثتها عملية النهوض الشعبي العربي جسده حالة من الحراك الشعبي العربي الغير مسبوق مما أدى إلى الإطاحة بأنظمة عربية هرمت رؤوسها واشتعل الشيب فيها حتى ظن البعض بأنه لا يمكن ثنيها عن غيها وطغيانها فمنهم من بلغ ثمانين حولا لا أبالك يسأم ومنهم من مضى به آله وذويه إلى طريق الفرار للمجهول ومنهم من اشتعلت فيه النيران حتى أتت أكلها وقطعت دابر المراوغة عليه ومنهم من تعقبه أبناؤه مابين الصحارى وفي المغر ومنهم من ينتظر والحبل على الجرار كما يقولون .

وتاتى القمة العربية الراهنة ورياح التغيير تمخر عباب وطننا العربي وما أسفرت عنه من أزمات حادة وكبيرة وجمى تعصف بمختلف أقطارنا العربية مما يفرض علي موائدها قضايا ملحة وهامة منها الوضع الراهن في سوريا والقضية الفلسطينية وما أحدثه الربيع العربي في البلدان العربية وغيرها من القضايا التى أرقت شعوبنا العربية وشغلت قوى العالم والمجتمع الدولى بأسره علها تكون المنقذ أو ربما تخرجها من عنق الزجاجة أو من ثقب الإبرة ولعل التجاذبات الإقليمية والدولية بدلالاتها ومضامينها الآنية تحمل في جنباتها تأثيراتها الكبيرة على أداء القمة العربية الحالية بل ربما أكبر من كل ذى قمة من القمم التى سارت على الطريق وكان آخرها قمة سرت في ليبيا التى غاب عن حلبة سيناريوهات تسليم رئاستها معمر القذافي الذى غيبه الموت تحت وطأة ما سميت القمة العربية الحالية في بغداد بإسمه أي قمة الربيع العربي بل تغيب العديد من أباطرة القمم العربية السابقة بفعل ذات السياق وعلى اختلاف الوقع والوقائع ثم يقاطع الكثير من رؤساء وزعماء وقادة وملوك الدول العربية أو لعلهم قاموا بتخفيض مستوى التمثيل السياسي فيها لاسيما تلك التى يعتقد بأن لها دورا عربيا وإقليميا ودوليا فاعلا وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي باستثناء حضور أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والذى يعتقد بان لحضوره دلالات أخرى فهو يهبط اليوم في بغداد وقد نخر النزاع بين بلاده والعراق حتى العظم سابقا بل أدى إلى غزو واحتلال الكويت من قبل العراق في ذلك الوقت فهو يعود اليوم لعراق بلا صدام حسن أملا في علاقات ربما تؤسس لها قمة بغداد مستقبلا فيما يتغيب قسريا لاعبا آخرا عن هذه القمة هى سوريا التى رفع ملفها إلى القمة الجارية وما حملته من مبادرات للخروج من الأزمة عبر رؤى من الحلول كان آخرها مبادرة كوفي عنان الأخيرة ببنودها الستة عسى أن يصار إلى تطبيقها فيما سارعت سوريا لعدم الإعتراف بأي من قرارتها نظرا لتعليق عضويتها في جامعة الدول العربية وبالتالي تغييبها عن أعمال هذه القمة وما زال الشعب السوري ينتظر ما تؤول إليه مجمل التطورات والمعطيات على ساحته الوطنية والعربية والإقليمية والدولية وهناك الشعب الفلسطيني الذي ينتظر عودة قيادته من هذه القمة والعود أحمد كما يعود في كل مرة محملا بخفى حنين فما بالك في مثل هذه الظروف والمتغيرات الكبيرة التى تعقد خلالها القمة العربية وفي الزمان والمكان الصعبين فلا امل لهم في مجمل القمم السابقة التى خيبت آمالهم دربا طويلا من الدهر وما زال العقد الشبابي العربى الذي أقرته قمة الخرطوم في السودان يسكن في أدراج جامعة الدول العربية ولم يحرك له ساكن حتى كادت ان تنفذ العشر سنوات التى اقرته هذه القمة وسمى بالعقد الشبابي إلى أن هرم الشباب الذين تأملوا بهذا العقد خيرا وهم ينتظرون تطبيقه لتحقيق طموحاتهم في المشاركة السياسية الفاعلة بل وأضف إلى ذلك بأنه ما زال الشعب العربي وفي مقدمتهم الشباب الحامل الشعبي للثورات العربية والتى اندلعت في البلدان العربية مؤخرا ينتظرون ما ستفضى إليه أعمال هذه القمة وهل ستكون نتائجها بحجم طموحاتهم وتطلعاتهم نحو المستقبل الذي دفعوا من أجله ثمنا باهضا من عرقهم ودمائهم وهل ستضع القمة العربية مشروعا لتحقيق الربيع العربي فتقضي على البطالة والفساد وتقيم أنظمة ديمقراطية وتبني مجتمعات مدنية على أنقاض الأنظمة الأمنية والبوليسية أم ستذهب لسياسة التوازنات العربية والإقليمية والدولية وتسير وفقا للأجندات الأمريكية وبعيدة كل البعد عن مصالح شعوبها حتى تحافظ على ما تبقى لها من مقاعد وعروش كرتونية ووهمية سرعان ما تنهار لاسيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت بالمرصاد تتهدد وتتوعد وترسم السياسات هنا وهناك فما بالك إذا ما عقدت القمة الحالية على أرض أبقت لها فيها جيوب وقواعد أرادت منها ان تكون بوصلتها السياسية والإقتصادية في المنطقة كما فعلت فيمن سبقها على هذا الطريق مقتفية الخطى تلو الخطى ؟؟!!

وعليه فبرأيى إن القمة العربية في بغداد هي قمة ما بين الحبال والأوتاد بل لا تمت بصلة للإسم الذي حملته ( الربيع العربي ) وستبقى تحلق في فضاءات المجهول العربي إلى ان يقضى الله أمرا كان مفعولا وإلى أن يعقد الشعب العربي قمته التى سيحسم فيها خياراته ويحاكم كل من طغى وتكبر واستمرأ في غيه وطغيانه لينصب أعواد المشانق ليتراقص تحتها تلك الثلة والطغمة التى تاجرت واستباحت مقدرات شعوبهم وإلى أن يصار إلى تحقيق هذه العدالة المنشودة يبقى أن ننتظر ما ستؤول إليه قمة بغداد وغيرها من القمم التى حيكت سيناريوهاتها في المطابخ الخلفية للحدائق النرجسية الخاصة بهم والتى سيحاولون غرس بذورها في الربيع العربي .

دمشق في /
30/3/2012م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت