مجرد مادة مالئة، تمنح المنتَج صفات خادعة توهم بجودته، دون أن يكون لها أى أثر أو تأثير يذكر على خواصه أو صفاته أو مردوده على المستهلك، كيانات لم تعد تجيد إلا نفس الطريقة التى اتبعتها مع النظام شبه البائد وحزبه المنحل، فتفرغت لعقد الصفقات مع العسكر تارة ومع الجماعة تارة أخرى، بدلاً من أن تسعى لإعادة بناء هياكلها ومؤسساتها وخلق وجود قوى فى الشارع يحافظ على توازن المعادلة السياسية المصرية.
ـ ظهرت أعراض المرض بوضوح فى الضجة المصاحبة ترشيح الإخوان المهندس خيرت الشاطر لمنصب رئاسة الجمهورية، بعد أن قررت الأغلبية ممارسة حقها الطبيعى والإحتكام لمبادىء الديمقراطية المنشودة، وترك الأمر لقرار الشعب الذى لا يجد على الساحة سواها، حسُنت أم ساءت .
ورغم ذلك، خرج علينا "البط"، الساعى ليل نهار لتأجير بركه الآسنة لمن يدفع أكثر، معترضاً واصفا القرار بالذى "تنقصه الفطنة" !! فى تناقض غريب يلقى اللوم على القوىّ الذى اكتسب قوته بفكره وجهده وعمله حين استمرأ الآخرون الإنبطاح وتركوا الشارع وبحثوا عن مصالحهم ورفضوا، وما زالوا، تطهير بركهم حتى لا تتحول الى مؤسسات جماهيرية حقيقية، فتخرج على الإطار المرسوم لها مع أى نظام كمجرد مادة مالئة !
ـ ورغم يقينى الشخصى أن الإخوان ليسوا بذلك الغباء الذى يجعلهم يضعون المشنقة حول رقابهم لينجزوا بأيديهم، خلال شهور قليلة، ما فشلت فيه الأنظمة المتعاقبة طوال 80 عاما أو يزيد هى عمر الجماعة، أعنى القضاء عليها.
ـ ورغم تصورى أن الأمر مناورة سياسية ساذجة منفردة أو متفق عليها مسبقا، تم إخفاؤها حتى عن أقرب كوادر الجماعة إمعاناً فى السرية أو على الأقل هذا ما يبدو، إذ ربما يكون الإعتراض داخل الجماعة مجرد سيناريو لإتقان الحبكة الدرامية !، مناورة سيعقبها إلغاء قرار ترشيح الشاطر سواء تحقق الهدف منها أو لم يتحقق، بصرف النظرعن تصريح رجلهم البركة "أنهم تقدموا للترشح للرئاسة إرضاء لله ولمصلحة الوطن"، الذى يترجم اسلوب الجماعة "الربانية"، كما تصف نفسها، من إعتياد إقحام إسم الله، تقدس وتبارك وتعالى، فى أى مغالبة سياسية منذ نشأتها، الأمر الذى يستحضر عبارة مصطفى النحاس عندما ذهب اليه أحمد حسين، نوفمبر 1933، يستشيره فى برنامج جمعية "مصر الفتاة" تحت شعار "الله ـ الوطن ـ الملك" فيرد النحاس ( إن وضع الله، سبحانه، في برنامج سياسي هو شعوذة ).
ـ ورغم ظنى أن الإخوان ، وحلفاء الإخوان، قبل أن تكشف مصادرهم ما يتردد عن جنسية والدته الأمريكية، كان فى نيتهم دعم خالد أبو اسماعيل داخل إطار توافقى أكبر يجعل منصب نائب الرئيس عسكرياً ومنصب رئيس الوزراء إخوانياً، وبالتالى قد يُتفق بعدها على ما يمنع الرئيس المنتخب من مباشرة اختصاصاته "مؤقتاً"، فيصبح النائب رئيساً فعلياً غير منتخب لكنه لا يملك حل وزارة الإخوان أو برلمانهم !! خاصة وأنه لا تحديد دستورى، حتى الآن، للفترة الزمنية التى تعنيها لفظة "مؤقتاً"، ولو بدأت بعد اسبوع واحد من تولى المنصب حتى ولو استمرت طوال الأربع سنوات مدة الرئاسة !
ـ رغم كل ذلك، فليترشح من يترشح، وليأتى من يأتى رئيسا للجمهورية، ولتمارس الجماعة حقوقها كاملة دون أى إعتراض على صندوق الإنتخابات ورأى الأغلبية، ولكن .. فليكن ذلك داخل منظومة سليمة تؤسس لدولة محترمة ولاء إدارتها لصالح الشعب فقط ، بدستور واضح المعالم قوى البنيان، ودون إدعاء تمثيل السماء !
ـ هذه المنظومة السليمة، هى مهمة المجلس العسكرى الأساسية، بدلاً عن العشوائية وضبابية المشهد وقتامته، التى صنعها عن عمد أو عن قلة خبرة أو كنتاج لأراء مستشارى السوء، فأنتجت حالة التخبط وميوعة المواقف التى باتت أهم إفرازات مرحلة ما بعد 11 فبراير، منذ بدأت الإفتكاسات بـ "تخلَّى ثم كلَّف"، الى الإستفتاء الذى قبل الشعب فيه بتعديل 10 مواد فوافق ضمنياً واستفتائياً على وجود بقية الـ 211 مادة غير المعدلة من دستور 1971، ليفاجأ بإعلان طرحه المجلس العسكرى لخاطر عيون الجماعة، وجَمَّله بوصف "دستورى"، حمل فى طياته 63 مادة منها 53 لم يستفت عليها الشعب !! ففقدت شرعيتها وأصبح باطلاً كل ما تم بناؤه عليها من برلمان الى رئيس قادم، اللهم إلا إذا كان مساء 11 فبراير 2011 قد شهد إنقلابا عسكريا من حق رجاله إستبدال الإعلان بالدستور دون استفتاء رأى الشعب !
ـ وهى نفسها حالة التخبط وميوعة المواقف التى أغفلت، وعن عمد، أن الترخيص لحزب الجماعة يعنى، بداهة، حلّ هياكلها رضاء أو قضاء، وإنخراط كوادرها وأعضائها فى مؤسسات حزبها الوليد، أو تحولها الى جمعية دعوية مرخصة تخضع لرقابة الدولة بعيداً عن السياسة.
ـ أما أن نصبح ولدينا حزب سياسى شرعى يوصف بالذراع السياسية لجماعة الإخوان، مما يوحى بوجود ذراع عسكرية وأخرى أمنية وثالثة اقتصادية، الى آخر مجموعة الأذرع الأخطبوطية المجهولة الخفية، يخضع لقوانين الدولة وأجهزتها الرقابية، تديره وتموله، جماعة سياسية مجهولة العضويات والهياكل والتمويل والعلاقات الخارجية، ولا تخضع إلا للقوانين الإستثنائية كتنظيم غير قانونى محظور حتى هذه اللحظة، فهو وضع غريب عجيب وخلط بين القانونى وغير الشرعى يتركه صاحب القرار، عن عمد كما نظنه لا يغيب عن ذكاءه، لحسابات ضيقة مؤداها لا يخرج عن خشية رد الفعل، أو عن آخر .. نربأ به عن الغوص فيه، رغم أن الجماعة نفسها ترفض أن تخرج ميزانية الجيش وخصوصياته عن رقابة الدولة ممثلة فى البرلمان ! ورغم ان الجماعة نفسها، بعد إكتمال سيطرتها على أركان الدولة، لن تقبل مستقبلاً بظهور تنظيم مشابه لحالتها يكون فوق القانون، كما أراد لها المجلس العسكرى أن تكون !!
ـ خلط بين القانونى وغير الشرعى، سيدفع البلاد الى داخل الهاوية التى تتأرجح على حافتها الآن بالفعل، لتتحول الى كهف أفغانى، أو نموذج إيرانى تحت ولاية مرشد يتعين على الرئيس تقبيل يده قبل إتخاذ القرار، أو الى ثكنة عسكرية، اللهم إلا إذا كانت الأمور تسير عن عمد وترتيب فى طريق دفع الشعب للإستجارة من الرمضاء بالنار، بعد أن تؤدى المواد المالئة دورها فى تزيين ذلك وتسهيله !
ـ كلامى هذا ليس إستعداء لأحد ضد أحد، ولا يعنينى من سيحكمنى ولا طبيعته ولا هويته ولا دينه أو انتماؤه طالما حكمنى بالدستور الذى إرتضاه الشعب، الدستور الغائب مجهول المصير حتى الآن، والكرة فى ملعب المجلس العسكرى، والأمور تتحرك الى الأسوأ، والحل أن تفعل الجماعة ما تشاء وللشعب القرار، بشرط أن تخضع للقانون ولسيطرة الدولة تمويلاً وهيكلة وعلاقات خارجية .. رضاء أو قضاء .. وفوراً حتى لو انسحب الشاطر، وحتى لو قالوا أن إنسحابه، أيضاً، إرضاء لله ولمصلحة الوطن !
ضمير مستتر:
ماذا تكَلُفَك الروحاتِ والدلجا ؟!
البر طوراً، وطوراً تركب اللججا ؟!!
قدر لرجلك قبل الخطو موضعها
فمن علا زلقا عن غرة زلجا
ولا يغرنك صفوُ أنت شاربه
فربما كان بالتكدير ممتزجا
"محمد بن بشير"
علاء الدين حمدى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت