اللقاء مع جماعة الإخوان المسلمين في قلب القاهرة في هذه المرحلة له طعم خاص ، لأول مرة منذ عقود طويلة تجد نفسك أمام مقر الجماعة المركزي ويعلو المقر اليافطة الكبيرة المرسوم عليها شعار الإخوان المسلمين التقليدي " سيفان متقاطعان وبينهما كلمة وأعدوا " ، وعند المدخل تواجهك يافطة تحمل شعار الإخوان الجديد " نحمل الخير لكل الناس " وهو بديل فعلي للشعار التقليدي القديم " الإسلام هو الحل " الذي اختفى تماما ولم نجده في أي مكان خلال تجوالنا في المقر الرئيسي للجماعة ، ولاشك أن ذلك يدخل في سياق السياسة الجديدة التي تحكم الفكر الجديد للإخوان خلال توجههم نحو السلطة وحتى لا يكون الشعار عقبة أمام التحالفات الجديدة المتوقع أن يعقدها الإخوان مع القوى السياسية الجديدة المصرية ، خاصة وأن شعار الإخوان الدائم أنهم يرفضون إقصاء أي طرف سياسي مصري يرغب في العمل معهم وفق القواسم المشتركة .
كان في استقبالنا أمين عام جماعة الإخوان المسلمين حيث قدم شرحا وافيا حول طبيعة المرحلة المقبلة التي لازالت تكتنفها الكثير من الغموض والضبابية خاصة مع استمرار سيطرة المجلس العسكري لمقاليد الحكم في البلاد مؤكدا أن هناك علاقة متوترة وليست مستقرة بين حزب الحرية والعدالة – الجناح السياسي للجماعة – وبين أركان المجلس العسكري في كل خطوة من خطوات انتقال السلطة في مصر الى عهده الجديد ، حيث تبرز مشكلة تشكيل اللجنة المكلفة بصياغة الدستور الجديد والمكونة من مئة شخصية وتم الاتفاق على تشكيلها من داخل مجلسي الشعب والشورى من شخصيات عامة وازنة من خارج المجلس ، وكذلك الانتخابات الرئاسية وما يرافقها من إعداد وكيفية التعامل مع المرشحين المحتملين والنقاش الدائر داخل الجماعة حول القرار بضرورة ترشيح شخصية إخوانية أم دعم مرشح من خارج الجماعة ، كل تلك القضايا كفيلة بأن تجعل كافة الأحزاب السياسية في حالة عمل دائبة والعمل على الحفاظ على وحدة الأحزاب الداخلية بسبب الخلافات العميقة التي تعصف فى كل منها وخاصة داخل جماعة الإخوان المسلمين ، وكان متواجد في المقر المرشد السابق للجماعة والمرشد الحالي وكل منهما يلتقي مع الوفود الزائرة ، كان الضغط على المكان واضحا وهناك حركة دائبة ولكن وجوه قيادة الجماعة لا تخفي حالة من التوتر والتعب والإرهاق الفكري البادي على الجميع .
أكد أمين عام الجماعة بأنهم بدأوا خطوات مهمة تجاه تعزيز الحكم الديمقراطي بالرغم من الحملات الإعلامية الكبيرة المثارة ضد الجماعة واتهامهم بأنهم يعملون على السيطرة على كافة مناحي الحياة بالرغم من تأكيد الجماعة المتواصل على نفي هذه التهم جملة وتفصيلا وأن يقومون بخطوات عملية لإثبات صحة ما يقولونه، وأكد أن المجلس العسكري لازال يرفض تكليف حزب الحرية والعدالة بتشكيل الحكومة رغم الفوز الذي حققناه ، وأكد أن حكومة الجنزوري الحالية تعمل على افتعال أزمات وتقوم بتعيينات وإغراق البلد في قروض وذلك بهدف إحراج الحكومة القادمة وتحميلها أعباء إضافية ، ومجلس الشعب سيرفض برنامج حكومة الجنزوري وهي خطوة تجاه إسقاط الحكومة شعبيا . والجماعة تعتقد أن المجلس العسكري متمسك بحكومة الجنزوري حتى يدير الانتخابات الرئاسية بطريقته ويعمل على التلاعب في نتائجها ولذلك فإن فكرة طرح مرشح من الإخوان للرئاسة سيكون بغرض قلب الطاولة وخلط الأوراق والضغط عليهم لتغيير سياستهم تجاه الجماعة .
وأكد أمين عام الجماعة أن جماعته تولي اهتمام كبير بتحقيق المصالحة الفلسطينية واستضاف مقر الجماعة كل الفصائل الفلسطينية باعتبار أن في هذا مصلحة قومية عربية وإسلامية وفلسطينية ، وأكد أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء .
وفي لقاء آخر منفصل مع رئيس حزب النور السلفي الدكتور عماد الدين عبد الغفور وبعض نشطاء الحزب وأول ما يلفت نظرك اللقاء هو البساطة والتواضع الذي يلف مقر الحزب وتحدث الدكتور عماد عن حداثة تجربتهم الحزبية بالرغم من وجودهم القديم على الساحة الشعبية المصرية كدعوة مجردة الى التمسك بأخلاق الدين والعبادات ولهم في هذا المجال تجربة غنية وهذا ما أكسبهم ثقة المواطن المصري واحترامه ، وأكد أن حجم الحركة السلفية في مصر أكبر بكثير من حجم جماعة الإخوان المسلمين ولكن شراسة الحملة الإعلامية الموجهة ضدهم من عدة أطراف نجحت الى حد كبير في إخافة الناس منهم وكونهم لا يملكون وسائل إعلامية موازية لشرح أفكارهم واستفاد الإخوان من هذه الحملة حيث تم تقديمهم بالجماعة الإسلامية الأقل خطرا على المجتمع من جماعة السلفيين . وأكد أن هناك تنسيقا بشكل عام مع كتلة الإخوان البرلمانية وحرصهم على تطوير أدائهم البرلماني ، وأكد أنهم سيدعمون مرشح للرئاسة في نهاية الأمر ولكن لم يتم حسم هذا الأمر بعد ، وأكد على رضى الحزب بما حققه من نتائج فهم لم يسعوا الى أن يكونوا القوة الأولى في البلاد في هذه المرحلة ، وحول الوضع الفلسطيني ، أكد أنهم يتابعون مجريات القضية الفلسطينية ومكانها في القلب وهي قضية الأمة الإسلامية قاطبة وهو حريص على الدعاء للمجاهدين في كل صلاة .
لاشك أن كل من يلتقي بحزب العدالة و التنمية – الإخوان المسلمين – وحزب النور السلفي واللذين يشكلون معا أكثر من 65% من مقاعد مجلس الشعب المصري يدرك عمق التغيير الكبير الحادث في مصر ومدى الانقلاب الفكري الداخلي للمؤسسسة الحاكمة ولكن ستحتاج مصر الى عدة سنوات كي يحكم المراقبون على مدى نجاح التجربة الديمقراطية الحديثة في مصر ، وهل ستنجح هذه الأحزاب والحركات الإسلامية في تقديم نموذج ناجح في العلاقات الداخلية المصرية وكذلك العلاقات الخارجية ؟ وهل ستنجح في تقديم رؤية ومشروع حكم يستجيب لكل متطلبات المرحلة أم ستشهد مصر انتكاسة كبيرة ؟ هناك جهود جبارة يتم بذلها وهناك تحديات هائلة تنتظر الفائزين والقادة الجدد لمصر وكذلك الأزمات المتتالية الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها ، والكل يترقب ما سيؤول إليه مستقبل مصر ، والكل يجمع أن تجربة مصر سيكون لها انعكاسات على مجمل الأوضاع العربية بشكل عام .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت