المصالحة والنوايا الطيبة

بقلم: مصطفى إبراهيم


هناك من يتوقع من المصالحة الفلسطينية البعيدة المنال ان تحل مشكلاتنا كلها، وهناك من يعلم أن الحالة ملتبسة ومعقدة ولا قدرة للرئيس عباس وحماس ان يقدم الحلول السحرية والفورية لإنهاء الانقسام وعودة الامور الى ما كانت عليه الامور من الاتفاق على الحد الادنى.

ان اتمام المصالحة وما يترتب عليها ليس حل المشكلات، بل الخوض في تفاصيل كثيرة ومعقدة وأصحاب النوايا الطيبة هم من يفكرون بذلك، فهي في الغالب تعرينا اكثر وتكشف عوراتنا ومدى ضعفنا، ولن نكون متفقين على كثير من القضايا ونطالب بتأجيلها والبحث فيها لاحقاً.

وسنكتشف لاحقا ان الاختلاف كبير والانقسام عميق منذ زمن بعيد، ولم تعد القضية الفلسطينية تجمعنا وتوحدنا كما كانت عليه في زمن سابق، ولن نكون مجبرين على تصديق أي طرف من اطراف الانقسام عندما يحمل الاخر المسؤولية عن حالنا وما وصلنا اليه، فهناك طرف سبق في الاستئثار بالقضية وهمشنا وقدم وما يزال الحلول حسب رؤيته من دون مشاركتنا بشكل حقيقي وهو فرض رؤيته علينا منذ زمن.

الواقع يقول اننا اجتمعنا أكثر من مرة، وكانت الصورة جميلة لكن الواقع قبيح، ووضعنا كل قضايانا على الطاولة ولم تكن الاجتماعات عاصفة ومثيرة بحجم القضية والدم والمعاناة التي دفعناها ومازلنا من دمنا وحياتنا، ولن يكون بمقدورنا محاسبة او حتى محاكمة أي من اطراف الانقسام، وما قمنا به حتى الان هو البحث في ما هو مطلوب منا خارجيا وليس ما هو ملقى على عاتقنا ومستقبل مشروعنا الوطني برمته ومصلحة القضية الكبرى.

وما جرى ويجري لم يكن البحث في الثوابت والمقدسات التي اتفقنا عليها في غابر السنين أو على اساس التوافق أو الاجماع الوطني الحقيقي، البحث كان على اساس التقسيم والمحاصصة، وفي النظام السياسي للسلطة وعلى اراضيها وتجسيد الحكم الذاتي، ولم يتم البحث في خيارات وحلول أخرى، وكان ترحيل الحلول المصيرية لوقت لاحق والتأجيل كان وما زال سيد الموقف في كل شيئ، ودار البحث في تفاصيل جزئية على مقاس اطراف الانقسام.

الاتفاقات التي عقدت ولم تتم، لم تظهرنا كثوار لنا عدو عنصري وفاشي نهب ارضنا وهجرنا ويقتلنا يومياً، ويناضلون من اجل الحرية والاستقلال وإقامة دولتهم، ولم نختلف عن أي نظام عربي مستبد يستأثر بالحكم، وشبهة الفساد تحوم حوله، وبعض من المسؤولين فيه يتساقطون، وعدد اخر منهم ننتظر ان يبث القضاء في أحوالهم، ويقمع الحريات ولا يحترم كرامة مواطنيه ويتجسس عليهم، ولا يستطيع توفير الحد الادنى من العيش الكريم لهم.

نحن مختلفون حتى النخاع، ونمارس الكذب والخداع والإقصاء والتهميش والتحريض اليومي، وفقدنا الثقة بكل شيئ والإحباط والكبت وغياب الامل يسيطر علينا، ولم يعد الحب يجمعنا، وسادت ثقافة التكيف والصمت والخوف والحلول الفردية للخلاص مما نحن فيه.

الواقع مؤلم وحزين ولا امل يلوح في الافق لان نكون مجتمعين، ونتجرع المر والحسرة يوميا من دون ان نكون نحن، نتسلح يوميا بالخلاف والاختلاف، ونستمر في التأكيد على عجزنا وتأجيل التقرير بمستقبلنا، ولم تعد الوعود تغرينا، ومشكلاتنا تتفاقم، ونحاور العدو ولا نتحاور.

لذا فأي اتفاق جديد لن يقنعنا لأننا فقدنا الثقة بهم، والوعد بالإتفاق والمصالحة اصبح من الماضي ولن نصدقهم إلا اذا اعترفوا بمسؤوليتهم التاريخية بخطيئتهم التي ارتكبوها بحقنا وحق القضية وإلا لن يصدقهم إلا اصحاب النوايا الطيبة.
مصطفى ابراهيم
12/4/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت