البريج – وكالة قدس نت للأنباء
يتمنى أن يكمل تلك اللوحة الفنية التي رسمها لنفسه بدون ساق بعدما قصفته الطائرات الإسرائيلية، وقتلت سبعة من أصدقائه على الفور، غير مبالية بأنهم أطفال كانوا يلعبون الكرة، دفعهم حبهم لأرضهم للتوجه لذلك المكان الذي كتب على جدرانه أسماء أصدقائهم الشهداء.
فالرسم بالنسبة للفنان الفلسطيني جهاد رائد بسام الغول (20 عاماً) من سكان مخيم البريج وسط قطاع غزة، يعبر عن ما يدور في خاطره من أفكار وأحلام وطموحات بات تحقيقها مرتبطاً بتركيب طرف صناعي لساقه اليسرى التي فقدها مع أصدقائه السبعة، وإجراء عملية جراحية لساقه اليمنى لإخراج ما تبقي من (شظايا) الصاروخ الإسرائيلي منها ليمارس حياته الطبيعية.
عمري 16...
ويستذكر الغول الذي يدرس في كلية المجتمع بغزة هندسة ديكور لمراسل وكالة قدس نت للأنباء سلطان ناصر اللحظات الأولي لإصابته قائلاً " كان يوم جمعة 11-4-2008 وكنا نلعب كرة القدم في إحدى مدارس المخيم وقتها كان عمري 16 سنة، وكان هناك اجتياح إسرائيلي للمنطقة فتوجهت مع أصدقائي، لمكان الاجتياح، فأطلقت طائرة إسرائيلية صاروخ باتجاهنا وإستشهد سبعة منا على الفور".
ويبين الغول بأنه أصيب في الغارة الإسرائيلية بشكل مباشر ونقل إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع ومن ثم إلى مجمع الشفاء الطبي بغزة، وأن والده أجرى جملة من الاتصالات حصل من خلالها على (تحويله علاجية) من السلطة الفلسطينية نتيجة خطورة الإصابة، ونقل بعد ذلك إلى مستشفى "يَخلوف" الإسرائيلي داخل الخط الأخضر،منوهاً بأنه لم يتمكن من السفر يوم السبت12-4-2008 نتيجة وجود اجتياح في بلدة بيت حانون شمال القطاع، وبعد تنسيق وصل إلى المستشفي الإسرائيلي في اليوم التالي.
جهاد إستشهد...
ويكمل والد جهاد حديث ابنه قائلاً " سافر مع جهاد جده، وفور دخوله معبر بيت حانون "إيرز" من الجانب الإسرائيلي توقفت سيارة الإسعاف وجاء خبر من المسعفون بأن جهاد قد استشهد، ولكن بعد اتصالات مع المستشفي المحول إليها، طلب الأطباء تحويله إلى مستشفى بالمجدل، وأجروا له عمليات إنعاش حتى تم نقله إلى مستشفى يخلف، ووقتها كانت العائلة في حالة ترقب وقلق وعلى تواصل مع جده بشكل مباشر".
ويوضح والده بأنه على الفور ادخل جهاد إلى غرفة العمليات بمستشفى يخلوف، وأمضى فيها 33 ساعة وأجروا له عدد من العمليات الجراحية وزرعوا له شرايين، ونجحت العمليات، وبعد أيام أكتشف الأطباء أن الغرغرينة تسللت إلى ساقه اليسرى، فبتروها من تحت مفصل الركبة، ثم بتروها مرة أخرى من فوق المفصل، وأمضى جهاد 53 يوماً داخل المستشفى ثم عاد إلى غزة، مشيراً إلى أن مؤسسة "أطباء بلا حدد" كانت تتابع حالته خلال فترة عودته من إسرائيل.
جهاد يمتلك ورقة تغطية مالية من قبل السلطة الفلسطينية منذ بداية 2009 بتركيب طرف صناعي في مستشفي "أبو ريا" بالضفة الغربية، ويقول" تلقى والدي اتصالاً من قسم العلاج بالخارج بغزة أُخبر فيه بأنه يمكنني أن أتلقى العلاج وتركيب الطرف في المستشفى الأهلية العربية ببيت لحم". مستغرباً الأسباب التي تقف أمام سفره وتركيبه الطرف.
رغم فقداني ...
منذ عودة جهاد من إسرائيل وحاله على ما هو عليه إلا أن الأطباء بغزة أخبروه في آخر فحص طبي أجراه بأنه بحاجة إلى عملية جراحية في ساقه اليمنى لوجود خلل في العصب، إلا أنه يبدي تخوفه من إجراء العملية بغزة معللاً السبب بأن الأطباء لم يقدموا له أي جديد في حالته.
ويقول الشاب الفلسطيني جهاد إنه "رغم فقدان ساقه اليسرى إلا أنه يُصر على أن يجد نفسه بين الفنانين والمبدعين في مجال الفن التشكيلي، وأنه حينما رسم نفسه بدون ساق ووضع يده على خده في اللوحة، كان يفكر فيما ستحمله الأيام القادمة له ولحياته، متسائلا...عن تلك الأسباب التي تقف أمام حلمه بتركيب طرف صناعي من شأنه أن يحدث تغيراً في حياته وأسرته..؟.
ويوضح جهاد بأنه يتعامل مع الأمر بشكل طبيعي ويتوجه بشكل يومي إلى كليته لتلقي دروسه، متناسياً المشكلة الأساسية بالنسبة له (صعوبة المواصلات)، متمنياً أن يكون لديه كرسي متحرك يعمل على الكهرباء ليتمكن من التنقل في حال لم يجد من يوصله إلى منزله حينما يعود من الكلية.
مؤسسات مصالح...
بدايات جهاد مع الرسم كانت منذ الطفولة فكان يحب دائماً أن يرسم الأشياء كما يراها، بناء على موهبة في داخله، إلا أنه بعد الإصابة نمى قدراته في المجال وإلتحق بدورات تدريبية أهلته للإلتحاق بكلية المجتمع قسم الديكور .
ويلجأ جهاد إلى الرسم في أي وقت سواء كان سعيداً أو حزيناً، مشيراً إلى أنه منذ أربع سنوات يسجل في المؤسسات المختصة للحصول على كرسي متحرك يعمل على الكهرباء ولكن بدون فائدة، ويقول"ما في مؤسسة إلا اسمي مسجل فيها ولكن على الفاضي ولي بيتصل بتصل لمصلحة شخصية لأرسم له في مؤسسته، وحتى العكاز والكروسة إلّي بتحرك فيهم بدفع حقهم قبل ما أخدهم".
حياة صعبة....
ويقول والد جهاد وهو عاطل عن العمل نتيجة توقف المصنع الذي كان يعمل فيه كخياط إن "وضع أسرته صعب ولا يتمكن من توفير مقومات الحياة اليومية لعائلته وأنه ترك بيته الذي كان يعيش فيه بالإيجار وسكن في بيت العائلة في غرفة واحدة هو وأطفاله".
ويؤكد والد جهاد بأن الطرف الذي رُكب على نفقته الخاصة كلفهم ما لا طاقة لهم فيه، ولم يعد (جهاد) يستخدمه بسبب حدوث تغيرات على جسمه ولأنه في نفس الوقت ثقيل ولا يمكن أن يسير به، مبيناً بأنه وعائلته يعيشون على راتب الجريح الذي يتقاضاه جهاد.
ويناشد والد جهاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بضرورة النظر إلى حالة ابنه جهاد، وتقديم دعمه لحالته بإصدار التعليمات المتعلقة بتسهيل سفره وتركيب طرف صناعي يساعده على ممارسة حياته.