ما وراء تعطيل تنفيذ اتفاق الدوحة

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


اتفاق الدوحة جاء مفاجأة لكل الأطراف المراقبة لتطورات عملية المصالحة الفلسطينية بل ومن خلال الاستماع الى طرفي الاتفاق فقد أكدوا أنه حدث بدون سابق إعداد وأن أمير قطر تدخل في القضية بشكل مفاجيء وحصل التوافق بمجرد الاجتماع وخلال نقاش عام لم يتم الإعداد له مسبقا ، ولذلك تفاجأت به قيادة كلا الحركتين وكان رد الفعل متفاوتا حسب مقدار الصدمة وقدرة كل طرف على استيعاب الصدمات سواء كانت صدمات إيجابية أو صدمات سلبية ، ولعل الواقع يؤكد أن قياداتنا متعودة على استيعاب الصدمات السلبية أكثر بكثير من قدرتها على استيعاب الصدمات الإيجابية وهذا واضح من خلال صدمات الفشل المتتابعة فلا تجد لها أي بريق إعلامي أو صدى أو تؤدي الى خلافات داخلية عالية بينما الصدمات الإيجابية أدت الى تشنج وخلاف كبير واتهامات متبادلة بين قيادات الصف الأول لدى الفصائل سواء بين قطبي الانقسام أو من هم خارجها .

وعلى كل الأحوال فقد استسلم الجميع لهول الصدمة وأصبحنا بحاجة الى مزيد من الوقت لاستيعاب ما حدث ، وكأن حدوث هذا المستوى المتقدم من التفاهم والانسجام الذى حدث بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل شيء معيب أو سلبي يحتاج من البعض التفسير أو كأنه تهمة يجب على أطرافها الدفاع عن أنفسهم وكأن أصل العلاقة هو العداء والتصالح أو التفاهم هو الاستثناء ، ولذلك مضى الوقت بشكل سلبي بسبب هذه العقلية الموجودة لدى البعض .

الرئيس محمود عباس وحركة فتح ملتزمون بكل ما تم الاتفاق عليه سواء في القاهرة أو الدوحة ، والأخ خالد مشعل وحركة حماس يتمنون على الرئيس تنفيذ اتفاق الدوحة ، وكل فريق يعلن تمسكه بالاتفاق ويتهم الطرف الآخر بالتعطيل ، ولكن كل طرف له مفهومه الخاص بالالتزام بالاتفاق وكيفية تطبيقه وهي العادة الفلسطينية السيئة ، لأن كلا الطرفين يهربون من التفاصيل ويلتزمون بالمصطلحات العامة الفضفاضة ، ولا خلاف حقيقي في القضايا العامة حول ضرورة إتمام المصالحة وأنها تصب في المصلحة الفلسطينية واستمرار الانقسام يضر في القضية الفلسطينية ويخدم الاحتلال وهكذا ولكن عند الخوض في التفاصيل يتهرب كل طرف وتبقى القضايا الصغيرة هي العائق الأساسي أمام تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه ، بالرغم أن كل مشكلة لها حل بسيط يعطي كل طرف ما يريد لو كانت الصراحة والوضوح والإرادة بعيدا عن تسجيل المواقف الإعلامية لكل طرف ، ولو تعامل الجميع بذات الروح التي تعامل بها كلا من الرئيس محمود عباس وخالد مشعل حيث أثبت الطرفان أنهما قائدان لشعب وكان طرح مشعل للرئيس بتولي مهمة تشكيل الحكومة وقبول الرئيس بذلك قمة الشعور بالمسئولية ، بعيدا عن لغة تشكيل بعض قيادات فتح بأن الرئيس وقع في الشرك المنصوب له من حماس لتتحمل فتح فشل عمل الحكومة القادمة وكذلك تشكيك بعض قيادة حماس بأنه من غير المنطقي أن يرأس رئيس حركة فتح حكومة من المستقلين وهذا مخالف لما تم الاتفاق عليه ، فكلا الفريقين لا يرغبان في الخروج من مربع النظرة الحزبية الضيقة .

ولكن هناك أسباب تخص القيادتين في نفس الوقت ، الرئيس محمود عباس لا يريد التورط في رئاسة حكومة لفترة طويلة بسبب حجم الانشغالات والمسئوليات التي على كاهله ويخشى أن تماطل حماس في تنفيذ إجراء الانتخابات ويستدل على ذلك بالمماطلة في السماح للجنة الانتخابات المركزية بالعمل في قطاع غزة لتحديث سجل الناخبين ، وهي حجة يمكن أن تكون صحيحة ومنطقية ولكن في ذات الوقت يمكن تجاوزها من خلال ما يطرحه بعض قادة حماس أنه فور تشكيل الحكومة لن يعود هناك سوى رئيس وزراء واحد وهو صاحب القرار وعليه بإمكان الرئيس تنفيذ ما يريد فور تشكيل حكومته ولن يكلفه ذلك الوقت الطويل ، ولكن وفي أسوأ الاحتمالات في حالة حدثت المماطلة من أي طرف كان فإن الواقع الفلسطيني بعد تشكيل الحكومة بشكل عام أفضل بكثير من استمرار الواقع الحالي وبإمكان الرئيس اختيار شخصية قوية ويسند لها منصب نائب رئيس الوزراء ويعتمد عليه في إدارة شئون الحكومة وذلك لتخفيف الضغط العملي على السيد الرئيس ، مع إدراك الكثير من المراقبين أن الجميع بحاجة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية لأسباب خاصة بكل طرف .

ومن خلال اللقاءات والتصريحات لم يعد هناك سبب واضح لتأجيل تنفيذ اتفاق الدوحة بعد نفي كل الأطراف وجود ضغوط خارجية ، ولكن هناك من يتعامل مع ملف المصالحة بدون استعجال لأنه لا يرى أن هناك حالة ملحة للاستعجال لأن كل طرف يمارس هواياته السياسية بطريقته ويقضي وقته مرتاح البال ولا يشعر بالمآسي التي يمر بها المواطن وأن كل يوم هناك جريمة تقع جراء الأزمات المتلاحقة التي تطارد المواطن الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس .
فهل تحدث صدمة إيجابية جديدة بدون مقدمات ونسمع عن خطوات مفاجئة بالبدء الفوري بتشكيل الحكومة الجديدة بدلا عن خطوات تعديل الحكومة القائمة ، نتمنى أن نتعود على الصدمات المفاجئة الإيجابية .

م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت