قد لا أبالغ القول، وفى ضوء العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير الصادرة عن مراكز حقوقية ونسويه ومؤسسات بحثية حول حالة حقوق المرأة الفلسطينية، أنها حالة بائسة ومقلقة ومأزومة، خصوصا وأن المرأة الفلسطينية لا تتمتع بأبسط حقوقها وحرياتها الأساسية المنصوص عليها في ديننا الحنيف وقوانيننا وتشريعاتنا الفلسطينية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ناهيك عن حرمانها، وهذا الأخطر بالمناسبة، من حقها الأصيل في الوصول إلى العدالة بما يمكنها من الدفاع عن حقوقها، وما يعنيه هذا من انعكاسات سلبية تحد من قدرتها على القيام بدورها وتحمل مسئولياتها تجاه تنمية وتطور مجتمعنا الفلسطيني جنبا إلى جنب مع شريحة الرجال.
وفى السياق نفسه، نقول أن المحافظة على حقوق الإنسان الفلسطيني وكرامته وخصوصا حقوق المرأة الفلسطينية إنما هي بالأساس مسئولية وطنية كبرى تتطلب تكاتف وتضافر كافة الجهود الوطنية الصادقة والمخلصة والأمينة والمخططة والواعية والهادفة بما يضمن تعزيز حقوق المرأة الفلسطينية وحرياتها وأمنها، وعلى رأس كل هذا وقبل كل هذا حقها في الوصول إلى العدالة باعتباره متطلبا أساس لتحقيق المساواة والإنصاف والعدالة وسيادة القانون، ومتطلبا أساس لبناء مجتمع فلسطيني ديمقراطي عادل تسوده قيم وثقافة احترام وتقدير قيمة الإنسان باعتباره ثروة بشرية هائلة يمكن أن تكون، إذا ما تم الإعداد والتخطيط لها بشكل علمي ومنهجي وبمستوى من الجودة العالية، ركيزة الركائز لمواجهة كل ما يعترضنا من تحديات جسام ضخمة وهائلة حاضرة ومستقبلية بكافة أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأنا أؤكد واقدر تماما، كما يقدر الكثيرين، ما تم تحقيقه وانجازه لتعزيز حقوق المرأة في كثير من المناحي، وهذا بالمناسبة لا يمكن لاى شخص يمتلك العقل والبصر والبصيرة إنكاره، فاننى بالمقابل أكاد اجزم بأن ما تم بذله على صعيد مسألة وصول المرأة الفلسطينية للعدالة لا يزال قاصرا ولا يرتقى لمستوى التحديات والاحتياجات والطموحات، وهو ما يتطلب منا جهودا إضافية لتمكين المرأة الفلسطينية من الدفاع عن حقوقها، وهنا نقترح ما يلي:
أولا: من المفيد إيجاد إطارا قانونيا فلسطينيا خالصا معياريا واحدا موحدا يتم تطبيقه في جناحي الوطن على قدم المساواة، إطارا قانونيا يحدد بوضوح حقوق وواجبات المواطنين دونما غموض أو إبهام، أو ثغرات أيا كانت مقصودة أو غير مقصودة ودونما تمييز أيا كان نوعه أو مصدره أو مبرره، إطارا قانونيا يعكس الأعراف والسلوكيات الاجتماعية المقبولة لدى جميع الشرائح المنضوية في مجتمعنا الفلسطيني دونما استثناء.
ثانيا زيادة التوعية ألقانونية فيما يخص حقوق المرأة بشكل عام وحق المرأة في الوصول إلى العدالة بشكل خاص، فجهل المرأة بحقوقها القانونية يشكل معيقا ومعطلا ومعرقلا لقدرتها على الوصول إلى العدالة، وهو ما يحتم على مؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات النسوية والمؤسسات الأهلية ذات العلاقة والمؤسسات الإعلامية أن تتحمل مسئولياتها في تنفيذ حملات توعوية قانونية مخططة وهادفة تستهدف شريحة المرأة بالتركيز على شريحة المرأة الفقيرة والهشة بما يمكنها من معرفة حقوقها القانونية وكيفية استخدام الآليات القانونية المتاحة لحل مشكلاتها وقضاياها، كما تستهدف من جانب آخر توعية كافة الشرائح ذات العلاقة بحقوق المرأة وقضاياها بما فيها شريحة الرجال، والقائمين على تطبيق القانون، والمحامون وخصوصا الجدد منهم، وأساتذة وطلبة الجامعات، والمؤسسات الاعلامية .... الخ بما يضمن دعمهم ومناصرتهم لحقوق المرأة وقضاياها.
ثالثا: حسب تقرير التنمية العالمي 2006 " فان الحقوق القانونية للناس تظل في إطارها النظري ما لم تتوفر لهم فرص الوصول للمؤسسات المسئولة عن تطبيق القانون"، وعليه وحتى نخرج حقوق المرأة الفلسطينية من إطار النصوص، التي يتغنى بها الكثيرين مع شديد الأسف، إلى دوائر التطبيق، فان هناك ضرورة لتمكين المرأة الفلسطينية وخصوصا الشرائح الفقيرة والهشة من الوصول إلى المؤسسات المسئولة عن تطبيق القانون المناسبة، الأمر الذي سيمكنها من ترجمة وعيها وفهمها ومعرفتها القانونية فيما يخص حقوقها إلى واقع عملي، والذي سيمكنها بالنتيجة من رفع صوتها عاليا وإيصال رسالتها فيما يخص حقوقها المنتهكة الى تلك المؤسسات التى يفترض أن تتحمل مسئولياتها بكل كفاءة واقتدار، وفق الإطار القانوني المعياري الواحد الموحد المقترح، تجاه إنصاف المرأة ومساعدتها في الوصول إلى حقوقها.
رابعا: بلا شك فان طريقة عمل (اقصد إدارة) مؤسسات العدالة تعتبر عاملا رئيسا في مدى وصول المواطن للعدالة، وعليه نرى أن وجود إدارة واعية وفاعلة لمؤسسات العدالة يزيد من قناعة وثقة المرأة الفلسطينية بفاعلية، وحيادية، ونزاهة، وشفافية، ومهنية هذه المؤسسات، وهو ما يتطلب بالضرورة القيام بإصلاحات على الصعيد القانوني والقضائي على شاكلة تحسين البني التحتية، إدارة الموارد البشرية والمالية، واختيار الموظفين وتدريبهم، ..... الخ.
خامسا: إن جميعنا يدرك تماما أن لا قيمة بالمطلق لأية قرارات تصدر لصالح المرأة أو غيرها إن لم تجد هذه القرارات الفرص الكفيلة بتطبيقها على ارض الواقع، كما أن جميعنا يدرك تماما، ومع شديد الأسف، أن مثل هكذا واقع مر ومؤلم يحدث غالبا في نظامنا القانوني الرسمي وغير الرسمي حين تصطدم القرارات التي تصدر بعقبة عدم القدرة على التطبيق، وهو ما يحتم ضرورة تمتين آليات تنفيذ قرارات المحاكم، وضرورة إيجاد آليات رقابة خارجية فاعلة ومسئولة يتحمل مسئولياتها المجلس التشريعي، ومؤسسات حقوق الإنسان، والمؤسسات النسوية، والإعلام الفلسطيني ... الخ بما يضمن تحسين المساءلة والشفافية.
نحن نعتقد بثقة أن تحقيق ما سبق، ولو في حدوده الدنيا في هذه المرحلة، سيضعنا على الطريق القويم تجاه بناء مؤسسات عدالة قوية مهنية حيادية عادلة تمكن المرأة الفلسطينية وخصوصا تلك الفقيرة والهشة من الوصول السهل والسريع والآمن للعدالة، ومن ثم تمتعها بحقوقها، وعندها ستساهم المرأة الفلسطينية بكل فاعلية وكفاءة واقتدار جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف مع شريحة الرجال في بناء مجتمع فلسطيني واحد موحد متقدم ومتطور ومتحضر، مجتمع فلسطيني ديمقراطي يحترم ويعزز حقوق الإنسان وسيادة القانون وصولا إلى الحرية والاستقلال.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت