منذ عام 2004م أثارت قضية العسكريين ضجة داخل أروقة حركة فتح والمؤسسة الرسمية الفلسطينية ، هذه الشريحة الواسعة من أبناء ورموز وكوادر الحركة الذين أخذوا على عاتقهم بناء أول سلطة وطنية على أرض الوطن ، بعد أن عادت قوات الثورة وبدأت مسيرة البناء بقيادة رمز الأمة الشهيد ياسر عرفات ، وبمشاركة كادر مميز أعطى لهذا الوطن الكثير دون أن ينتظر كلمة شُكر أو عرفان .
بدأت القضية عندما اتخذ وزير الداخلية في حينها اللواء نصر يوسف ، قرار بعدم مشاركة العسكريين ومنتسبي الأجهزة الأمنية بأي مؤسسة للمجتمع المدني ، أو نادي أو جمعية خيرية ، وكذلك الإختيار بين البقاء على كادر المؤسسة العسكرية ، أو نقل القيود على ملاك اللجنة الحركية وقيادة المناطق والأقاليم ، وبرغم أن القرار تم اتخاذه بشكل سريع وبدون إعطاء أي مجال لدراسة بدائله أو إيجاد محددات قانونية يتم من خلالها ترتيب هذا الملف ، إلا أنه طُبق في بعض المجالات وبعضها لم يُطبق ، وكان في هذا الشأن مسألة اعتبارات خاصة وواسطات كما يحصل في كُل القرارات الرسمية والتنظيمية .
أعلم أن القانون يمنع ممارسة أي عمل إضافي للموظف الحكومي ، لكن القانون حدد أي أعمال ممنوعة ، وهي التي يتلقى منها الموظف الأجر المادي ، أما مسألة التطوع والعمل المجاني ، فلا أعتقد أن القانون منع ذلك ، شرط الحصول على الموافقة اللازمة وإعلام السلطة المعنية بذلك ، أما في حالتنا الفلسطينية الواقعية فإن الأمر مختلف ، فالعمل التنظيمي هو أساس القضية ، فقبل أن ينتمي أي منا للمؤسسة الأمنية أو العسكرية ، كان ينتمي لفصيل تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وهي القيادة العليا لشعب ناضل واستطاع أن يحقق إنجاز بإنشاء السلطة الوطنية ، وبدأ هذا الكادر بإستكمال عملية البناء من التنظيم إلى مؤسسات السلطة ، والتي بإعتقادي لا يمكن أن تتأثر بإنتماء الشخص لأي فصيل بشرط الفصل بين العمل الرسمي والتنظيمي .
في كُل فترة يُعاد طرح نفس القضية ، وهي عدم مشاركة العسكريين في العمل التنظيمي ، وبرغم كُل مبررات القيادة الفلسطينية والحكومة حول هذا الموضوع ، إلا أن قيادة حركة فتح تُبالغ أحياناً في تقييم الأمور ، وتتناسى أيضاً الكثير من الملاحظات ، فكيف يتم اتخاذ قرار بأن يكون قادة الأجهزة الأمنية أعضاء في المجلس الثوري لحركة فتح ، ويُمنع الضباط والكوادر الآخرين من العمل التنظيمي ، وكيف يضم المجلس الثوري أعضاء له من العسكريين ، ولماذا يتم التعامل بإزدواجية في هذا الموضوع .
الأصل في الموضوع هو إقرار قانون صادر عن المجلس التشريعي يتضمن الفصل بين السلطة وأجهزتها ومؤسساتها وبين الفصائل الفلسطينية ، بشرط أن يتم تطبيق ذلك على كُل الفصائل ، وأن لا يكون ذلك سارياً على أبناء فتح بدون الفصائل الأخرى ، وهذا الأمر سيكون مصدر سعادة للجميع طالما تمنينا أن نبني مؤسسات وطنية خدماتية تخضع للقانون ، ولا تخلط بين العمل السياسي والرسمي والتنظيمي .
&&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت