في وقت تستمر معاركنا لتكريس الانقسام جغرافياً بين جناحي الوطن المحتل وتمزيق وحدة جماهيرنا الفلسطينية يستمر العدو الصهيوني في قضم وابتلاع الأرض الفلسطينية سواء في قطاع غزة كما أوضحنا في الحلقات الماضية أو في الضفة الغربية التي ابتلع منها 40% من أغنى مناطقها بالموارد الطبيعية وعلى رأسها المياه، تحت مبررات عدة منها: بناء وتوسعة المغتصبات أو الدواعٍ الأمنية أو بزعم مناطق عسكرية مغلقة أو مناطقها سياحية أو تجارية، وقد تصل نسبة المساحة التي سيتم التهامها بعد استكمال بناء الجدار(12% من مساحة الضفة) وتنفيذ المخططات التي تم الكشف عنها مؤخراً إلى 60% من مساحة الضفة الغربية! أما القدس التي لم يتبقَ منها جزء لم يتم تهويده والمسجد الأقصى الذي على وشك الانهيار فحدث ولا حرج، فبعد فتاوى شرعنة الانتخابات التشريعية الماضية بدونها الآن أحد شروط بدء التحضير لانتخابات قادمة لإنهاء الانقسام الحصول على تعهدات صهيونية ودولية بإجراء الانتخابات فيها، بدأت الآن معركة الفتاوى حول حِل أو حُرمة زيارة القدس في وضعها الحالي وانقسم شيوخ السلاطين والتنظيمات السياسية وتبعهم الكتاب وأنصاف المثقفين كل حسب مصلحته وتوجهه السياسية والأيديولوجي إلى جبهتي قتال يخوضون عليها أشرس معاركهم لتحرير القدس والأقصى ما بين تحيلها الزيارة وتحريمها!.
يا سادة مع احترامي لحجج كلا الطرفين اسمحوا لي أن أقول: ليس فيكم أحد أهلاً للفتوى بحِل أو حُرمة زيارة القدس في وضعها الحالي لأن كليكما تابع وأسير لمصلحته أو فكره أو تنظيمه، مثل هذه الفتاوى من حق علماء الأمة الزُهاد العازفون عن دنياكم وصراعاتكم السياسية الذين لا يسعون وراء الدولار واليورو ولا يفتون لمصالح حزبية ويتقوا الله ويبتغون رضا تعالى ومصلحة القدس والأمة بفتواهم وأولئك لم يستفتهم أحد! كما أنه لا فتوى تحريم زيارتها إن كان هناك فتوى منعت المسلمين من زيارتها طوال خمس وأربعون سنة من احتلالها حررتها أو منعت تهويدها، ولا فتوى حِل زيارتها بعد خمس وأربعون عاماً من احتلالها وإضاعتها وتمكين اليهود من تهويدها ستحررها أو توقف مخططات هدم المسجد الأقصى! فهلا كففتم عن التراشق بالفتاوى وشغل الأمة بها بعيداً عن حقيقة ما يجري على الأرض من تهويد للقدس وقضم للأرض وكرستم جهدكم للبحث عن وسائل توحد ولا تفرق تبني ولا تهدم؟! فمعارككم هذه لن توحد أمة ولن تحقق نهضة ولن تحرر أرض ولكن تمنح العدو فرصة تنفيذ مخططاته لمزيد من التمزيق للأمة والوطن!.
حقاً الخسائر ليست معيار؟!
حديثنا موصول عن انتصارات المقاومة الوهمية التي ستجعل العدو يفكر مليون مرة قبل أن يخرق التهدئة! أفهم أن يحاول قادة المقاومة رفع الروح المعنوية للجماهير التي تدفع الثمن الأكبر في كل جولة من جولات التصعيد الصهيوني ولا بأس من قول أننا انتصرنا في هذه الجولة أو تلك ولكن بموضوعية وتواضع في الحديث عن القوة المقاومة وانتصاراتها وليس ببيع الوهم في معركة التنافس أو الصراع على كسب الجماهير واختلاق انتصارات وهمية لا وجود لها إلا في خيالهم، ويعيشوا الدور ويوهموا أنفسهم والعالم أنهم فعلاً يهددون أمن ووجود العدو وأن رسائلهم وصلته وما على الجماهير إلا أن تضع في بطنها بطيخة صيفي وتنام ملئ جفونها ولا تخشى أي عدوان لا على المدى القريب ولا البعيد فالعدو تعلم درس لن ينساه وإذا أخطأ وكررها فهو يعلم ما ينتظره وأنه ينتظره من مفاجآت ستجعل ندمه أشد، لأن ذلك تزييف وتضليل للوعي!.
لقد تابعنا أخبار العدوان الأخير على غزة وقتل العدو 27 فلسطينياً من بينهم 14 قائداً ميدانياً من لجان المقاومة الشعبية وحركة الجهاد مقابل لا شيء في الطرف الصهيوني ولم نسمع أو نقرأ خبر واحد أثناء الغارات ولا بعد العودة للتهدئة صدر عن قادة العدو يشير إلى أي نوع من الندم ولكن الذي علمناه رضا قادة العدو عن العملية واستعدادهم لتكرارها عند تحديد أهداف فلسطينية جديدة! بدليل أنه عاد واغتال وجرف الأراضي الزراعية ووسع مساحة المنطقة الفاصلة لمنع إطلاق الصواريخ، ومازلنا نتابع تهديداته باجتياح غزة متخذاً من إطلاق ثلاثة صواريخ من سيناء على مدينة أم الرشراش (إيلات) المحتلة عام 1948 ذريعة لذلك وبالمقابل اتسعت دائرة براءة الفصائل الفلسطينية المنتصرة والتنصل من المسئولية عن إطلاقها، وآخرها تصريحات لجان المقاومة الشعبية التي اعتبرت اتهامها بذلك مقدمة أو ذريعة لعدوان صهيوني جديد على غزة! فهل تصرف العدو الذي يجب أن يكون وصلته رسائل المقاومة تصرف المهزوم وتصرف الفصائل تصرف المنتصر الذي يملك مزيد من المفاجآت في حال خرق العدو التهدئة؟! رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، ذلك المطلوب من المقاومة أن تعرف قدرها وحدود دورها في قضية هي أكبر من إمكانياتها مهما بلغت وتختار الوسيلة والخطاب الإعلامي الذي يخدم مصلحتها.
كما أنه مطلوب من الكتاب المناصرين للمقاومة عدم تزييف الحقائق وأن يكونوا أمناء للمقاومة في النصح فالقضية قضية دين وأمة ويجب إخراجها خارج السجالات الفصائلية والاختلافات السياسية، فقد لفت انتباهي من خلال المتابعة أثناء العدوان وقراءة ما بين السطور وبعض التصريحات المباشرة أن البعض بالغ في تضخيم تجديد اتفاق التهدئة وصوره وكأنه انتصار من باب الغمز والتعريض بموقف حركة حماس لأنها التزمت الصمت أو الحياد ولم تشارك في إطلاق الصواريخ حرصاً على حكمها في قطاع غزة حسب رأيهم! وذلك أسلوب خاطئ ليس فيه حرص على مصلحة المقاومة والأمة خاصة وأن أحد أهداف العدو من عدوانه كان اختبار مدى التزام حماس بالتهدئة وكان الأولى بهم بدل أن يهللوا انتصرنا .. انتصرنا .. أن يصرخوا انهزمنا .. انهزمنا لأن حماس أصبحت أحرص على حكمها من حرصها على المقاومة! علماً أني منذ أن قبلت حماس التهدئة في تفاهمات القاهرة أذار 2005 لمدة عام استجابة لشرط شارون بوقف إطلاق الصواريخ كي يفك ارتباطه من طرف واحد مع غزة ووافقت على المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006 لم تَعُد في نظري حركة مقاومة, ومقالاتي تشهد على ذلك خاصة بعد الانقسام الذي حدث في حزيران 2007 وفشلت كل محاولات انهائه ولكن بمنطقهم هم الذين كم هللوا وكبروا وأعلنوا انتصار حماس بعد توقيع التهدئة أول مرة عام 2007 وكرروا ذلك كلما خرقها العدو وأعادت حماس تجديدها. أليس خسارة لنا أن لا تشارك حماس في الرد على العدوان بمنطقهم الذي مازال يعتبر حماس لم تغادر خندق المقاومة؟!.
كما أن الذي من حقه أن يُقيم إن كانت عمليته أو معركته حققت أهدافها أو لا هو الذي يبدأ الهجوم وليس المدافع لأن المهاجم يكون لديه أهداف يريد تحقيقها وهو الأقدر على تحديد كم حقق منها، ولا أعتقد في ظل وضع المقاومة الفلسطينية أن العدو متعجل على تحقيق كل أهدافه في كل عملية فما لا يحققه في هذه يحققه في أخرى ويكفي أن يحقق بعضاً منها! أما المدافع فعليه أن يقيم وسائل دفاعه إن كانت أفشلت أهداف العدو وردعته عن العودة لخرق التهدئة أو لا؟ وإن لم تكن رادعة عليه البحث عن وسائل رادعة تمنع العدو من الاستهانة بقدرات المقاومة وفي الوقت نفسه تقلل الخسائر في صفوف شعبنا قدر الإمكان وتزيدها في صفوف العدو؟ وصحيح أن الانتصار والهزيمة لا يقاس بعدد الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدها الشعب المحتل نتيجة ثورته ولكن ذلك في حال اختارت الثورة الأساليب القتالية الصحيحة بحسب الحالة والظرف وتحرت قدر المستطاع تجنيب شعبها ويلات ردات فعل العدو وفي حال أن الثورة هي التي تبادر في مهاجمة العدو! فما بالك ونحن لسنا البادئين بالهجوم والعدو هو الذي يبادر في ذلك وهو الذي يحدد ميدان ووقت بدء وانتهاء المعركة، ولا نحن الذين نقرر نوع العمليات التي تتم ولا وسائل ردنا تتناسب وحجم قوة العدو ودورنا وتعود بأكبر الخسائر في صفوفنا بسبب أخطائنا وليس بسبب حقنا في الرد والمقاومة؟!.
إن مشكلة المقاومة الفلسطينية اليوم هي نفس مشكلتها في سنواتها الأخيرة في لبنان التي أشرنا لها في حلقة ماضية أنها ركنت لإطلاق الصواريخ سلاحاً وحيداً في مقاومتها للعدو رداً على عدوانه والتضخيم الزائف لقوتها وقدراتها، وذلك لم يقتل لديها فقط الإبداع وروح الثائر الحقيقي وصاحب الحق وتراجعت لديها الرغبة في الالتحام المباشر مع العدو، ولكن غابت عنها تلك العمليات النوعية والتكتيكات القتالية التي أبدعها المقاومون أثناء الانتفاضة والتي تنوعت بشكل ملفت للنظر وطغى عليها روح الابتكار والجرأة والبسالة والتضحية التي لو تمت العودة لممارستها أو إيجاد تكتيكات بديلة لها ولكن بنفس التأثير والفعالية فإنها ستكون أقل كلفة من الصواريخ وأكثر إيلاماً للعدو ولن تمنحه المبررات لضرب أهلنا في غزة بهذه القسوة وإن كان ضربه لأهلنا لا يحتاج لديه لمبررات! لذلك الواجب الشرعي والوطني وروح المسئولية يفرض على قادة المقاومة في فلسطين إعادة النظر في وسائلهم القتالية والبحث عن وسائل أخرى أكثر ردعاً، والكف عن الاستخفاف بالعقول وتزييف الوعي على طريقة الأنظمة العربية وكتابها الذين حولوا كل نكبات الأمة وهزائمها إلى انتصارات واستمروا عقود جاثمين على صدرها يورثونها الهزيمة تلو الهزيمة ويحولونها إلى انتصارات!
التاريخ: 22/4/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت