فلسطين في دائرة الانقسام والتقسيم منذ نكبة 1984

بقلم: أكرم أبو عمرو


بداية أو توضيح ما قصدته من العنوان مع إقراري بأنني لست من أصحاب التحليل اللغوي ، وإنما اجتهد في رأيي ، فالانقسام كما اعتقد هو الفعل الذاتي ولنا مثال في العديد من الكائنات الحية التي تتكاثر بالانشطار أو الانقسام ، أما التقسيم فهو فعل بإرادة خارجية كما يقوم فرد ما بتقسيم مادة ما ، على أي حال فقد تعرض الوطن العربي الكبير أوائل القرن الماضي إلى عمليات تجزئة وتقسيم، وكانت اتفاقية سايكس بيكو هي خاتمة هذه العمليات ، فبها كان استكمال عمليات التقسيم وبالتالي السيطرة والهيمنة على بلاد العرب من المحيط إلى الخليج أرضا وشعبا، بعد ذلك بدأت القوى الاستعمارية بأشكالها المختلفة والمتغيرة عبر الزمن ، في مرحلة جديدة من محاولات التجزئة للبلاد العربية لتصبح قطع فسيفسائية تهيمن عليها الأعراق والطوائف والشيع والأحزاب ، ولعل في انفصال السودان عن مصر في خمسينات القرن الماضي ، وتقسيم اليمن في أعقاب انسحاب بريطانيا من الجنوب اليمني ، وفي زماننا تقسيم السودان والصومال ومحاولات تقسيم العراق وليبيا بل أن مصر مهددة بالتقسيم الخ ، إنما هي محاولات جادة لتحقيق مقولة نشر الفوضى الخلاقة في عالمنا العربي ، لخدمة الاستعمار والصهيونية .

وفلسطين موضوع مقالتنا هذه ليست بعيدة عن هذه المحاولات ، وجميعنا يعرف بقرار تقسيم فلسطين رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر لسنة 1947 ، الذي قسم فلسطين دولتين يهودية في الغرب وعربية في الشرق ، وعلى الرغم من رفض العرب لهذا القرار ، إلا أن البعض ما لبث أن دعا لتنفيذ هذا القرار ، ولم يكن القرار رقم 181 هو الأول ، بل أعقبه تقسيم لفلسطين تم إقراره وتنفيذه دوليا ، واستمر ردها من الزمن ، ففي أعقاب حرب 1948 وقعت اتفاقية الهدنة المعروفة باتفاقية رودس بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي ، وفيها قسمت فلسطين إلى ثلاثة أجزاء ، الأول تحت السيطرة اليهودية والتي أطلق عليها اسم دولة إسرائيل وتعادل 78% من فلسطين التاريخية ، والثاني تحت الحكم الأردني وهي الضفة الغربية والتي تعادل نحو 20.65% من مساحة فلسطين التاريخية، والثالث ، تم وضعة تحت الإدارة المصرية وهو قطاع غزة الذي يعادل 1.35% فقط من مساحة فلسطين ، هذا التقسيم كان على درجة من الخطورة لأنه لم يقسم الأرض فحسب بل قسم الشعب الفلسطيني في ارض فلسطين ، حيث بقى جزء منهم في أرضة لم يغادرها ليقع تحت السيطرة والحكم الإسرائيلي وليصبحوا فيما بعد مواطنين من الدرجة الثالثة على الرغم من منحهم الهوية الإسرائيلية ، أما الفلسطينيون في الضفة الغربية فقد دخلوا في وحدة اندماجية مع المملكة الأردنية ، أما سكان قطاع غزة فلم يجدوا أمامهم إلا مصر التي كانت متنفسهم الوحيد وبإشراف الإدارة المصرية ارتبط سكان القطاع بمصر ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ، على الرغم من أن مصر حاولت العمل على المحافظة على قطاع غزة كإقليم فلسطيني .

تقسيم ثالث تعرضت له فلسطين ، كان بعد حرب 1967 بعدما احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة ، وبذلك تكون إسرائيل قد أكملت احتلالها لجميع ارض فلسطين التاريخية ، بالإضافة إلى أجزاء من الأراضي العربي الأخرى ( شبه جزيرة سيناء المصرية ، وهضبة الجولان السورية ) ، والغريب أن إسرائيل قامت بادرة كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بطريقة مختلفة عن الأخرى ، وحاولت الفصل بين المنطقتين.

ثلاث عمليات تقسيم لفلسطين من بينها قرار لم يتم تنفيذه ، على الرغم من السياسة الإسرائيلية داخل إسرائيل واقصد هنا السياسة العمرانية والاقتصادية التي بنيت كما يبدو على أساس هذا التقسيم لماذا هذا ما نريد التأكد منه، لان الدراسات والأبحاث تشير إلى أن نحو 80% من السكان الإسرائيليين اليهود يعيشون على نحو 20% من مساحة إسرائيل وهذا الجزء موجود على القسم اليهودي حسب قرار التقسيم وهناك نحو 20% من السكان الاسرئيليين اليهود يعيشون على 80 % من مساحة إسرائيل ومعظم هذا الجزء موجود في القسم العربي حسب قرار التقسيم .

في التقسيمات السابقة يلاحظ أن لا دخل للفلسطينيين في ذلك، بل حاول الفلسطينيون جاهدين لمنع هذه العمليات من التقسيم عبر نضالاتهم وكفاحاتهم ضد الغاصب المحتل بدءا من قوات الانتداب البريطاني إلى العصابات الصهيونية ثم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ، حيث قدم الفلسطينيون التضحيات الجسام من أرواح أبنائهم ومن مقدراتهم.

والآن ومنذ اقل قليلا من خمس سنوات مضت، والأراضي الفلسطينية تعيش حالة من الانقسام هذه المرة ، ونقول انقسام لان هذا الأمر جاء بأيدي فلسطينية دون تدخل الغير ، والجميع الآن يدرك تداعيات هذا الانقسام الذي لا يلوح في الأفق ما يشير إلى قرب انتهائه ، فإذا كانت التقسيمات الأولى كانت باردة غير فلسطينية ،وبقدر أن هذه التقسيمات عملت على تعزيز وحدة الصف الفلسطيني والهدف الفلسطيني التي قادت إلى مقاومة المحتل ، فإن هذا الانقسام من شأنه أن يحطم هذه الوحدة ويعمل على تبديد الهدف وما نراه من تراجع لقضيتنا لدرجة أصبح البعض يطالب أو يدعو أو يقوم بالتلويح بحل السلطة الفلسطينية بحجة أنها فقدت مبرر وجودها ، السلطة التي يمكن أن تصبح عنوانا لمشروعنا الوطني مهددة بالانهيار بسبب الانقسام .

إنني اكتب هذا الكلام واعرف تماما إنني لم آت بجديد ، ولكن ذلك للتذكير ففي الذكرى عبرة لمن يريد أن يعتبر بعد نحو ثلاثة أسابيع ، سيحيي الشعب الفلسطيني الذكرى الرابعة والستين للنكبة ، وهذا يعني أن معظم القيادات الفلسطينية الآن لم تشهد النكبة ، فيأيها القيادات حاولوا العمل على إخراج فلسطين من دائرة هذه الانقسامات والتقسيمات ، وأسسوا لوحدة تراها الأجيال القادمة لتكون لهم نبراسا على الدرب الطويل للنضال والثورة .

أكرم أبو عمرو
غزة - فلسطين

23/4/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت