التشهير والشيطنة

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
التشهير والشيطنة
إطالة اللسان تهمة يعاقب عليها القانون، هذا ما يتضح فيما ذهبت إليه النيابة العامة في تحديد لائحة الاتهام بحق المدون جمال ريحان، وإطالة اللسان تعني ضمن مدلولاتها التهجم على شخص ما، أو زيادة في توصيف السلبيات عن الحد المقبول والمسموح به والذي قد يترجم أحيانا إلى التحريض، ويفهم من ذلك أن اللسان بطوله الطبيعي تحكمه ضوابط ومحددات، لا يجوز لصاحبه تجاوزها بما يتفوه به من كلمات، مؤكد أن التطاول على الآخر ونعته بما ليس فيه يدخل في باب التشهير والقذف، وهذه تهم يعاقب عليها القانون وقد تحتاج إلى رد اعتبار للضحية بشقية المادي والمعنوي، وإن كان القانون المدني قد وضع عقوبة للتشهير أو القذف، فقد سبق ذلك ديننا الإسلامي بأن جعلها من الصفات التي لا يتسم بها الإنسان المسلم، ولكن هنالك بون شاسع بين إطالة اللسان بعموميته وتوصيف بعض التجاوزات الصادرة عنه، فتحت عنوان إطالة اللسان تكمن قائمة طويلة من المحددات التي تصل بمنسوبها إلى تكميم الأفواه، أو على أقل حال قد تدخلنا زئبقية الكلمة في المحظور دون نعي ذلك.

قديما ارتبط مفهوم إطالة اللسان بالتهديد من الجانب الآخر بقطعه أو قصه، وقطع اللسان بأكمله أو تقصيره يؤدي بصاحبه إلى العجز عن الكلام أو اللعثمة على أقل تقدير، كنا نعتقد أن كل هذه المصطلحات هي من مخلفات الماضي التي لا يجوز استحضارها في زمن يتشدق الجميع فيه بصون حرية الرأي والتعبير، وفي زمن حولت فيه تقنية الاتصالات العالم إلى قرية صغيرة تحت المجهر الإعلامي، المؤكد أن إطالة اللسان وحرية الرأي يتقاطعان في المساحة الأكبر فيما بينهما، وبعيدا عن مفردات القذف والتشهير والتحريض يمكن لنا القول أن ما يعرف بحرية الرأي والتعبير في العالم المتحضر يقابله إطالة اللسان في العالم الثالث، وإن كانت بريطانيا قد وفرت لمواطنيها حديقة "الهايد بارك" للإفصاح عما بداخلهم، فقد وفر العالم الثالث لمواطنيه زنازين لترويض النفس على الصمت.

على أي حال طالما أن إطالة اللسان تهمة يعاقب عليها القانون، وطبقاً لمبدأ القياس فإن تقصير اللسان تهمة يجب أن يتضمنها قانون العقوبات، فإن كانت إطالة اللسان توضع في خانة الفهم المغلوط من صاحبه لحرية الرأي والتعبير، فكذلك الحال مع تقصير اللسان سواء كان باختيار صاحبه أم رغماً عن أنفه، حيث تكاد تقتصر المهمة الأساسية للأجهزة الأمنية في الأنظمة البوليسية على تقصير ألسنة مواطنيها، وإن كان ديننا الحنيف قد نأى بالمسلم بعيداً عن لغة التشهير أو القذف التي قد تأتي من إطالة اللسان، فهو في الوقت ذاته قد ذهب بالمسلم إلى أبعد من ذلك في وصف تقصير اللسان في قول كلمة الحق "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

وتحت عنوان التحريض الذي تم تشكيله بقدرة قادر لحبل يطوق عنق حرية الرأي والتعبير، فقد سبق للحاكم العسكري الإسرائيلي في بداية الانتفاضة الأولى أن قام باستدعاء مواطن، وأثناء حديثه وفي إطار لغة الترهيب والوعيد، حاول الحاكم العسكري توجيه تهمة التحريض للمواطن، فما كان من المواطن إلا أن أجاب الحاكم بأن عليه أن يوجه أصابع الاتهام إلى وجهتها الحقيقية، فكل من يسهم في وضع حجر عثرة أمام حياة كريمة للمواطن هو بمثابة المحرض الأساس، وبالتالي من ينتقد القصور ليس بمحرض، وإنما المحرض الأول والأخير هو القصور في توفير الحرية والعدالة للمواطن ومتطلبات الحياة الكريمة له، والاحتلال يتحمل هذه المسؤولية وعلينا نحن ملاحقته.

ما ينبغي قوله أن تهم التشهير والقذف والتحريض التي نستخلصها من مفهومنا لإطالة اللسان، ونقوم بتشكيلها ضمن قوالب محددة، تدفعنا لأن نقول بأن الأولى بنا أن ننتزع من تقصير اللسان تهمة الشيطنة لمن يصمت عن قول كلمة الحق.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت