مراسم تبادل الرسائل الباهتة

بقلم: غازي السعدي

جاء الرد العملي سريعاً على رسالة الرئيس "محمود عباس" التي نقلها كل من صائب عريقات وماجد فرج لـ "نتنياهو" يوم 17-4-2012، فالرد جاء بقيام الكنيست بإقرار تشريعات عنصرية جديدة، للمزيد من السيطرة على الأراضي الفلسطينية، والالتفاف على المحكمة العليا وإحياء قانون سبق أن تم شطبه من جدول الأعمال، وهذه التشريعات تفرض قيوداً لمنع إخلاء المستوطنين من منازل أو أراضٍ وضعوا أيديهم عليها، حتى وإن كانت المحاكم الإسرائيلية أمرت بإخلائها كما حدث في الخليل مؤخراً، وفي بؤرة "ميغرون" الاستيطانية، بل البقاء بها ودفع تعويضات مالية لأصحابها، ومن خلال هذه التشريعات، إضفاء "الشرعية" على عشرات البؤر الاستيطانية التي تعهدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بإخلائها، وهذه التشريعات، تسلب المحكمة العليا حقها بإصدار القرارات، بعد أن تجرأت في بعض الأحيان على إلغاء قوانين وإخلاء مستوطنين، فسلسلة من هذه المشاريع جاءت لتعزيز ودعم البناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وفي القدس الشرقية، لإضفاء الشرعية على البناء الاستيطاني، حتى على الأراضي التي يملكها الفلسطينيون بصورة فردية، وبعد كل هذه العنصرية، يصرون بأن إسرائيل دولة ديمقراطية، ودولة قانون بل ودولة يهودية وديمقراطية.

إن إسرائيل متمسكة بإستراتيجيتها التوسعية، وبلاءاتها المعروفة، فما الجدوى من نقل رسالة الرئيس "محمود عباس" إلى "نتنياهو" إن لم تكن تندرج في العلاقات العامة لا أكثر، فالرسالة تضمنت أربعة مطالب أساسية لاستئناف مفاوضات السلام المباشرة والمتوقفة هي: قبول إسرائيل بمبدأ حل الدولتين على حدود عام 1967، مع إمكانية تبادل لأراضٍ متساوية بالقيمة والمثل، ووقف كافة النشاطات الاستيطانية بما يشمل القدس الشرقية، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين خاصة الذين اعتقلوا قبل اتفاقية "أوسلو 1994"، أما المطلب الرابع فهو إلغاء كافة القرارات التي اتخذتها الحكومات الإسرائيلية منذ عام 2000، واحترام مناطق السلطة الفلسطينية
المصنفة "أ" و "ب"، وتوسيع صلاحيات السلطة على منطقة "ج"، واحترام الولاية السيادية والأمنية الفلسطينية التي تقع تحت ولاية السلطة الفلسطينية.

الرئيس عباس يشعر بالمرارة نتيجة لسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ويتعرض لضغوط أميركية هائلة، وتهديدات مالية واقتصادية قد تؤدي إلى انهيار السلطة، وبينما سبق أن أعلن أن لدى السلطة خيارات عديدة، ولا نعرف إن كانت هذه الرسالة من بين خياراته، حتى أنها تعرضت إلى تعديلات كثيرة أدخلت عليها بتدخلات خارجية، ومن هذه التعديلات عدم التهديد بحل السلطة الفلسطينية وتحميل الاحتلال أعباء احتلاله للأراضي الفلسطينية، وحسب "عباس" ونتيجة لسياسات الحكومات الإسرائيلية، فإنه لم تعد للسلطة الفلسطينية أية سلطة، وأصبحت دون ولاية حقيقية في المجالات السياسية والاقتصادية والجغرافية والأمنية، أي أن السلطة فقدت مبرر وجودها، فقد حذر "عباس" من أن السلطة لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها في حال استمر هذا الوضع على حاله، وسأل "عباس" في رسالته "نتنياهو": إذا كنت تؤيد إقامة دولة فلسطينية، فكيف تبني على أراضيها؟
موضوع السلام لم يعد يحتل رأس جدول اهتمامات إسرائيل، بل حل مكانه المشكلة الإيرانية، وإذا كان هناك من يعتقد بأن الرسالة ستُحرك القضية فإنه مخطئ، ولماذا على "نتنياهو" التجاوب مع مضمونها بعد تصريحات الرئيس الفلسطيني لصحيفة الأيام الفلسطينية بأن موضوع حل السلطة غير وارد، وأن الدعوة لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل باق بل يأتي في إطار المزايدات الرخيصة، وهذان الموضوعان هما الأوراق الرابحة في الضغط على إسرائيل، وطالما أنهما غير واردين، فلماذا على نتنياهو التراجع عن مواقفه؟

إن حكومة "نتنياهو" ترى في المنطقة "ج"- والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية- جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وتعمل وتبني في هذه الأراضي ما يحلو لها، ولهذه الأسباب، وأسباب أخرى يعلم بها مهندس اتفاق اوسلو "د. يوسي بيلن" ينصح "عباس" بحل السلطة، بعد مرور (18) عاماً على إبرام هذا الاتفاق، بعد أن كشرت حكومة إسرائيل عن أنيابها، واعتبرت الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من أرض إسرائيل التوراتية، استناداً إلى كتاب التوراة، ووعد بلفور اللئيم، وإذا كان عدد المستوطنين حالياً في الضفة الغربية (500) ألف مستوطن، فإنهم سيتعدون عدد الفلسطينيين إذا بقي الوضع على هذا الحال.

باعتقادي أنه لا جدوى من تبادل الرسائل، لأن المواقف الإسرائيلية معروفة، وليست مخفية، حتى أن هناك دعوات لـ "نتنياهو" بعدم الرد على رسالة "عباس"، فهم يخشون من مجرد رسالة عابرة بأنها تأتي في إطار مشروع "عباس" الإستراتيجي لإقامة الدولة الفلسطينية رغم أنف إسرائيل، معتبرين أن هدف الرسالة-حسب المصادر الإسرائيلية- الإيقاع بـ "نتنياهو"، مع أن الأخير وعد بالرد عليها خلال أسبوعين، وبالتأكيد فإن الرد سيكون بدعوة "نتنياهو" لاستئناف المفاوضات المباشرة دون "شروط" مسبقة، مع الاستمرار في الاستيطان، وذلك للتهرب من الاستحقاقات الواردة في الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، وبخاصة خارطة الطريق، فالفلسطينيون لا يضعون شروطاً مسبقة، كما تدعي إسرائيل، بل يطالبون بما سبق ونصت عليه الاتفاقات بين الجانبين، فلماذا تتجاهل إسرائيل هذه الاتفاقات، وما الفائدة من اتفاقات جديدة سوف لا تحترمها إسرائيل في المستقبل في حال التوصل إليها.

وأخيراً ... علينا أن نعترف بأننا أخفقنا في إدارة الصراع، كما علينا أن نعترف بأن الخلافات والانشقاقات أثرت سلباً على القضية، وإذا كان الحديث حالياً عن التوجه للجمعية العامة للحصول على عضوية مراقب دون حق التصويت، بل تمثل في جميع مؤسسات الجمعية، فكان هذا اقتراحاً للرئيس الفرنسي "ساركوزي" في حينه، ولآخرين، فلماذا أضعنا الوقت دون التوجه للحصول على عضوية المراقب، مع أن ذلك - وحسب جميع المتحدثين- مضمون، فأخطاء القيادة كثيرة، والأجدى بها اتخاذ قرارات ثورية لإعادة الصراع الذي تآكل إلى مربعه الأول.

التاريخ : 24/4/2012
مقال تحليلي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت