مصر التي نعرفها

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
مصر التي نعرفها
شكل الغاز المصري المباع إلى إسرائيل جدلاً واسعاً داخل المجتمع المصري خلال السنوات السابقة، وسبق أن توجهت شخصيات سياسية ونقابية إلى القضاء المصري لإجبار الحكومة المصرية على وقف توريد الغاز لإسرائيل، إلا أن المحكمة ردت الدعوى كونها ليست جهة اختصاص، وفي الآونة الأخيرة شهد ملف الغاز المصري المباع إلى إسرائيل سخونة كبيرة سواء كان ذلك من خلال التفجيرات المتتالية التي طالت خط الأنابيب، أو من خلال تحويله لمادة تشن القوى السياسية هجومها على النظام السابق، حتى بات قميص "عثمان" لمن أراد أن يعلو صوته في المنبر الوطني، ورغم أن قضية الغاز المصري المباع إلى إسرائيل لا تتضمنها اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، وهو عقد تجاري بحت بين الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية من جهة وشركة غاز شرق البحر المتوسط، حيث تقوم الأخيرة بتصدير الغاز إلى إسرائيل، إلا أن تصدير الغاز لإسرائيل غالباً ما تم تغليفه بالطابع السياسي.

وتصدر مصر إلى إسرائيل 43% من احتياجها من الغاز الطبيعي، وتنتج إسرائيل 40% من الكهرباء باستخدام الغاز المصري الذي بدأ توريده لإسرائيل عام 2008 طبقاً لاتفاقية تم التوقيع عليها عام 2005 تنص على تزويد إسرائيل بما يعادل 1,7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لمدة خمسة عشر عاماً، وفي الآونة الأخيرة كثرت الضغوطات على الحكومة المصرية لوقف الصفقة على اعتبار أن السعر الذي يباع به الغاز لإسرائيل هو أقل من سعر السوق العالمية، وبالتالي تكبد الصفقة خسائر للدخل القومي المصري، وعادة ما جرى الربط بين تصدير الغاز وأوجه الفساد من قبل شخصيات متهمة بالفساد.

الحكومة المصرية أعلنت مؤخراً عن إنهاء العقد مع شركة غاز شرق المتوسط، وأثار هذا القرار تصريحات غاضبة من قبل بعض القيادات الإسرائيلية، التي ذهبت إلى حد أن القرار يعيد العلاقات المصرية الإسرائيلية لثلاثة عقود إلى الوراء، فيما حاول البعض منهم احتواء الموقف من خلال الفصل بين العلاقات السياسية والتجارية، معتبراً أن الأمر لا يعدو سوى خلاف تجاري لن يؤثر على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فيما علقت الوزيرة فايزة أبو النجا على فسخ العقد بأن الشركة لم تلتزم بتسديد المستحقات المالية المترتبة على الشركة وأنه تم إبلاغ إسرائيل بذلك مراراً، ونظراً لعدم الالتزام فقد تم فسخ العقد، وأضافت أن مصر لا تمانع في التوصل لاتفاق لتزويد إسرائيل بالغاز ولكن طبقاً لتعاقد جديد وبأسعار جديدة.

في الوقت الذي حرص فيه المرشحون للرئاسة المصرية من مختلف التوجهات السياسية على طمأنة أمريكا وإسرائيل باحترامهم لكافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، جاء قرار الحكومة المصرية بفسخ العقد ووقف تصدير الغاز لإسرائيل، والمؤكد أن هذا القرار الجريء يحسب لصالح الحكومة المصرية والمجلس العسكري، ففي الوقت الذي انشغل فيه مجلس الشعب المصري بصياغة قانون لملاحقة " التك تك"، جاء قرار الحكومة المصرية وقف بيع الغاز لإسرائيل لتنهي بذلك ملفاً لطالما جلب الصداع لها، وإن كان القرار في شكله ومضمونة يعالج صفقة تجارية غير عادلة مادياً، إلا أن القرار له أيضاً من المعاني والدلالات ما لا يمكن إغفالها أو تجاوزها، وتأثيره لن يقتصر فقط على الاقتصاد الإسرائيلي وما عكسته البورصة الإسرائيلية من هبوط فور إعلان القرار، ولكن أيضاً سيدفع إسرائيل لإعادة الحسابات من جديد.

الملفت أن القرار جاء مترافقاً مع المناورات العسكرية للقوات المسلحة المصرية في سيناء، فهل كان ذلك بمثابة الرد على التصريحات الإسرائيلية المتطرفة التي دعت لإعادة احتلال سيناء؟، لعل القرار المصري بأبعاده المختلفة يفرض علينا أن نرفع القبعة لمصر، ويطل علينا من خلاله الأمل بأن تعود مصر من جديد قوية عزيزة شامخة، فهذه هي مصر التي نعرفها البعيدة عن الغوغائية الحاضنة لأحلام وطموحات الأمة العربية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت